د.ضرغام الدباغ
توزيع التهم لإخفاء المتهم
كقاعدة في التحقيق أن على المحقق الماهر أن لا ينساق وراء الأقاوبل والأتهامات الغير دقيقة، ففي ذلك مصلحة للمتهم أو المتهمين الرئيسيين في إضاعة التركيز على الحقيقة لتتبعثر وتوزع لإخفاء المتهم، وقديما قيل ... ضاع دمه بين القبائل ...
دم العراق لن يضيع بين القبائل ... لا لن يحصل ذلك، لن يحصل ذلك وهناك الوثائق والصور والتسجيلات، وفوق كل ذلك الحقائق المادية الملموسة على الأرض. والضحايا موجودون، والشهود، والمجرمين. من ساعدهم ومن تطوع ليصبح دليلاً، ومن أدخلهم للبيت، لدينا القوائم وهويات الجناة، وعناوينهم وحتى أرقام هواتفهم.
لنضع جانباً صفحة الكويت وما قبلها وما أكتنفها، فهي صفحة متشابكة متداخلة فيها من العناصر الذاتية والموضوعية، وممثلين رئيسيين ومقاولين ثانويين، وكومبارس، ومشجعين، وكلاء ومخبرين، وقناصين وصيادين مكافأت، ضباع، وحيوانات قمامة، مسرح يعج بكل هذه المخلوقات.
العراق تعرض لمؤامرة كبيرة هذه هي الحقيقة الرئيسية الساطعة والتي تسبق أي تحليل وأستنتاج سابق. وفي هذه المؤامرة كانت طبيعة وحجم المشاركة فيها بناء على طبيعة المعركة وطبيعة تشكل القوى التي ساهمت فيها، ودرجة علانيتها أو سريتها، وطبيعة المشاركة وحجمها ومداها. فقد كان عنوان المعركة الرئيسي " تحرير الكويت " بصرف النظر من أن المعركة كانت لها تطلعات أخرى وآفاق أبعد، إلا أن المعركة أبتدأت وأنتهت بحدود الهدف المعلن لها وهو " تحرير الكويت ". فهناك من الدول من أكتفى بتأييد الجهد الدولي في هيئة الأمم المتحدة وقبض ثمن تصويته، وأكتفى وقبع يتفرج. وهناك من ساند ببضعة جنود، لا قيمة عسكرية البتة لمشاركته، ولكن ليكتمل أكبر عدد من المشاركين ليمنحوا القضية شرعية، وهكذا باع ضميره مقابل شطب بعض من الديون أو جلها. وهناك من أكتفى بتقديم المعلومات لإن من مصلحته أن يشاهد العراق مضرجاً بدماءه.
والصفحة الأولى من الحرب انتهت، على نحو علني فلا توجد أسرار(تقريباً)، ولكن هناك دول تقدمت بطلبات تعويض مالي من العراق، بداعي أن مناظر الحرب الدموية أزعجت الأطفال في بلاده وتسببت بصدمة نفسية ....! وشكلت العقوبات الاقتصادية والتعويضات فصلاً تمنح فيه لجان الأمم المتحدة من ترضى عنه من الدول هبات تحت بند " تعويضات " ، نقول هذا لندلل أن القصة كبيرة، ولكننا والتاريخ يحتفظ بكل التفاصيل، وربما الكثير ممن كانت لهم أياديهم فيها يخجلون اليوم من أدوارهم تلك، ويتذرعون " بأحتلال دولة ذات سيادة " "الكويت"، وآخرون بقرار الأمم المتحدة وتخويل المادة السابعة والتحالف الدولي، وآخرون بالضغوط الأمريكية المستطيرة، وآخرون طمعاً في نصيب من الكعكة في حفلة قائمة بهم وبدونهم، العالم هكذا لم يعد يتصرف بأخلاق الفرسان.
ولكن المؤامرة في جذرها المكون، لم تكن فيها الكويت إلا الطعم / الذريعة، للإجهاز على العراق ككيان وكدولة، تمهيداً لتحقيق هزات أرتدادية كنتيجة لسقوط عملاق ضخم بحجم العراق، والعراق الذي أستطاعت الحكومات الوطنية المتعاقبة بعد الأستقلال 1921، و شهدت بصفة خاصة قفزة نوعية / وكمية في الحكم الوطني العراق الذي أستطاع إحداث تغيير جوهري في الكيان السياسي / الاجتماعي / الاقتصادي، والتعليمي والطبي والصناعي على وجه الخصوص، بلغ درجة كاد فيها أن يغادر البلدان النامية، وهذه القضية تمثل بالنسبة للغرب مسألة لا علاقة لها بأسماء الأشخاص ولا بالمسميات، فالقاعدة الثابتة هي أن لا يتجاوز" أي بلد " ضمن القائمة لديهم هذا الخط من مستوى التقدم، يعدها سيتحول الأمر بتقديرهم إلى خطر محدق يتصاعف في المراحل اللاحقة، فهذا خطر ينبغي أستباقه وبالتالي إجهاضه. وهذه القاعدة أنطبقت على مصر في زمن محمد علي الكبير، وفي التجربة الناصرية، ثم في التجربة البعثية العراقية، التي يصرون على تنسيبها لصدام حسين وأستطراداً لألصاق " الديكتاتورية" ومن ثم منح مشروعية مهلهلة بائسة لما يخططون له، لم يحصلوا عليها قط حتى شكلياً.
المؤامرة جمعت أطراف ثلاث لها مصلحة مؤكدة في ضرب العراق كبلد، وكقطر عربي، مسلم، وهذه الأطراف تتفق أتفاقاً تاماً شاملاً كاملاً على أن تدمير العراق ونزع طاقاته، أمر يصب في مصلحة التحالف الثلاثي بلا جدال ولا خلاف. والدول الثلاث هي : الولايات المتحدة ــ إيران ــ إسرائيل. وأذا كان هناك تفاوت ما فهو نسبي وشكلي وله علاقة بعقلية التنفيذ. فعلى سبيل المثال، الأمريكان هم من وضعوا قائمة الأهداف التي ينبغي أن تدمر، وهي شاملة تضم أهداف : عسكرية، صناعية، مواصلات وجسور، طاقة، وبعض الأهداف الآثارية والفنية في محاولة لسلب العراق شخصيته المميزة. واهتمت المخابرات الأمريكية بأستدعاء علماء عراقيين تعتبرهم مصدر خطورة، وخيرتهم بين الهجرة إلى أميركا، أو إلى بلدان رأسمالية معينة، أو أي خيار يبعدهم عن العمل في العراق.
أما إسرائيل، فقد كانت قائمتها أوسع من الأمريكية فشملت مئات أكثر، ولأنها تفقد لغة الحوار مع هؤلاء العلماء فقامت بأغتيالهم، وأغتيال العلماء لدى المخابرات الإسرائيلية مسألة لها خبرة وتجربة طويلة جداً، فأقدمت على ذلك، ثم سرقت وثائق ثمينة، وموجودات في المتاحف، وسائر فعالياتها الأخرى تدور وراء الكواليس، ويحرصون على أن تكون قنوات ووسائل أتصالاتهم في أقصى أقصى درجات الكتمان والسرية.
أما إيران .. فهذه أخرجت رأسها من جحرها وتطلعت يسرو ويمنة، وخرجت على الملاء بلا أدنى درجة من الحياء والناموس، وجاءت إلينا بلافتات هي شكلاً تختلف عن لافتات الأميركان واليهود ولكن تتفق معه في الهدف والجوهر، مع المبالغة (وهذا شأن فارسي تقليدي) والتطرف في شهوة التدمير والقتل، فقائمة الأغتيال عندهم تضاعفت لتشمل عشرات، بل مئات ألوف الناس، فالعلماء خطر ينبغي إزالته، وهذه أتفقوا بها مع الإسرائيليين والأمريكان، وشخصيات الاستقطاب الوطنية والقومية، هذه أتفقوا عليها جزئياً، ولكنهم بالغوا وأغتالوا بقوائم معدة سلفاً طالت ما لم يهتم به الأمريكان والإسرائيليون، أئمة جوامع، ضباط جيش، طياريين، مهندسين، أطباء تخصص، شخصيات رياضية، والحصيلة حتى الآن عشرات الألوف من القتل المبرمج الممنهج، والعملية متواصل لحد الآن، بل وصلت لمدربي الرياضة والفنانين. وبلغت ذروتها في حملات إبادة وتجريف سكاني وطائفي ما تزال دائرة. هذه الحقائق الساطعة معروفة، ولكننا بتنسيقها ووضعها في إطار الخطة الثلاثية، نريد أن نؤكد على أدوار المشاركين في المؤامرة، والهدف وما تم وما هو في طريقه للتنفيذ.
توسيع التهم وتوزيعها بلا قيود ولا حدود أمر يخفف مسؤولية الجناة الحقيقيين... المؤامرة على العراق ستفشل، وليس بسبب شرف وكرم المتآمرون... بل لأن الهدف أستعصى على المتنافسين، والشعب تحمل الأهوال بصبر خرافي، لذلك تعلو الآن نغمة مصالحة ..وكأننا كنا مختلفين على لعبة دومنة .. أو طاولة ... ولأن هناك دائماً نقطة مضيئة في جبين كل عراقي، مهما تلوث، يبقى يحن للشط والنخل والجمار، فيرتد عراقياً في لحظة ..
لسنا من رواد ثقافة الكراهية واللعن والشتم .. ولا نقبل أو نؤيد الثأر والانتقام، فهذه لا تتفق مع بدء بناء جديد قائم على القانون واحترام الإنسان للإنسان. ولكن لكي يكون البناء مشيداً بدقة، لابد أن نضع كل شيئ في نصابه، فالأوطان لا تحتمل هذا الذي حصل حتى مرة واحدة كل عشرة آلاف سنة ...فالعراق قتل كما لم يقتل، ونهب كما لم ينهب، ودمر كما لم يدمر .. نعم لنتفق ونقرر، ولكن وفق مستحقات. وبوضوح تام : نحن تعرضنا لمؤامرة .. نعم، الطرق على مفصل الطائفية سلاح قذر، نعم ولكن هناك من أمتشق هذا السلاح، في العراق وأرتكب أشنع أنواع الجرائم. الناس لا يختلفون طائفياً، فهذه بدعة جديدة أدخلوها للعراق ليفرقوا شمل العراقيين، ولكن يا للأسف هناك عراقيين خونة قتلوا وسرقوا ونهبوا الدولة.
العراق (أتوقع، وهذا بحاجة لقرار كبير): سيكتفي من البعض بالأعتذار وبنقد ذاتي صريح. ومن البعض لابد أستعادة ما نهب وسرق. ومن البعض لابد أن يدفع ثمن جرائم القتل وهتك العرض.
من يتحدث عن المصالحة ويروج لها، فليطالب أولاً برفع مواد التهميش والتصفية الطائفية والعرقية، والتهجير والتجريف، والاجتثاث والمحاصصة وكل هذه المصطلحات القذرة التي لا تليق بالعراق وحتى بمجتمع بلاد الواق واق ..
أسمع من البعض كلام بطريقة تقرب من السذاجة عن المصالحة، وكأننا تعاركنا بعد لعبة طوبة ...لا أحد ضد المصالحة كمبدأ .. كمبدأ يمهد للتسوية السلمية الوطنية .. ولكن أخفض سيفك الذي يقطر دماً، أغسل فمك الذي تفوهت به بما لا يليق ..... لا مكسب ولا مبدأ يؤسس على القوة والشطارة في القتل والنهب والسرقة وإطلاق الشتائم، والانحطاط في التعامل السياسة.
العرب يقولون ..... ما يروح كعود وعند أهله فرس ...
ونحن ماشاء الله لدينا فرسان، سنرمم بلادنا وسنجد ما ضاع ونلاحق من ألحق بنا الأضرار
3311 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع