نايلة تويني
في هذه المرحلة من المتغيرات العالمية، وتسلم رئيس اميركي جديد مقاليد السلطة في الدولة الاكثر فاعلية في العالم، كان ممكنا التحدث عن تأثير سياسات الرئيس دونالد ترامب على المنطقة ومنها لبنان، لكن التطورات اللبنانية الداخلية تفرض تناول الجانب المختص بالارهاب في حديث ترامب أو خطته، خصوصا انه تحدث عن "الاسلام المتطرف" مشيرا إلى مستوى الشر الذي يقوم به "داعش".
ولعل "داعش" هو أحد الاشكال المستحدثة لهذا الارهاب العالمي، لكنه ليس الوحيد، ولن يكون كذلك. والتركيز على محاربة "داعش" ليس في محله، اذ ان جذور الارهاب امتدت الى كل الدول، واخترقت منازل كثيرة، وصار في امكان اي تنظيم ارهابي مشابه ان يجند عملاء له من الاكثر فقراً غالباً، في كل الاماكن والدول والطوائف والمذاهب، اذ ان العقيدة ليست ضرورة في هذا المجال، وان تكن عاملاً مساعداً في التلاعب بالعقول. "داعش" هو احد تجليات الفقر والعوز والجهل، واحد تجليات التباعد بين اتباع الديانات، وانعدام التوازن بين الشمال والجنوب، ونتيجة لسياسات الاحتلال والوصاية والاضطهاد والعبودية المستحدثة.
واذا قضي على "داعش" سيطل الارهابيون بتسميات مختلفة نشاهد منها حركة "طالبان" و"بوكو حرام" و"القاعدة" ومسميات أخرى. والمشكلة ليست في الاسم بل في المضمون والفكر والتمويل وغيرها. وهذه كلها تحتاج الى خطط بعيدة المدى لاجتثاث الارهاب من جذوره لا تحقيق انتصارات موقتة ووهمية اعلامية.
أما محاربة "داعش" الذي يتلبس الاسلام، فلا تستدعي اثارة المسلمين في العالم، واتهام الاسلام بالارهاب، بل يجب الفصل بين الدين ومتدينين متشددين اصوليين بالمعنى السلبي للكلمة، ليجد ترامب وغيره دعماً اسلامياً في مواجهة هذا الارهاب، خصوصاً ان لديه ناخبين مسلمين، ولديه جنوداً مسلمين يوفرون الحماية والامن لبلاده. أضف الى ذلك ان الحرب على الارهاب ليست "مسيحية" في مواجهة الاخرين، بل هي حرب كونية في مواجهة ارهاب موجود لدى كل الديانات والمذاهب. وبخلاف ذلك، تصير حرباً مذهبية خاسرة قبل ان تبدأ، وتفقد كل الزخم، وتزيد الارهاب وتضاعفه، وتصبح خارقة لكل الدول وعابرة لكل الحدود، اذ ان العالم تحول قرية كونية لا حدود لها، ولا يمكن الدول الكبرى اقفال معابرها اذ ان سياسة التجنيس التي اتبعتها، لحاجتها الى مجنسين واياد عاملة، جعلت المتهمين في عقر دارها ويملكون حرية التنقل اكثر من غيرهم. والحرب على الارهاب ليست هدفاً اميركياً، ويجب الا تكون كذلك، لانها تحتاج الى تضافر كل الجهود المتاحة.
783 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع