الموصل بعد التحرير - الحلقة (١٨): الخدمات البلدية وإسالة الماء والكهرباء

                                              

              الاستاذ الدكتور سمير بشير حديد

الموصل بعد التحرير - الحلقة (18): الخدمات البلدية وإسالة الماء والكهرباء

نستعرض في هذه الحلقة وضع الخدمات البلدية وإسالة الماء والكهرباء خلال فترة سيطرة داعش على الموصل. لقد استمرت الخدمات الأساسية في الموصل بعد احتلالها من قبل داعش وعلى النحو الأتي:

1-الخدمات البلدية: كانت الخدمات البلدية متواصلة، وتقتصر على إزالة الأوساخ والفضلات من الأحياء السكنية والمطاعم والأسواق، وقد إنقطعت تلك الخدمات مع بدء عمليات التحرير فنجم عن ذلك تلول من الأوساخ والفضلات. ومن المؤسف جدًا أن نشاهد لجوء بعض الأشخاص الفقراء المعدومين إلى هذه الفضلات يبحثون عن ما يسد رمقهم.
من جانب آخر ونتيجة لاحتدام المعارك وقتل عددًا من عناصر داعش الاجرامي مما جعل تلك الجثث ملقاة في الطرقات لفترات زمنية طويلة، ولا احد يبادر برفعها ودفنها بل أضحت طعامًا للكلاب والقطط، مما ينذر بعواقب وخيمة في المستقبل. كما تسبب تدهور الاوضاع المناخية في الموصل بازدياد معاناة السكان في ظل انعدام الخدمات.
وقال مراسل تلفزيون الموصل: إن اغلب المناطق السكنية والاماكن التجارية تعرضت للغرق جراء انسداد اغلب شبكات الصرف الصحي وتدهور الخدمات البلدية وانعدام الدعم الحكومي، موضحا أن السكان يعيشون اوضاعا صعبة وتلك الاوضاع تفاقمت سيما مع غزارة الامطار التي سقطت على المدينة. واضاف المراسل: أن شباب المدينة نضموا حملات تطوعية لمعالجة الازمة خوفا من تفاقمها خلال الايام القليلة القادمة.

2-خدمات الإسالة (الماء): استمرت طوال فترة سيطرة داعش لغاية التحرير، وكانوا لقاء ذلك يستقطعون (2000) دينارا أي ما يعادل  (1.6) دولار من كل بيت. وعند تحرير أي حي من قبل القوات المسلحة كانوا يقطعون عنه الماء مباشرة.
يشير مواطن كان هناك إلى أن بعض المناطق كانت تعاني من شحة المياه، خاصة في فصل الصيف، وكان هناك خزانات (تانكرات) خاصة تنقل مياه لأمراء داعش فقط في تلك المناطق غير مراعين ظروف (جيرانهم). وفي الأسابيع القليلة قبل تحرير الجانب الأيسر إنقطع الماء عن معظم الأحياء. وقد استمر انقطاع الماء إلى الآن في معظم المناطق (أي منذ قرابة أربعة أشهر). ويجب أن نشير أيضا إلى تحرك سليم قام به الموصليون ينم عن سلامة تصرفاتهم. فبعد استقرار داعش في الموصل بدء الناس في جميع احياء الموصل وفي معظم الجوامع بحفر آبار ارتوازية تحسبا لإنقطاع الماء بسبب ظروف الحرب، وكانت تكلفة سعر حفر البئر الواحد ما يقارب الف دولار. وفعلا مع انقطاع الماء بدءت تلك الآبار بتزويد الناس بالماء على الرغم من ان ذلك الماء ليس صحي ولا يصلح للشرب لوجود مخازن المياه الثقيلة بالقرب من تلك الآبار،  وبيعت مياه الآبار بسعر (50) دينارا للتر الواحد، في حين سعر خزان الماء سعة  (1400) لتر واصل إلى السطح هو (6000) دينار لمياه الآبار وبسعر (10000)  دينار لمياه الاسالة الحلو الخفيف. وقامت المولدات الأهلية والجوامع بتزويد المواطنين بالمياه مجانًا تطوع به بعض المحسنين والميسورون . وكان الناس يأتون إلى الجوامع قبل صلاة الفجر ليضعون أوعيتهم في طوابير طويلة من أجل التزود بكميات محدودة من الماء، إنها والله معاناة كبيرة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ومع بداية عمليات التحرير شح الوقود كثيرا وإرتفع سعره، ومع ذلك كان بعض الناس يشترون الوقود من أجل تشغيل اجهزة سحب الماء من الآبار لتزويد الناس به.
يقول مواطن يسكن في حي الحدباء وعايش أحداث مأساة الموصل:  كان عندنا في الحي شخص قتله الدواعش أمام أنظار عائلته فأصيب إبنه الشاب بداء السكر نتيجة لذلك.  وفي الأسابيع القليلة قبل تحرير الجانب الأيسر توفي ذلك الشاب المسكين جراء ذلك المرض. وكانت عائلة ذلك الشاب المسكين في حيرة من أمرها لعدم توفر ماء عندهم لتغسيل فقيدهم. فأخذوه إلى جامع قريب ونادوا بمكبرة الصوت أن هناك صلاة جنازة. وبعد أن غسلوه بالجامع وقاموا بالإجرءات الشرعية كانت هناك مشكلة أخرى هي مشكلة عدم توفر البانزين لنقل الجثمان إلى المقبرة. يقول الراوي: فقام ناس خيرون بتوفير سيارتين لذلك الغرض الشرعي والإنساني، فكان عدد السيارات التي خرجت في جنازة ذلك الشاب المسكين هو سيارتان فقط: السيارة التي تحمل الجنازة وسيارة أخرى.
3-خدمات الكهرباء: بعد مرور اربعة اشهر من سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل، تسبب التنظيم في تعطيل مشروع كهرباء سد الموصل بقصف قال إنه بالخطأ، أثناء مواجهة اندلعت بينه وبين قوات البيشمركة، التي استعادت سيطرتها على السد في وقت سابق.
كانت خدمات الكهرباء الوطنية متذبذبة وتُجهز من خارج سيطرة الدواعش من قبل سد الموصل وكان إعتماد الناس أساسا على الإشتراك بالمولدات الأهلية التي كانت أسعارها تُحدد من قبل الدواعش، وبسعر (7000) دينار للأمبير الواحد في حين حاليا بعد تحرير الجانب الايسر  يباع بسعر (10000-11000) دينار للأمبير الواحد تشغيل منزلي من الساعة الواحدة ظهرا حتى منتصف الليل. وقد ذكر أكثر من مواطن أن أمراء الدواعش كانت لهم خطوط كهرباء وطنية خاصة بهم وتصلهم الكهرباء الوطنية دائما ليلا ونهارا وبدون إنقطاع غير مكترثين بالناس من حولهم، وكانت هذه سمة واضحة في جميع عناصر داعش. من جانب آخر فقد قامت داعش بتسعير الكهرباء الصادر من المولدات وباسعار اقل من الكلفة الحقيقية اي لا تغطي ثمن الوقود والزيوت المستخدمة في التشغيل، وتوعدوا وهددوا اصحاب المولدات باشد العقوبات من يرفع السعر أو يوقف تشغيل المولدة. لقد عانى اصحاب المولدات كثيرا من سوء معاملة داعش، حيث لا يسمحون لهم ببيع المولدات ولا ايقافها عن التشغيل ولا رفع سعر الكهرباء المحدد من قبلهم، لتغطية نفقاتها ولا تقديم اية تسهيلات أو تجهيزهم بالوقود والزيوت.
كما تسببت أزمة الكهرباء في توقف مشاريع المياه، وعجزت داعش عن تشغيل مولدات الكهرباء الاحتياطية في جميع مشاريع المياه، كما عجزت الحكومة المحلية عن تأمين  فرق صيانة لتشغيل مولدات الكهرباء لوقوعها خارج سيطرتها. وكانت أيضا سببا في إعلان حالة الطوارئ في مستشفيات الموصل بعد انقطاع الكهرباء واستنزاف خزين المياه الذي كان لديها، وتوقفت غرف العمليات والاجهزة الكهربائية من الأشعة والسونر وغير ذلك مما ادى الى شبه تعطيل كامل للمستشفيات والمراكز الصحية.

في الختام، نخلص إلى القول أن داعش فشلت في إدارة الحياة المدنية في الموصل، فأزمة المياه وانقطاع الكهرباء وإعلان حالة الطوارئ في مستشفيات المدينة وغياب الخدمات ولد أزمة كبيرة في الموصل. أما حكومة نينوى المحلية، التي لجأت إلى إقليم كوردستان بعد هروب الجيش والشرطة وسيطرة تنظيم داعش على المدينة، فقد وقفت عاجزة مكتوفة الايدي عن تقديم اية خدمة للموصل.
والله من وراء القصد
الاستاذ الدكتور سمير بشير حديد
  30 مارس 2017

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

881 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع