الموصل بعد التحرير - الحلقة (٢٠): واقع الصناعة والتجارة في ظل الاٍرهاب

التفاصيل

تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 05 نيسان/أبريل 2017 06:50

كتب بواسطة: د.سمير بشير حديد

                  الاستاذ الدكتور سمير بشير حديد

الموصل بعد التحرير - الحلقة (٢٠): واقع الصناعة والتجارة في ظل الاٍرهاب

سنتناول في هذه الحلقة  تأثير داعش على الصناعة والتجارة الداخلية في الموصل ونركز على تجارة داعش الخارجية كالنفط والاثار المسروقة.

أما بخصوص الصناعة: فقد كانت الصناعة المحلية شبه ميتة نتيجة لتوقف عمليات البناء والإعمار والخدمات وكافة مفاصل الحياة، والصناعات الدارجة كانت فقط على صلة بالصناعات الغذائية.

يقول مواطن كان موجود في الموصل خلال فترة داعش: أن العديد من الصناعات الغذائية المنقرضة، وبخاصة حلويات الأطفال، قد عادت إلى الحياة نتيجة لقيام بعض العوائل بتصنيعها في البيوت طلبا للرزق، مثل صناعة: الشرابت وشعر البنات... الخ

ومن الصناعات المحلية التي راجت في تلك الفترة:  صناعة تنانير محلية لصنع الخبز حيث أن معظم العوائل تركت شراء الخبز والصمون من المخابز والأفران لضعف القدرة الشرائية وقاموا بصنع الخبز والصمون داخل بيوتهم. وكذلك صناعة المطابخ الطينية ( التفاية) واستخدامها لطهي الطعام مستعينين  بالأخشاب وفضلات الحيوانات كوقود بدلا عن الغاز والنفط الأبيض. كذلك قام الصناعيون بصناعة حمامات إقتصادية صغيرة للإستعاضة عن الحمامات الإعتيادية. ومن الجدير بالذكر انتعاش صناعات العربات الخشبية التي يدفعها الانسان او يجرها الحيوان واستخدامها للنقل والتحميل.


أما التجارة الداخلية، فكانت مقتصرة على المواد الأساسية للاستخدام اليومي والمواد الغذائية؛ معضمها تستورد عن طريق سوريا وتركيا وإيران. كما قام التجار والصناعيين بتوفير خدمات أساسية لتلبية متطلبات الظرف الخاص الذي تعيشة المدينة، مثال على ذلك قيام التجار استيراد كميات كبيرة من أباريق الماء الكبيرة جدا  (كتالي) لإستخدامها لتسخين الماء والإستحمام. واستيراد النفط الأبيض الرديء عن طريق سوريا.

اما داعش فقد ركزت منذ اليوم الاول لدخولها الموصل على تصدير النفط وبيعه في السوق السوداء وقد جنت من هذه التجارة مئات الملايين من الدولارات.

لم يكن تحرك داعش صوب محافظة نينوى واستيلاؤه عليها اعتباطيا، فالتنظيم الذي غدا أغنى التنظيمات الإرهابية في العالم، أغوته رائحة النفط الآتية من هذه المنطقة الغنية منذ البداية، فسيطرته عليها ضمنت له أهم مورد لبقائه وتمدده إلى جانب مصادر تمويل أخرى ثانوية.

وإذا كان من الصعب تحديد قيمة المداخيل التي تدرها تجارة النفط العراقي على التنظيم بدقة، فالتقديرات تتحدث عن موارد تتراوح بين 2 إلى 3 ملايين دولار يوميا... أرقام مهولة تدفع لطرح سؤال مفاده: لمن يبيع داعش النفط؟ وكيف يسوقه، وكيف ينقله؟ وكيف يقبض ثمنه؟

اما عن تجارة الاثار وتهريبها إلى الخارج، فقد ذكر تقرير لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن كثيراً من الآثار التاريخية العالمية في العراق وسورية، التي وضع تنظيم "داعش" يده عليها، تباع في السوق السوداء للصوص الآثار.

وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم مما بدا أن التنظيم دمّر آثارا تاريخية بالغة الأهمية للتراث الإنساني، إلا أنه سرق كما هائلا منها، ويحاول بيعها في الأسواق السوداء لتجار من مختلف أنحاء العالم، بغض النظر عن طبيعة هذه الآثار ولو كانت تماثيل ومنحوتات تجسد آلهة وثنية، ما دامت قيمتها المالية باهضة.


ولفت تقرير "هآرتس" إلى أن إسرائيل صارت أخيراً مركزا للتجارة الدولية غير القانونية بالآثار المسروقة، بفعل القوانين الإسرائيلية المتساهلة نسبيا في إقرار عمليات شراء قطع أثرية وبيعها في فلسطين المحتلة والخارج. لكنه بيّن كذلك أن أنظمة جديدة وضعت في الآونة الأخيرة تفرض قيودا على عمليات الاتجار بالآثار القديمة، وتسجيل المبيعات وتوثيقها في سجلات منظمة، لإحباط ومنع عمليات بيع موجودات أثرية تاريخية مجهولة المصدر.


لقد أيقن الناس من خلال الممارسات الواقعية للدواعش أن الجانب المالي وجني الأرباح بأي طريقة كانت هي من الأهداف الرئيسية لإحتلال الموصل. فكانوا يقومون بمتابعة المحلات التجارية كافة، ويفرضون ضرائب على أي محل يعمل في الموصل ويجنون منهم أموالا بداعي الزكاة، علما أن الزكاة لم تكن توزع بطريقة عادلة لمستحقيها من الفقراء.

تقول طبيبة: راجعني مريض في المستوصف وقد تدهورت صحته نتيجة سوء التغذية، فسألته ألا تأكل جيدا؟ قال: ليس عندي ثمن طعام يكفي عائلتي. ثم قال: كان عندي بسطة (أي بائع على الرصيف بلا دكان) أبيع بها في سوق النبي فجاء الدواعش ومنعوني من البيع إلا بوجود ترخيص، ويواصل الْقَوْل: فذهبت إلى الجهة التي حددوها لي فخيروني بين مبايعتهم وبين دفع أجور أسبوعية لهم لقاء فتح البسطة، وكان نتيجة ذلك تركه العمل.

نخلص إلى القول ان داعش أعاد الموصل إلى القرون الوسطى وفرضت سيطرتها عليهم بقوة السلاح ونهبت ثرواتهم النفطية وسرقت آثارهم وكنوزها، وابتزتهم باسم الزكاة والشريعة.

الاستاذ الدكتور سمير بشير حديد

4 نيسان 2017