عائشة سلطان
تسأل ببساطة بعد أن يصدمك سلوك وتصرفات بعض ممن يسمون «المثقفين العرب»، تسأل كيف يمنح هؤلاء جوائز رفيعة في بلاد العرب، كيف ولماذا تقربهم وتتقرب إليهم المؤسسات الثقافية الخليجية، وتنزلهم من التكريم منازل لا يستحقها بعضهم، ولم يحلموا بها يوماً؟
لقد أكرمنا بعضهم إلى درجة فاقت حدود الكرم والضيافة والتكريم، حتى إذا ما خرجوا من حدودنا وغادروا ديارنا سلقونا بألسنتهم وقصائدهم وتصريحاتهم، فأما كرمنا فلأننا كرماء وأما شتائمهم وقلة أدبهم فلأنهم عكس ذلك، ولأن الإناء بما فيه ينضح، فلا يمكن لإناء ممتلئ بالحقد إلا أن يفيض حقداً، ويبقى السؤال معلقاً، لماذا الإصرار على تقريبهم والمبالغة في إكرامهم.
حينما أصدر الناقد البريطاني بول جونسون كتابه «المثقفون»، والذي أثار الكثير من الجدل في الأوساط الثقافية، فإنه فعل أكثر من مجرد تقديم معلومات خفية لا يعلمها الناس حول كبار مثقفي العالم من وزن تولستوي، هيمنغواي، شيللي، ماركس، بريخت، جان جاك روسو، برتدراند راسل، سارتر.. وغيرهم من عمالقة الفن والثقافة والأدب، ممن هام الناس بأفكارهم وتوجيهاتهم، فاتضح أنهم أشخاص متناقضون، يعانون من عقد نقص وأمراض نفسية حقيقية.
بول جونسون الناقد الإنجليزي في صحيفة «أوبزيرفر»، والذي عاصر بعض هؤلاء وقرأ مذكراتهم واعترافاتهم كشف هذا التناقض، وعرّى الصورة ونقلها بكل حقيقيتها الصادمة، مستنداً إلى ما كتبوه بأنفسهم وما كتبه عنهم رفاقهم وزوجاتهم وحتى أبناؤهم. الكتاب الذي ترجمه للعربية منذ سنوات طويلة طلعت الشايب، يقول باختصار إن الكثير من أصحاب الأفكار العظيمة التي أثرت في مسيرة القرن العشرين كله، وأحدثت تحولات مهمة في المسيرة الإنسانية، ليسوا سوى أفاقين وانتهازيين وكذابين ومرتزقة بل ولصوص ومازوشيين، والكتاب برغم ما يحتويه من معلومات تكشف زيف أصحاب الهالات والبريق العظيم، إلا أنه ليس كتاباً انطباعياً أو كيدياً، بل هو دراسة حالة عن حدود التماثل والتباين بين الأفكار العظيمة والسلوك الفردي للشخصية في تتبع وتحليل مذهل!
هذه النماذج تتكرر دائماً، وتظهر في كل الأوقات كاشفة عن سلوك مقيت لا علاقة له بتلك الأفكار العظيمة التي ينثرونها على المنصات والصفحات!
805 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع