وسام غالب رضا
قصة قصيرة بعنوان متسولة
مجنون وغبي... هذه القناعة التي وصلت اليها وانا التقط محفظة نقودي من طاولة المكتب.
متسولة شابة تقف بشكل يومي امام محل عملي، عند تقاطع الطريق، مع الكثير من المتسولين وماسحي زجاج السيارات والباعة المتجولون.
تحمل طفلة ضئيلة الحجم رثة الملابس شبه نائمة طوال الوقت، تحملها دوما بيد واحدة. شابة في مقتبل العمر ممتلئة الجسد بشكل ملفت بجبة سوداء متسخة وحجاب رث، منظر لا يلفت الانتباه او يدعو الى الاهتمام، وحدي انا المجنون اراقبها بأشتهاء جيئة وذهاب.
.......................................
طوال الوقت اراقبها وهي تذرع التقاطع دون ملل من السابعة صباحا وحتى السادسة مساءا.
ترمي بجسدها الممتلئ امام السيارات بطريقة الية كأنها مبرمجة.
مشهد يدعو للرثاء والشفقة ، وحدي انا المجنون يشعرني بالاثارة الجنسية.
سأخبركم شيء..... استجمعت قواي وانتظرت ان تصبح قريبة من باب المحل وبعد ان تأكدت ان لا احد من زملائها المتسولون على مقربة منها، واندفعت مسرعا نحوها وقبل ان تفصل بيني وبينها خطوتين، أخرجت ورقة صغيرة من جيبي ومددتها نحوها.
مدت يدها بحركة تلقائية كمن اعتاد ان يلتقط الاوراق دون ان ينظر حتى كادت اصابعنا ان تتلامس.
راحت تنظر الى الورقة بأستغراب يشوبه شيء من السخرية ثم حدقت في وجهي ببلادة مزعجة.
خمس ثوان من التقاء النظرات والصمت، وتلك الطفلة الضئيلة لا زالت مرمية بين صدرها وكتفها محمولة بيد واحدة، دون ان تقوم باي حركة تدل انها على قيد الحياة.
حدقت في وجهي وانا على بعد خطوتين، ثم عن قرب ، ومن تلك المسافة، بدت الامور تبدو اوضح مما كانت عليه من خلف زجاج المحل.
على بعد خطوتين بدت ملامح وجهها اكثر وضوحا، اكثر اتساخا، اكثر تجاعيدا.
وجه دون تعابير محددة كوجوه الاموات، وجه لا اعتقد انه ابتسم من مدة طويلة، وجه طبخته اشعة الشمس حد الاستواء، وجه بحاجة الى الراحة ... الى النوم لوقت كاف.
خمس ثوان من الصمت اختصرت اعوام من حياتي ومما يجول بداخلي.
دون ان يرتسم تعبير محدد في ملامح وجهها وببرود مزعج قالت....
وهل تعتقد اني املك هاتف نقال لتعطني رقمك ؟؟؟؟
الم يكن من الاسهل لو مددت لي ورقة فئة خمس وعشرون الف واصطحبتني الى الداخل!
وبنفس الحركة التلقائية اعادت الورقة الي يدي فتلامست اصابعنا هذه المرة.
ودون ان اترك لرأسي فرصة ان يفكر بالخطوة التالية وبحركة سريعة عدت الى الداخل باحثا عن محفظة نقودي.
سأخبركم شيء اخر.... كنت في تلك اللحضة بين خيارين، اما ان أدفع لها ورقة فئة خمس وعشرون الف كما قالت، او ان ادفع لها ورقة فئة الف دينار كما يفعل المارة.
(مجنون وغبي... هذه القناعة التي وصلت اليها وانا التقط محفظة النقود من على منضدة المكتب)
982 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع