د. ضرغام الدباغ
الموقف المستحيل
" خطابنا هذا موجه إلى :شخصيات وحركات وأحزاب، وكيانات سياسية واجتماعية، وكل من يضع نفسه في مقامات العمل الوطني والقومي والجمعي ".
ربما تفضل بعض هذه العناوين والمسميات التي نوجه خطابنا لهم، أن تتعامل بالشأن العام بشيئ من الضبابية وإطلاق عبارات ومصطلحات تفضل إرجاء القرارات الحاسمة من جهة، ومن جهة أخرى تحاول وتريد أن تضع نفسها خارج اللوم والمحاسبة التاريخية، ويعتبر البعض أن هذا الموقف عبقرية لأنها لا تضعه خارج الصفة والعنوان الوطني، ولا تضعه تحت مطرقة القمع الدموي للقوى المعادية للشعب. فتغبط نفسها على الإلهام في هذا القرار الذي أقل ما يقال عنه أنه يتجنب الوقوع تحت المساءلة الوطنية التاريخية . تريد الحفاظ على العنوان الوطني، وتعفي نفسها من مستحقاته ... وفي هذا ضرب من التلاعب بالألفاظ، لا يليق بأعتبارت العمل السياسي والنضالي.
بهذا المعنى والصدد نقول: أن مثل هذه المواقف وإن كانت غير مقبولة إن على الصعيد السياسي أو النضالي حتى في اليوم الأول للأحتلال الأجنبي للوطن، فهي مرفوضة بصفة قاطعة إذ لا يمكن التبرير تحت أي تنظير فلسفي أو آيديولوجي القبول بأحتلال الوطن والوقوف حياله موقف المتأني المراجع، المتأمل هي محاولة لإيجاد نقطة أنطلاق مشروعة، ربما تتذرع بها بعض الشخصيات بغموض الموقف، والتعرف على المعطيات الجديدة، وحتى هذه تقلل من شأن تلك الشخصية ووزنها التاريخي، فهذه غير مقبولة لا سيما على صعيد الاحزاب والحركات، فقبول الاحتلال والتعامل معه، يفقد الشرعية الوطنية لأية شخصية أو حزب أو حركة.
اليوم وبعد أن دخل الاحتلال عامه الخامس عشر، لم يعد من المقبول تحت أي من الذرائع الواهية أصلاً، لا للشخصيات ولا للأحزاب، فهي بموقفها هذا تقطع أي فرصة للحوار معها، بل وقد بات معروفاً أن الكثير من كوادرها الوطنية هجرت العمل السياسي لأنها لا تريد أن تحتمل وزر قرارات سياسية مهلكة، نعم هذا التعبير الصحيح والدقيق لمثل هذه الحالة والأنحدار الذي تجد بعض الحركات والقوى، التي تحولت إلى أن تجد الأعذار للمحتلين، وأعذار للحكومات الطائفية التي تقوم بتجريف سكاني واجتماعي علني، دون أن تصدر مجرد بيان على الورقة تدين بها تلك الأفعال.
السياسي الفرد، على صعيد أعتباره الشخصي، يمكنه التراجع، بعد شرح موقفه، أو يمكنه القول أنه يواجه قوة لا قبل له بها، وأنه يؤثر السلامة والأمان على نفسه وعائلته، نعم نحن نحاول أن نتفهم أن شخصية ما تصارحنا القول : نعم أنه احتلال ولكني لا أجد نفسي قادراً على التصدي له، وسنكون كرماء ولن نسأله أسباب عدم الاقتدار هذا، بشرط أن يكرمنا بصمته بعدها ولا يملأ الدنيا ضجيجاً ويتبارى بالوطنية وينافخ. ولكن الأحزاب الوطنية يصعب عليها مثل هذا الموقف، لأنها بذلك تجازف بكل تاريخها السياسي، ومستقبلها أيضاً، وحاضرها مرهون بوجود الاحتلال وقواه وأذنابه.
اليوم يتواقح البعض مستنداً إلى حراب الاحتلال، وبوق يزعق به، وقنوات تلفاز تذيع هذا النعيق المشؤوم، صوت يسوق للأحتلال، يحاول أن يجد المبررات، وأكثر من ذلك يتهم من ينهض لمقاومة الاحتلال بالأرهابي. هذا اليوم ممكن، أن يصبح عوناً للمحتلين، ومروج سلع فاسدة، ولكن إلى متى ...؟
موقف واحد هو المستحيل بعينه ... هو أن تكون مع الاحتلال سواء في الصفوف الأولى أو في الصفوف الخلفية، وضده في آن واحد سواء في الصف الأول أو في الصفوف الخلفية .. المخطأ يمكن أن يتوقف عن خطأه أولاً، ثم يتراجع، ثم يثبت العكس ليعود إلى صفوف شعبه.
من يقاوم الاحتلال بطريقته الخاصة فليفعل، من يصمت خوفاً فليفعل، ولكن أن يكون مع الاحتلال بيده أو بلسانه فذلك فهذا عمل يختم به على جلده ختماً لا يمسح ولا يزول وهو ما لا نريده لمواطن عراقي، أن يضع قدماً هنا وقدماً هناك، في قطارين متعاكسين الوجهة بالمطلق، ففعلاً كهذا يلحق ضرراً بالغاً بمن يجازف به وهو موقف مستحيل.
أنتبه للقاعدة وتأمل ملياً: القطار الوطني بكل ما يضمه من تحالفات وخصومات، ولكن مياهنا تصب في طاحونتنا، أو قطار له وجهة أعد لها، أطراف وجهات ربما جهزت بأدوات الزينة والطرب، ربما وضعت فيها زرق ورق .. ولكن الموقف النهائي زاوية قذرة تشترط منك التنازل عن وطنيتك وقوميتك وخصوصيتك، ولغتك ويصب في الأخير في طاحونة العدو المحتل، مقابل ماذا ..؟ أياك أن تفكر أن تجمع بين خصائص هذه وتلك فهذا هو المستحيل ... تذكر
لا تستطيع أن تركب قطارين مختلفان في الوجهة في آن واحد
1787 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع