د. منار الشوربجي
مفارقات المشهد في واشنطن
واشنطن تعيش هذه الأيام توابع زلزال الرعاية الصحية، والمشهد يحمل عدة مفارقات لها دلالاتها المهمة التي تكشف الكثير عن الأداء السياسي للرئيس الجديد وحزبه، فالحزب الجمهوري، حزب الأغلبية، يشهد توترات علنية ليس أقلها تهديدات لبعض أعضائه في الكونغرس، وأولئك النواب لم يتلقوا التهديد من الرئيس وحده، وانما من رئيس مجلس النواب أيضا، وهي التهديدات التي جاءت بعد أن انقسم الحزب على نفسه وفشل في إصدار قانون يحل محل قانون أوباما للرعاية الصحية.
الرئيس ترامب وجّه عبر تويتر تهديدا صريحا لأعضاء مجلس النواب المنتمين لأقصى اليمين الجمهوري قائلا إنهم «يهددون أجندة الحزب الجمهوري برمتها إذا لم ينضموا، وبسرعة، لباقي الفريق»، وعندئذ «يتحتم محاربتهم ومحاربة الديمقراطيين في (انتخابات) 2018».
أما رئيس مجلس النواب، بول رايان، الذي كتب بنفسه مشروع القانون الذي فشل، واضطر لسحبه دون التصويت عليه، فقد حذر النواب من أن الرئيس ترامب سيضطر لأن «يعمل مع الديمقراطيين ويسعى لإحداث تغييرات في قانون أوباما» بدلا من إلغائه.
في التحذيرين تكمن المفارقات، فترامب، الذي كان، فور الهزيمة، قد ألقى باللوم على الديمقراطيين، صار اليوم ُيحّمل المسؤولية لحزبه، لكن في ذلك كله، تتجاهل إدارة ترامب تماما أن تشريع الرعاية الصحية الذي وقفت وراءه لم يكن يؤيده سوى 17% في استطلاعات الرأي، لكن ترامب من بين كل التجمعات في حزبه يوجه اللوم والتهديد لما يسمى «بتجمع الحرية»، وهي مجموعة من النواب ينتمون لأقصى اليمين في الحزب.
ليس واضحا السبب الذي يجعل ترامب يناصب «تجمع الحرية» تحديدا العداء، خصوصا أن ذلك التجمع، دون كل تجمعات الجمهوريين بالمجلس، هو حليفه الطبيعي، فأغلبية أعضاء ذلك التجمع، الذي يتعدى عددهم الثلاثين عضوا، حديثي العضوية وجاءوا لمقاعدهم على أكتاف حركة حفل الشاي اليمينية، لذلك، فإن «تجمع الحرية» يجسد الموجة اليمينية التي كانت حملة ترامب بمثابة امتداد لها، وموقف ترامب من أولئك الأعضاء وصل لحد تهديدهم باستهدافهم في الانتخابات القادمة، وتلك مفارقة أخرى، لأن ترامب يهدد أولئك النواب باستخدام التكتيك نفسه الذي عرفت به حركة حفل الشاي بل واستخدمه فريق الصدام داخل الحزب الجمهوري، وعلى رأسهم، تجمع الحرية، ضد زملائهم الأقدم عضوية بالمجلس، حتى أنهم طردوا من عضوية المجلس عددا من الجمهوريين الذين كانوا أكثر اعتدالا.
تحذير رئيس مجلس النواب بول رايان للفريق نفسه يحمل مفارقة ذات دلالة لا تقل أهمية، ففريق تجمع الحرية وأقصى يمين الحزب الذي له مواقف صدامية هو في الحقيقة من صنع بول رايان نفسه، وبول رايان، كان واحدا من ثلاثة نواب راديكاليين كانوا مسؤولين عن صناعة ذلك الفريق الصدامي، فهم الذين قاموا بمأسسة حركة حفل الشاي، حين سعوا إليها وقاموا بتجنيد بعض رموزها ليترشحوا لعضوية مجلس النواب، وساعدوهم ليصلوا لمقاعدهم طالبين منهم فقط عدم التعاون إطلاقا مع الديمقراطيين بالمجلس والوقوف، بالمطلق، ضد أجندة أوباما التشريعية، وقد نجحت مجموعة الثلاثة تلك في مسعاها حتى أن أولئك الأعضاء الجدد الذين دخلوا المجلس شكلوا صداعا مستمرا لزعامة الحزب وقتها وكانوا مسؤولين عن استقالة رئيس مجلس النواب جون بينر في 2015، فخلفه بول رايان.
بعبارة أخرى، فإن المارد الذي صنعه رايان وزملاؤه خرج من القمقم وراح يهدد رايان نفسه، وقد تخلص ذلك المارد من أحد الثلاثة الذين صنعوه، إريك كانتور، عبر هزيمته في الانتخابات، ثم رفضوا ثانيهم، كيفين ماكارثي، لرئاسة المجلس وها هم اليوم يتحدون بول رايان بل وترامب شخصيا.
ورغم استقالة واحد أو اثنين من عضوية «تجمع الحرية»، يبدو أن أعضاء التجمع لم يردعهم التهديد لا من ترامب ولا من رايان، فبعضهم رد بغضب على كلا التهديدين وبعضهم أشار إلى أنهم برفض تشريع الرعاية الصحية «أسدوا صنيعا» لترامب.
أما قصة التعاون مع الديمقراطيين، فهي مفارقة أخرى بالغة الأهمية، فرغم أن بول رايان كان أحد مهندسي رفض التعاون بالمطلق مع الديمقراطيين حين كان حزبه في الأقلية، وقدم تشريع الرعاية الصحية منذ أسابيع وفق استراتيجية قامت بالفعل على تجاهل الديمقراطيين بالكامل، فإنه استخدم حزب الأقلية لتهديد نواب حزبه، ورغم ذلك التهديد، لم تتم، حتى كتابة السطور، أية محاولة من جانب فريق رايان ولا فريق الرئيس ترامب للاتصال بقادة الديمقراطيين.
يبدو أن الاستراتيجية التي يسعى إليها الاثنان هي السعي للالتفاف حول قيادات الحزب واستقطاب بعض الديمقراطيين اليمينيين، وبشكل فردي، لمساندة أجندة الحزب الجمهوري.
تحكي كل تلك المفارقات الكثير عن نوعية الأداء السياسي للرئيس الجديد، أما مستقبل العملية السياسية فلا يزال غامضا، فعاصفة الرعاية الصحية لم تهدأ بعد، ليتبين الخاسر والفائز الحقيقي.
1000 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع