د. منار الشوربجي
العنصرية لا تموت في أميركا
الأسبوع الماضي، كان بامتياز أسبوع الدعاية التلفزيونية البائسة لشركات عالمية كبرى، فشلت في أن تتوقع ردود الأفعال الغاضبة حين تستخدم صوراً وكلمات لها دلالاتها العميقة عند قطاعات واسعة من المشاهدين غير البيض.
شركة بيبسي العالمية، اضطرت للاعتذار وسحب إعلان تلفزيوني كانت قد عرضته في الولايات المتحدة، بعد أن أثار عاصفة من الغضب.
الإعلان كان يعيد إنتاج صورة صارت شهيرة للغاية ومؤثرة في مسار كفاح السود، والصورة لأم وممرضة سوداء، تدعى ليشيا إيفينز، شاركت في إحدى فعاليات حركة «حياة السود مهمة» حيث وقفت في الصورة صامتة بمفردها أمام شرطيين أميركيين بيض مدججين بالسلاح في لويزيانا، عقب مقتل شاب أسود في عاصمة الولاية.
قامت دعاية شركة بيبسي بتصوير إعلان تليفزيوني، يقدم المشهد نفسه بالضبط، ولكن تحل محل إيفينز في الصورة، عارضة الأزياء البيضاء، كيندال جينير، التي تقوم في الإعلان بتقديم البيبسي لرجل الأمن، الأبيض هو الآخر، فينتهي الموقف بابتسام الرجل، ثم تهليل المتظاهرين، وانتهاء المشهد بفرحة تعم، لتحل محل الأجواء المتوترة المفترض أنها لمسيرة تواجهها الشرطة.
بالقطع، جاءت ردود أفعال السود في الولايات المتحدة غاضبة، معتبرة أن دعاية شركة بيبسي، قللت من شأن مقاومة السود للتمييز ضدهم، واستخفت بمعاناتهم وكفاحهم من أجل حقوق عادلة في وطنهم، وهو الكفاح الذي لا يزال مستمراً منذ زمن العبودية، ومروراً بالفصل العنصري، ثم حركة الحقوق المدنية، ووصولاً لحركة حياة السود مهمة.
حسناً فعلت شركة بيبسي، حين سحبت الإعلان واعتذرت عنه، فالحقيقة أن الإعلان حين استخدم صوراً بعينها، لها دلالة رمزية هائلة لدى السود، بدا لكل من رآه استخفافاً بالفعل بالمشهد الأصلي، وتبسيطاً مخلاً لما وراءه من دلالة.
الصورة الأصلية لإيليشيا إيفينز، ليست مقطوعة الصلة بكفاح السود الطويل، إذ إنها تشبه صوراً أخرى لمارتن لوثر كينغ نفسه، زعيم حركة الحقوق المدنية، بل وغيره من الزعامات السوداء المهمة في التاريخ الأميركي، وهي الصور التي لا يزال السود يحتفظون بها في عقولهم وقلوبهم، وتمثل رصيداً ملهماً.
هناك صورة شهيرة لمارتن لوثر كينغ، يقف فيها في مقدم مسيرة، ويدفعه للوراء رجل أمن أبيض، ولعل ذلك هو السبب الذي دفع ابنة مارتن لوثر كينغ، برنيس كينغ، لأن تكتب على تويتر بشكل ساخر، قائلة «لو أن أبي عرف فقط قوة بيبسي».
ثم إن إليشيا إيفنز، تمثل تجسيداً لكفاح المرأة السوداء الشجاعة، التي خرجت هذه المرة، كما قالت، لحماية حقوق ابنها، الأمر الذي يمنح لصورتها التي استولى عليها الإعلان، دلالة عميقة في سياق كفاح السود. والصور والرموز ذات الدلالات، لها أهميتها البالغة في كفاحات الإنسانية، وقد اعترفت شركة بيبسي بذلك البعد المهم في اعتذارها حين قالت، ضمن ما قالت، إنها لم تقصد «الاستخفاف بأي قضية جادة».
حسناً فعلت شركة بيرسدورف الألمانية، التي تنتج كريم نيفيا الشهير، حين اعتذرت، هي الأخرى، ورفعت من على موقعها دعاية لمنتجها، كانت عبارة عن صورة لسيدة بيضاء ترتدي ملابس بيضاء، ومكتوب على الصورة بخطوط عريضة عبارة «الأبيض هو النقاء».
والصورة أثارت انتقادات حادة للشركة، خصوصاً أنها استخدمت دعاية أثارت جدلاً من النوع نفسه منذ سنوات، وقد اضطرت الشركة هذا الأسبوع للاعتذار، وقالت في بيان لها إنها سحبت الإعلان فوراً.
ورغم أن الشركتين اعتذرتا، فإن القضية الأهم في عالمنا اليوم، تتعلق بالمسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتق مثل تلك الشركات العملاقة، إذ يتعين أن يكون على قمة أولويات تلك المسؤولية الاجتماعية، مسألة مكافحة العنصرية بكافة أشكالها، فتلك الشركات قادرة على أن تحقق إنجازاً مهماً في هذا الصدد، كونها تعمل في شتى أنحاء العالم.
المفارقة في كل ذلك، أن الأسبوع الذي جرت فيه تلك الوقائع، هو نفسه الأسبوع الذي تحل فيه الذكرى التاسعة والأربعين لاغتيال مارتن لوثر كينغ، زعيم حركة الحقوق المدنية، الذي كافح خلال حياته القصيرة من أجل حقوق متساوية للأميركيين السود في بلاده.
مارتن لوثر كينغ، اغتيل في مدينة ممفيس في 4 أبريل عام 1968، وكفاح السود في الولايات المتحدة حقق نجاحات، ولاقى انتكاسات، مثله مثل كل كفاح ضد العنصرية في هذا العالم.
حتى هذه اللحظة، فإن العالم لم يُشفَ بعد من داء العنصرية والتمييز، وكفاحات الإنسانية عموماً تتسم بالاستمرارية، وهو ما كان يدركه جيداً مارتن لوثر كينغ نفسه، فهو صاحب العبارة الشهيرة القائلة بأن «التقدم الإنساني ليس تلقائياً ولا هو حتمي».
777 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع