منار الشوربجي
معركتان خطيرتان يخوضهما ترامب، اليوم، ليس معلوما حتى الآن تداعياتهما. المعركة الأولى هى تلك التى يخوضها علنا، منذ انتخابه، ضد أجهزة الاستخبارات الأمريكية التى لم تضع زيارته لمبنى المخابرات المركزية، بعد توليه الرئاسة بساعات- حدا لها.
فترامب اتخذ منذ انتخابه موقفا علنيا يهاجم أجهزة الاستخبارات الأمريكية، الـ17، رغم أنه خص بالذكر علنا اثنتين فقط، هما هيئتى المخابرات المركزية والأمن القومى.
فقد اعتبر ترامب أن إصرار تلك الأجهزة على التأكيد على أنها «على ثقة» من أن روسيا استخدمت القرصنة الإلكترونية للتدخل فى الانتخابات- كان سعيا منها لتقويض شرعيته بموجب تلك الانتخابات، وهو رأى أن تلك الأجهزة تخوض، بعد الانتخابات، معركة هيلارى كلينتون الخاسرة ضده، نيابة عنها.
لكن المعركة أخذت أبعادا أكثر خطورة بعد أن تسرب للإعلام معلومات صحيحة تؤكد أن الاستخبارات الأمريكية رصدت لمايكل فلين، مستشار ترامب السابق للأمن القومى، مناقشته، قبل توليه منصبه رسميا، مع السفير الروسى لدى واشنطن العقوبات التى كان أوباما قد فرضها لتوه على روسيا، وقد أدى وصول المعلومات للإعلام لاستقالة مايكل فلين.
وقد أجج التسريب- المعركة بين ترامب وأجهزة الاستخبارات، فهو اعتبر أن القضية الرئيسية لم تكن الخطأ الذى وقع فيه فلين، وإنما التسريب الذى دفع نحو استقالته، وتوعد المسؤول بحساب عسير. وقد أجج التسريب ثم الهجوم- العلاقة المتوترة أصلا بين الطرفين، الأمر الذى يجعل الوضع الحالى من المرات النادرة فى التاريخ الأمريكى، التى يحدث فيها صراع بمثل تلك العلانية، بين الرئيس وأجهزة الاستخبارات الأمريكية، وهو صراع ينذر بعواقب وخيمة. فليس من الواضح ما إذا كانت تلك الأجهزة ستصل بالأمر لمداه وتنقل للكونجرس، المنوط به دستوريا الرقابة على المؤسسة التنفيذية، ما يتوفر لها من معلومات تكشف عدم قانونية سلوك رموز أخرى فى الإدارة، بمن فى ذلك الرئيس نفسه، وليس واضحا ما إذا كان ترامب يستعد للإجهاز على خصومه فى تلك الأجهزة. وفى الحالتين، فإن المعركة ستكون لها تبعاتها الخطيرة ليس فقط على مستقبل إدارة ترامب، وإنما على النظام السياسى الأمريكى برمته.
أما المعركة الثانية، فهى تلك التى فتحها ترامب مع الإعلام الذى وصفه مؤخرا بأنه «عدو للشعب الأمريكى»، وهى لغة غريبة عن الخطاب السياسى الأمريكى عموما، ولاقت انتقادات شديدة من رموز مهمة فى واشنطن، بمن فى ذلك حزب الرئيس نفسه. لكن الأخطر من ذلك، أن ترامب يسعى لإيجاد إعلام موال يقدم تقارير وتحقيقات أكثر دفئا وتعاطفا تجاه إدارته. فترامب يتحدث عدة مرات أسبوعيا مع روبرت موردوخ، إمبراطور الإعلام اليمينى، وفضلا على ما للرجل من تأثير إيجابى مؤكد على صنع السياسة تجاه إسرائيل، فقد بدأت بالفعل بوادر تأثير مردوخ.
فإلى جانب استبعاد رموز يمينية عرفت بانتقادها لترامب من إمبراطورية موردوخ الإعلامية، فقد برزت تقارير تؤكد أن الوول ستريت جورنال، اليمينية، قد أصدرت تحذيرات لمحرريها بضرورة الامتناع عن وصف أى مما يصدر عن ترامب «بالأكاذيب» حتى لو كان ذلك صحيحا.
وصار ترامب يفسح مساحة واسعة فى المؤتمرات الصحفية للإعلام الموالى. ومعركة ترامب مع الإعلام مفتوحة هى الأخرى على كل الاحتمالات التى منها، بالقطع، تغيير وجه أمريكا، كما يعرفها الكثيرون.
792 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع