خالد القشطيني
بقدر ما للتليفون من مزايا عندما يشتغل ويستجيب لك، فإن له شجونه وبلاياه عندما يعاكسك، تغضب وتتعصب وتتشنج دون أن تعرف ماذا تفعل. وهو ما جرى لصديقي زاهد محمد زهدي، ولكنه كان شاعرًا، فأفرغ همه وضيمه بالقصيد. فجره إلى هذا الحوار الشعري الظريف مع شاعر آخر، وهو ما لا يتسنى للناثر دون الشاعر.
كان يحاول الاتصال بصاحبه الصحافي السعودي عبد الغني قستي، رئيس تحرير صحيفة «البلاد». لم يستطع أن يحصل على أي استجابة لندائه. لم يتعصب أو يثُر، فراح يقضي الوقت ينظم شجونه في القوافي.
يا سيدي عبد الغني
هاتفكم أتعبني
أطلبكم فينبري
رنينه في أذني
يضرب في طبلتها
من غير أن يسعفني
ويستمر صامتًا
رغم مرور الزمن
وهو على رنينه
مواظب لا ينثني
كلمته بكل ما
أعرفه من ألسن
أسمعته لحن النها
وند بصوت حسن
حدوت، غنيت كما
البدو وأهل المدن
عزفت بالناي له
والعود ثم الأرغن
وقلت لو أسمعته
شعرًا عسى يسعفني
فلم يزل في صمته
ملتزمًا كالوثن
إلى آخر القصيدة من شكوى وحيرة بعث بها إلى صديقه الشاعر الآخر. لم يحظ بجواب من الهاتف، ولكنه بدلاً من ذلك تسلم جوابًا موزونًا مقفى على نسج صاحبه ونظمه:
لبيك من ناديتني بالروح روح السوسن
لبيك قلبًا عاشقًا بالعين قبل الأذن
لبيك يا أحلى نداء مس سمع الزمن
لا أرتضي سواه مهما كان غالي الثمن
لكنني – وا أسفي - أقول ما لم يرضني
أخطأك التوفيق في توقيتك المتلفن
هاتفتني مكررًا: ألو! آلو! «عبد الغني»
فلم يجبك أحد رغم الصدى المدندن
إذ لم أكن آنئذ جاوزت باب مسكني!
أطروحة وجوابها، وموعظة لها مفادها. إذا كنت يا سيدي القارئ تضيق ذرعًا بمعاكسات التليفون والسنترال، فتعلم نظم الشعر وسبك القوافي، ولا تضيّع وقتك في مناداة الخدمات والاستعلامات.
592 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع