عدنان حسين
الأربعاء الماضي شهد حدثاً عالمياً تاريخياً لم نهتمّ به هنا، لكنّ وسائل الإعلام في دول عدّة تمتدّ من الصين شرقاً إلى بريطانيا غرباً، مروراً بروسيا ودول أوروبية شرقية وغربية، احتفت به بما يعكس أهميته.
إلى منطقة باركينغ ، شرق لندن، وصل في ذلك اليوم أول قطار لحمل البضائع قادماً من مدينة "ييوو" (Yiwu) الصينية الكائنة في شرق البلاد، وهي مدينة معروفة بكونها أكبر سوق لبيع البضائع بالجملة. وبحسب وكالة رويترز فان المسافة التي قطعها القطار بلغت 7500 ميل (12000 كيلو متر)، واستغرقت الرحلة 18 يومياً فقط ، وهي ما توازي نصف المدة التي كانت ستستغرقها الرحلة لو تمّت عبر البحر. وقد مرّ القطار بكلّ من كازاخستان وروسيا وبيلروسيا وبولندا وألمانيا وبلجيكا وفرنسا قبل أن يعبر إلى بريطانيا من خلال النفق الشهير تحت القنال الإنجليزي الرابط بين بريطانيا وفرنسا.
بالنسبة للصين سيكون هذا طريق الحرير الجديد الذي سيدرّ عليها عشرات مليارات الدولارات سنوياً، فالسلع الصينية الموجودة الآن في أسواق العالم كلها ستحقّق بهذا المشروع ما يشبه الهيمنة، ذلك أن الهدف النهائي للمشروع ليس السوق البريطانية وحدها وإنما ايضاً أسواق الدول المارّ بها خط سير هذا القطار وجاراتها.
خلف هذا المشروع عقلية ستراتيجية فذّة فكّرت على نحو سليم لتحقيق هدف وطني كبير، فالمشروع سيجعل السلع الصينية الواصلة الى الأسواق الأوروبية أقلّ كلفة مما عليه الآن وأكثر قابلية للمنافسة، ما يعني زيادة كبيرة في الإقبال عليها وزيادة في الناتج الصناعي للبلاد وفي الناتج الوطني الإجمالي ونسبة النمو الاقتصادي، وفي نهاية المطاف مستوى رفاهيّة الناس.
في المقابل نحن هنا في العراق كان من علامات الفشل التام الشامل لدولتنا الراهنة أنها، من فرط ما تعرّضت موازناتها السنوية لنهب على أيدي الفاسدين، وهم من قيادات وأعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية وبتهاون من السلطة القضائية، لم تستطع رصد بضعة مليارات من الدولارات، حتى في السنوات التي تجاوز دخلنا من النفط وحده 100 مليار دولار سنوياً، لترميم وتحديث خط السكة الحديد الرابط بين البصرة وبغداد، والنتيجة أنّ خدمة شحن السلع بالقطارات تكاد تكون معدومة في بلد ميزانه التجاري مع دولة واحدة هي الصين، مثلاً، يبلغ نحو 20 مليار دولار سنوياً .. والنتيجة الأسوأ أنّ الشركات التجارية والمؤسسات الحكومية المستوردة للسلع تضطرّ لتشغيل عشرات الآلاف من الشاحنات في سبيل نقل الحمولات القادمة من الصين وسواها إلى موانئ البصرة.
ومن المترتبات على هذه النتيجة زيادة أسعار السلع التي يشتريها العراقيون، وتدهور شبكة الطرق البرية، واستهلاك كميات مهولة من المنتجات البترولية المنتجة محلياً والمستوردة من الخارج بمئات ملايين الدولارات، وتلويث البيئة، وإنفاق مئات ملايين الدولارات على الشاحنات وأدواتها الاحتياط، ومفاقمة ظاهرة الفساد الإداري والمالي، فهذه الآلاف من الشاحنات تتعرّض للابتزاز في نقاط التفتيش الكثيرة، فلا تمرّ الشاحنة وتعبر من محافظة إلى أخرى من دون أن تدفع ما يُوصف شعبياً بـ "المقسوم". وربما هذا الفساد بالذات هو من الأسباب القوية لعدم الإقدام على ترميم وتحديث وتوسيع شبكة السكك الحديد التي كان لها في الماضي شأن كبير في نقل الأشخاص والسلع جنوباً وشمالاً.
791 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع