قراءة في البيان الختامي للقمة العربية

                                      

                   د. محمد عياش الكبيسي

قراءة في البيان الختامي للقمة العربية

لقد جاءت القمة بوقت حافل بالمتغيّرات الإقليميّة والعالميّة، وفي مقدّمتها مجيء ترمب، والتكهنات بإمكانية حدوث نوع من التغيّر في السياسة الخارجية لأميركا.
المكان أيضاً لا يقل أهميّة عن الزمان، فالأردن المحفوف بكبريات القضايا العربية الساخنة؛ العراق، وسوريا، وفلسطين، لم يكن من الممكن أن يتعاطى مع هذه القمة بالطريقة التقليدية التي كانت سائدة في القمم السابقة.
مشاركة الملك سلمان لا شك أنها تعطي زخماً كبيراً للقمة لاسيما أنه يخوض حرباً في حدوده الجنوبية، كما أن حدوده الشمالية ليست بأقل خطورة نتيجة لتحوّل العراق إلى بؤرة معادية له سواء من عصابات (داعش) أو مليشيات (ماعش)، وحتى في البحرين الخاصرة الشرقية للسعودية؛ حيث النفوذ الإيراني المقلق بشكل مباشر للخليج وللمملكة.
لكل ذلك فإني لا أشك أن القمّة لا بدّ أنها قد خرجت بتصورات واتفاقات معيّنة، وإن لم يتضمنها البيان الختامي، وهذا متوقّع نتيجة لكثرة التقاطعات والتجاذبات، وربما تكون الاتفاقات الثنائية، واللقاءات الجانبية أكثر فاعلية في مثل هذه الظروف من الاجتماعات الرسميّة.
أعتقد أيضاً أن القضية الفلسطينية لا تنتظر شيئاً من هذه القمة رغم أنها أخذت الصدارة، والمساحة الأوسع في البيان؛ ذاك لأن العرب مشغولون اليوم بإطفاء الحرائق التي أشعلتها إيران، والتي باتت تمسّ الجميع دون استثناء، وقد جاءت الديباجة تقرر هذا المعنى وتؤكّده (ندرك أن قمتنا التأمت في ظرف عربي صعب فثمة أزمات تقوّض دولاً، وتقتل مئات الألوف من الشعوب العربيّة وتشرّد الملايين.. وتحديات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية تدفع باتجاه تجذير بيئات اليأس المولّدة للإحباط والفوضى).
وفي الملف السوري جاء البيان مؤكداً لرغبة العرب في التسوية السلمية (ولا سبيل لوقف نزيف الدم إلا عبر التوصل إلى تسوية سلمية تحقق انتقالاً إلى واقع سياسي تصوغه، وتتوافق عليه كل مكونات الشعب السوري)، وبالرغم من أن هذا لا يصل إلى المستوى المطلوب ولا يدنو منه، لكن من الواضح أن الثقل الروسي هو الذي أقنع العرب بهذا المستوى من أجل نزع فتيل التصادم مع الروس وليس مع نظام بشار وعصاباته.
وفي الملف العراقي جاء البيان منسجماً تماماً مع الحراك الدبلوماسي الأخير للسعودية، والزيارة التي قام بها السيد عادل الجبير لبغداد، وظهر هذا أيضاً في استقبال الملك سلمان للعبّادي، وربما يصعب الآن التكهّن بجدوى هذه السياسة، لكنها بلا شك جاءت على حساب الحريق المشتعل في مدينة الموصل، وما يتعرّض له عشرات الآلاف من المشرّدين من إهمال وإهانة.
وفي الملف اليمني جاء البيان أكثر صراحة (نساند جهود التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وإنهاء الأزمة اليمنية على أسس المبادرة الخليجية)، وأشار البيان بلهجة التحذير لإيران وتدخلاتها في المنطقة (نرفض كل التدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية.. وبث النعرات الطائفية والمذهبية، وتأجيج الصراعات وما يمثله ذلك من ممارسات تنتهك مبادئ حسن الجوار).
وليس لنا الآن إلا أن نراقب ونتابع، والله المستعان.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

947 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع