النظام العالمي فى عهد ترامب

                                            

                         د. منار الشوربجي

المواقف التي اتخذها دونالد ترامب، المرشح والرئيس المنتخب، ثم الرئيس الفعلي للولايات المتحدة، قد تؤدي حال اعتمادها كسياسة رسمية إلى تحولات كبرى في النظام الدولي، لا يعرف تبعاتها أحد بمن في ذلك على الأرجح رموز الإدارة الأميركية نفسها، فهي قد تؤدي لصعود قوى دولية، أو لإشعال نزاعات دولية أو داخلية في أقاليم حيوية وتكون في جوهرها أكثر وطأة من تلك التي يشهدها العالم اليوم.

فالنظام الدولي الحالي لعبت الولايات المتحدة في بنائه دوراً محورياً. لذلك فهو نظام دولي نشأت أغلب هياكله ومؤسساته، من حلف الناتو لصندوق النقد والبنك الدوليين للأمم المتحدة، لتخدم مصالح الولايات المتحدة. فمنذ منتصف القرن العشرين، سعت الولايات المتحدة لاحتواء الاتحاد السوفييتي ثم روسيا والصين عبر تقوية تحالفاتها الدولية في كل من أوروبا وآسيا.

أثناء الحرب الباردة، كان للولايات المتحدة عدو واضح سعت لمواجهته عبر تقوية تحالفاتها الدولية من داخل تلك المؤسسات الدولية ومن خارجها، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، حنثت الولايات المتحدة بتعهداتها لغورباتشوف بعدم توسع حلف الناتو شرقاً، فهي أعادت صياغة الحلف الذي تمدد ليصل لحدود روسيا، بهدف تقييد الدور الروسي. في آسيا.

فقد عملت الولايات المتحدة على بناء تحالفات جديدة وتقوية التحالفات القائمة، من الهند وباكستان لاستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، حتى صارت اليوم تملك قوة عسكرية ضاربة مع أغلب دول جنوب وشرق آسيا التي صارت تخشى تمدد النفوذ الصيني.

لكن مواقف دونالد ترامب تمثل تحولاً راديكالياً في هذا الإطار. فهو اتخذ موقفاً أقل تشدداً إزاء روسيا واعتبر حلف الناتو حلفاً «قد عفا عليه الزمن»، بينما اتخذ موقفاً لا يقوم على احتواء الصين بقدر ما يقوم على مواجهتها. أما الحلفاء في كل من أوروبا وآسيا فقد اتهمهم ترامب منذ وقت مبكر بأنهم استغلوا أميركا، فهم لا يدفعون ثمن حمايتهم من جانب الولايات المتحدة فضلا عن أنهم يستغلونها اقتصادياً وتجارياً مما يؤدي لإفقار الأميركيين وإثراء شعوبهم.

وفى أثناء الحملة، ذكر ترامب اليابان وكوريا الجنوبية بالاسم ضمن أولئك الحلفاء الذين لا يدفعون مقابل حمايتهم، وأثنى على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتحدث بلغة متشددة عن الصين. وفور توليه الرئاسة، أعلن ترامب دعمه لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وتهكم على الأخير، تماماً كما كان يفعل طوال الحملة.

وفور انتخابه، تلقى ترامب اتصالاً هاتفياً من رئيسة وزراء تايوان، اعتبره المراقبون تراجعاً أميركياً عن سياسة «الصين الواحدة»، أي عدم الاعتراف بتايوان، وهي السياسة التي تعتبرها الصين قضية غير قابلة للنقاش في علاقاتها الدولية.

وقد أكد ترامب مؤخراً في حوار أجرته معه صحيفة الوول ستريت جورنال أنه «لن يلتزم بسياسة الصين الواحدة إلا إذا أحدثت الصين تقدماً» فيما يتعلق بقضيتي سعر عملتها وميزانها التجاري مع الولايات المتحدة.

لكن فور تصديق الكونجرس على تعيينه، قام وزير الدفاع الجديد جيمس ماتيس بالتأكيد على أهمية حلف الناتو ثم كانت آسيا هي أولى زياراته الخارجية التي طمأن فيها حلفاء أمريكا هناك، خصوصاً اليابان وكوريا الجنوبية مؤكداً التزام الولايات المتحدة بحمايتهما وحماية التوازن الإقليمى في الإقليم.

لكن بالتزامن مع تلك الزيارة، كانت التسريبات تؤكد على توتر شديد شهده الاتصال الهاتفي بين ترامب ورئيس الوزراء الأسترالي، بينما تعرض رئيس وزراء النرويج السابق لتوقيف بأحد مطارات أميركا لأن جواز سفره يحوي زيارة لإيران قبل ثلاث سنوات.

غير أن الأسبوع الماضي شهد استقبالا دافئاً من جانب ترامب لرئيس وزراء اليابان والتزاماً علنياً من الأول بحماية أمن اليابان خصوصاً بعد تجربة كوريا الشمالية الجديدة لصاروخ بالستي.

وشهد الأسبوع نفسه اتصالاً هاتفياً بين ترامب ورئيس الصين جرى بعد إعلان البيت الأبيض في بيان رسمي التزام أميركا بسياسة «الصين الواحدة»، وهو الاتصال الذي وصفه ترامب بأنه «ودي للغاية»، الأمر الذي يشكل تراجعاً عن خطاب الحملة الانتخابية والفترة الانتقالية معاً.

لكن مثل هذا التذبذب في المواقف هو بالضبط ما يثير قلق حلفاء أميركا في أوروبا وآسيا. ففي أوروبا لم تخف كل من ألمانيا وفرنسا قلقهما وسعيهما المشترك لمواجهة ما هو قادم عبر البحث عن صيغ أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة، والمحادثة الودية مع الصين ليست نهاية المطاف هي الأخرى.

إذ من الوارد أن يطالب ترامب الصين بمقابل التزامه بسياسة «الصين الواحدة». وليس خافياً، أن ستيف بانون، مستشار الرئيس السياسي الذي صار له مقعد في مجلس الأمن القومي له مواقف معلنة يرى فيها أن «حرباً» ستندلع لا محالة بين بلاده والصين في غضون عقد على الأكثر.

وأوروبا، التي تشهد غلياناً داخلياً يتمثل في صعود واضح لليمين فيها سوف تكشف عن حدوده الانتخابات في أكثر من دولة، قد تواجه هي الأخرى المزيد من التوترات غير المحسوبة التي قد يؤدي تزامنها مع التذبذب الأميركي لنزاعات غير معروفة العواقب.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

806 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع