بقلم - إيمان البستاني
غداً يوم اخر ......
قراءة في رواية ( النسخة المعيبة) للروائية الالمانية سارة كوتنر
السعادة لاتترك خلفها ندبات....... كما قالها الروائي الامريكي ( تشارلز ميشيل بولانيك ) وبها يكون مفتتح رواية ( النسخة المعيبة) للروائية الالمانية سارة كوتنر (مواليد برلين ١٩٧٩ م ) ...التي بدأت حياتها كجليسة اطفال في لندن ثم مقدمة لبرامج شباب في اذاعة برلين ثم انتقلت لتدير مقابلات حوارية متميزة لما لها حضور طاغ وقبول لدى جمهور المشاهدين الالمان
وهي باكورة اعمالها الروائية والتي تصدرت على رأس قائمة الكتب الأفضل في المانيا وتم ترجمتها لعديد من اللغات , للعربية ترجمتها ( ناهد الديب ) الحاصلة على دكتوراه الأدب الألماني في جامعة هايدلبرج ،, كما تم تحويلها لفلم سينمائي الماني يحمل نفس عنوان الرواية
وهي رواية من الأدب النسائي اي الأدب الذي تسطره يد النساء...ليس خطاباً تقليداً ضد الوجود الذكوري المتحدث بثيمة الظلم الواقع على المرأة في المجتمعات ....بل رواية اختارت كاتبتها موضوع العصر وبه لمست وتراً يحاكي الجميع الا وهو مرض الاكتئاب
وتسميتها بالنسخة المعيبة يأتي من تعريف القانون الالماني لتسعير الكتب بأن النسخة المعيبة هي تلك النسخة التي تحمل عيباً ظاهرياً نتيجة النقل والتخزين, وعليه تُباع بسعر اقل
أما لماذا اختارت الكاتبة عنوان روايتها بالنسخة المعيبة , هل كانت تقصد به الكتاب ام الرواية ؟ ...قامت كوتنر بأختيار اسم لبطلة روايتها ( كارو ) ولما كانت الثقافة الالمانية تُعنى بتتبع أصل الأسماء فالأسم مختصر لكارول وأصله في اللغة الجرمانية القديمة كارلا , ثم تحول في اللغة اللاتينية الى كارولا , ويعني السيدة الحرة القوية او الحالمة , فإذا حاولنا ايجاد تفسير لاختيار الكاتبة لاختيار اسم كارو لبطلتها , لوجدنا انها قامت ببتر الاسم الأصلي الكامل ليصبح ناقصاً ومعيباً , وهي الصفة التي تصف البطلة نفسها بأنها أنسانة متعِبة ويصفها اصدقائها بالنسخة المعيبة لما تمتاز من عصبية وثورتها لأتفه الاسباب والحزن الملازم لها مع نوبات بكاء مستمرة
تبدأ الرواية بمشهد عيادة الطبيب النفسي الذي التجأت اليه بطلة الرواية طالبة منه العون ليخلصها من غول الاكتئاب الذي انقض عليها وجعلها لا تقوى على الاستمرار في العيش بشكل اعتيادي , مسلسل احباطات متلاحقة من فقدانها لوظيفتها ولصديقها المقرب مع تراكمات قديمة من طفولة تعيسة وأم مريضة تعاني من الاكتئاب ايضاً وانفصال والدتها عن والدها وحرمانها من أبيها واقتحام زوج أمها حياتها بحب غير مرغوب به
تعالج كل هذا الكاتبة كوتنر بأسلوب علمي دقيق ولم تجعل موضوع الرواية ( الاكتئاب ) موضوعاً مكرراً كالاخرين او للاستهلاك بل تغلغلت بأسلوب بسيط سهل لاسباب المرض واعراضه وكيف الشفاء منه دون ان تخلو الرواية من لمحات من المرح والفكاهة مما يجعلها رواية ثرية
أولى مراحل العلاج كان عليها ان تزور قبور اعزاء رحلوا دون وداع لائق وبهذا تخفيف و تحرر من عذابات الضمير الموخزة , وهو ماقامت به كارو عندما زارت قبر جدها , الذي لم تشهد موته او مراسيم دفنه ليبقى رحيله ذكرى موجعة لشخص احبها واحبته , تذكره دائماً عندما يحين موعد نومها , كيف كان يلفها بلحافها المحشو بالريش ويقول لها بأنها المربى الحلوة داخل الكعكة , عندما وقفت على شاهد قبره المصنوع من المرمر الأسود , حدث ماكانت تتوقعه ولم تدهش له , انطلق الوحش الكاسر الذي يكمن بداخلها ليتحول الى زوبعة بكاء
بعدها افترقت عن صديقها , فيليب ذاك الطالب القادم من الريف للمدينة والذي يستهويه دراسة الاعلان والرسم واكثر ما يجيده هو التشكي والامتعاض, والعوم في نرجسية مفرطة , تركته في عرض الشارع وصعدت لشقتها دون اي عذاب او ألم فراق ....نهاية غير موجعة لعلاقة ممكن وصفها بأنها تجمع شخصين يكرهان بعضهما , انه بأختصار الحبيب الذى لا تحبه ولكنها تخشى تركه خوفا من الوحدة, بعدها بأيام بدأت تفتقده , فيليب الغبي !! ملعونة هذه الدنيا ....لأنه لم يفتقدها
اتكأت في نقل همومها وما يحدث معها على صديقها نيلسون المستمع الجيد لها , والحاضر لنوبة الفزع التي اودت بها لطوارئ المستشفى ,
تتوالى الأحداث في الرواية لتكون بحق رواية رحلة لمريضة بالاكتئاب نحو الشفاء , كم عانت كارو وماهي معاناتها وكيف تشفى هي ثيمة رواية ( نسخة معيبة ) , انها رواية تختص بالروح المتعبة .... الروح ذاك العضو الوحيد اللامرئي في جسم الانسان والذي علمه عند ربي ...والذي يزن فقط ( ٢١ ) غراماً فقط لا أكثر ولا أقل , يمرض كمرض القلب والرئة وباقي الاعضاء ويشفى ايضاً وإن كان شفائه مُتعِباً .....والسعي لعلاج الروح المتعبة هي شجاعة بحد ذاتها لأناس يؤمنون بأن الغد .....هو يوم أخر ....يوم جديد
في آمان الله
523 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع