لكي ننصف الحضريين من أهالي نينوى والموصل

                                                   

                            بقلم: سالم إيليا

للدخول في صلب المقالة وهدفها فإنّ ما قصدته من المعنى في كلمة "الحضريين" التي وردت في عنوان المقالة هو معنى "الحاضرة" من أهل الموصل بشكلٍ خاص ونينوى بشكلٍ عامٍ مستنداً على الإحصائيات الرسمية التي تبين من أنّ أهل نينوى يتكون نسيجهم الإجتماعي من 70% من الحضر و30% المتبقية من خلفيات لا تمت للحضريين بصلةٍ، ومعنى كلمة "الحاضرة" هي حياة المدن والقرى على حدٍ سواء التي تأقلم مواطنيها مع الحضارة وتطورها الإنساني.

فلقد أثارت المقالة السابقة التي كنتُ قد كتبتها كنداء لإنقاذ سكان الساحل الأيمن للموصل بعض الشجون والإمتعاض للبعض (المتصيد) القليل جداً للنيل من أهل الموصل!!، والبعض الآخر المتضرر من أحداث الموصل (ولهؤلاء ربما نتفهم سبب إمتعاضهم، غير أنّ الكثير منهم يشاطرون المدنيين الأبرياء من أهل الموصل في مآسيهم رغم جراحاتهم التي سببتها داعش لهم) وما رافقها بإحتلال داعش للموصل وقراها ومجمل محافظة نينوى ولمدة تزيد على السنتين كانت كافية لتدمير الكثير من القيم الإنسانية قبل تدميرها للصروح التاريخية والمعمارية الحضارية التي تميزت بها نينوى عبر تاريخ حضارتها الإنسانية، لذا وجب عليّ تكملة ما بدأته لتوضيح الصورة بشكلٍ أوسع وذلك من خلال السؤال المطروح في أذهان من أدان وبشكلٍ (مطلقٍ) أهل الموصل لوقوفهم مع داعش وحسب ظنّهم دون الإعتماد على الحجج والأدلة في إتهاماتهم التي وجهوها الى شريحة عراقية يشهد لها تاريخ العراق بلمساتها الحضارية على مجمل الدولة العراقية الحديثة!!.
فلقد إتهم البعض بحكمٍ متسرعٍ مطلقٍ أهالي الموصل بترحيبهم بداعش وفتح بيوتهم لعناصرها ليكونوا الحاضنة لهذا التنظيم الإرهابي!!، ولتفنيد هذا الإتهام علينا أن نبين خلفيات ما حدث وأسبابه وتداعياته للسيطرة على المجتمع الموصلي ودفعه مرغماً على الإستكانة والقبول بتغيير الأسوأ بالسيء أو العكس، وحيثُ ساعدت تصرفات الحكومة السابقة برئاسة نوري كامل المالكي في ترسيخ فكرة تقبل البديل السيء لدى البعض القليل من أفراد المجتمع الموصلّي وبغض النظر عن سوءه، وحيثُ عمدت حكومة المالكي السابقة الى أساليب التهميش والإقصاء للموصل بمجتمعها ورجالها وبشكلٍ متعمدٍ مستفزٍ متجاوزة على كل الحقائق التاريخية منذ نشأة الدولة العراقية الحديثة في أحقية أن يأخذ المجتمع الموصلي المتمثل بشخصياته وأعيانه دورهم الوطني في المشاركة برسم وإدارة العهد الجديد وكإستحقاق جيوسياسي لثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد متناسية في الوقت ذاته ريادية أهالي الموصل في تصدر المشهد الإداري المهني والسياسي والعسكري للدولة العراقية منذُ نشأتها لكفائتهم ومميزاتهم المعروفة بجدارتها في المشاركة ببناء العراق.
لذا فإنّ هذا الإتهام المجحف فيه الكثير من التجني على الحقيقة دون ذكر المشهد كاملاً بعيداً عن الإحتقانات الطائفية ضد الموصل ومواطنيها، ولكي نكون منصفين علينا ذكر الحقائق كما هي وأولها بكل تأكيد من أنّ الغلبة الغالبة من عناصر داعش من أهالي نينوى لم يكونوا من أهل الموصل المركز وإنما من المهمشين من خارجها والذين لم يكونوا ليتجرؤا بالدخول الى الموصل قبل سنوات مضت إلا لغرض البيع أو الشراء ولسويعات قليلة وفي أغلبيتهم كانوا من رعاع قومهم ودونيتهم!!.
والحقيقة الثانية وكنتيجة لِما ذكرتهُ من تعمد واضح من قبل حكومة المالكي السابقة في إقصاء وتهميش أهل الموصل، وإيغالها في إثارة مشاعر الموصليين في تنصيب المسؤولين الغير كفوئين والغير مرغوب بهم وفاقدي الشعبية لإدارة الموصل إرضاءاً للمحاصصات السياسية المدعومة من الدول الإقليمية متجاهلة واقع المجتمع الموصلي في رفضه تحت أية ضغوط لسياسة "لَوِي الأذرع" التي إعتمدتها الحكومة السابقة.
أما الحقيقة الثالثة فإنّ داعش إستغلت بشكلٍ ذكي سياسة الإقصاء من حكومة المالكي للموصليين وإعتمدت على وسيلة الخداع السياسي بغية حصولها على الدعم العسكري بإشراك مجموعات أخرى معها بأساليب الترغيب الديني مثل جيش "النقشبندية" وعناصر عسكرية ذو خلفيات سياسية قومية مقبولة نسبياً عند المجتمع الموصلي، ثُمّ ما لبثت أن أقصتهم في الأيام الأولى لإحتلالها للموصل وبعد تأكدها من سيطرتها الكاملة على الشارع الموصلّي وعمدت الى التنكيل بالكثير منهم وسط دهشة وصدمة المجتمع الموصلّي لعنصر المفاجئة وحيثُ إنعكس هذا الأمر على التزام معظم الموصليين لبيوتهم وعدم مغادرتها إلاّ للضرورة مما أجبر الداعشيون الى إستخدام أساليبهم القسرية لإجبار أصحاب المراكز والمهن المهمة الى كسر إضرابهم وإعتكافهم والمباشرة في الدوام في الدوائر المحلية الحكومية مرغمين تحت طائلة العقوبات القاسية.
والذي يعرف طبيعة الموصليين سيتوافق مع طرحي ورأيي بكل تأكيد، أقول هذا الأمر وبكل ثقة لأنني كنتُ على تواصل مع البعض من حضر الموصل وشخصياتها المعروفة بمراكزها ووقفتُ على مدى تذمرها وضجرها.
ولكي لا يتهمني البعض ممن يروق لهم رمي حمم براكين حقدهم على كل ما هو موصلّي ولغايات عديدة منها ما هو شخصي يقع ضمن تركيبتهم النفسية والبيئية، ومنها ما هو غير ذلك دون الدخول في التفاصيل!! ـ ـ أقول لهؤلاء: نعم كان هنالك البعض من المغرر بهم من أهل الموصل المركز الذين إنضوا تحت راية داعش ودولتها، لكن بكل تأكيد هم من رعاع القوم ومن بعض مناطق الموصل المعروفة عند الموصليين ببؤسها وبؤس ساكنيها.
 وكما ذكرتُ سابقا من أنّ نسبة 30% من غير الحضريين سيكون لها تأثير كبير فيما لو إنضم عُشرها فقط الى هذا التنظيم مدفوعين بجهلهم ومغريات السبي والحصول على النساء والغنائم المادية والسيطرة العسكرية على بلدة كانوا يحلمون في زيارتها والتجول في شوارعها قبل إنضمامهم لهذا التنظيم وسيطرتهم على الشارع الموصلّي بقوة السلاح مع الرُعب الذي نشروه بإستخدامهم للإساليب التي لم يتصورها العقل البشري الذي يحيا في القرن الواحد والعشرين.
ولكي أكون أكثر وضوحاً، فما من مجتمع يخلو من ضعفاء النفوس وحيثُ يستطيعون بهمجيتهم تدمير مجتمعات بكاملها على قلّة عددهم، والمثل لا يزال ماثل أمامنا حيثُ سيطرت داعش بثلاثة آلاف الى خمسة آلاف عنصر من عناصرها على ثاني أكبر المدن العراقية التي يربو عدد سكانها على المليون والنصف في كلا الجانبين.
فلننصف أهل الموصل النجباء الذين كبّروا حين دخل الجيش المحرر اليهم مخاطبين ربّهم "ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا"، والحقيقة هؤلاء السفهاء ليس منهم لكنهم محسوبين عليهم بحكم تواجدهم في محيط رقعتهم الجغرافية.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

892 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع