الأوركسترا الأوروبيّة والمايسترو الأميركي

                                              

                           نبيه البرجي

الأوركسترا الأوروبيّة والمايسترو الأميركي

الى اي مدى كان الفيلسوف الفرنسي لوي التوسير موغلاً في السريالية، او موغلاً في الواقعية، حين وصف مشروع مارشا بالـ«هيروشيما السياسية» التي بعدها لن تكون هناك اوروبا بل ضاحية اميركية، ولكن بدل احزمة الصفيح احزمة الرخام...
هكذا يتم تعيين الرؤساء، ورؤساء الحكومات، في القارة العجوز. وحين يحاول احدهم التمرد يزاح بعملية قيصرية كما حدث لشارل ديغول. فرنسوا ميتران لم يكن يحتاج الى كل هذا. القفازات الحريرية تكفي...
وللتذكير، حين حاول الرئيس الاشتراكي عقد مؤتمر حول الشرق الاوسط في مدينة البندقية الايطالية، كتب توماس فريدمان «موت في البندقية»، مستعيراً عنوان الرواية الشهيرة للروائي الالماني توماس مان، لينهي المقالة بعنوان اغنية «كم حزينة البندقية». الشرق الاوسط محظية اميركية ويبقى...
الجنرال ديغول نموذجاً. كان الرئيس فرنكلين روزفلت يكرهه لانه كان يعتبر انه لولا فرنسا (والكابتن لافاييت) لبقيت اميركا مستعمرة انكليزية. من هنا كان قرار الرئيس الاميركي اقصاء ديغول عن قمة يالطا مع جوزف ستالين وونستون تشرشل، وكذلك خطته اقامة جمهورية فالونيا باقتطاع جزء من الاراضي الفرنسية وجزء من الاراضي البلجيكية...
ريتشارد هيلمز، وهو مدير سابق لوكالة الاستخبارات المركزية (1966 - 1973)، الذي طالما تحدث عن «نابليون الطويل القامة الذي لا يملك البتة مواصفات نابليون القصير القامة», وصل الى حد القول ان كراهية الجنرال لاميركا جعلته يخترع ساقي  بريجيت باردو فقط لمنافسة شفتي مارلين مونرو...
في صيف العام الماضي كنت اقرأ صحيفة فرنسية ثانوية، وتحديداً مقالا هاماً عن جان-بيار شوفنمان، لأمر على خبر يقول ان ايمانويل ماكرون، وزير الاقتصاد، استقال لان مكانه العام المقبل في قصر الاليزيه...
هل حقاً انه يتم شكسبيرياً، وفي المطابخ الاميركية, اعداد الرؤساء في فرنسا، والاكيف يتم اقصاء دومينيك دو فيلبان ليؤتى بنيكولا ساركوزي او بفرنسوا هولاند. دوفيلبان اكثر شفافية واكثر شاعرية بكثير من ان يقال انه «يؤتى به (اي الرئيس) كما طبق الهوت دوغ».
لا احد ينفي ديناميكية ماكرون، وماضيه المصرفي حيث لا احد يعرف كيف تتقاطع الشيكات وكيف تتقاطع المصالح. لكن استعادة الاحداث منذ استقالته وحتى تأهيله للمرحلة الثانية تطرح الكثير من الاسئلة. من رفع الستار عن فضائح فرنسوا فيون، الصغيرة والمهينة، لكي يقع على قارعة السباق بعد ما كان على مسافة خطوة واحدة، لا اكثر، من الاليزيه؟.
انها الاوركسترا الاوروبية في قبضة المايسترو الاميركي. حين قالت واشنطن ان الاولوية لقتال «داعش»، اما مصير بشار الاسد فيقرره الشعب السوري، سارع جان-مارك ايرولتوبعد احدى واربعين دقيقة على كلام نيكي هايلي، الى الادلاء بتصريح مماثل كلياً ليتبعه بوريس جونسون...
جان دانيال كان قد سأل ما اذا كانت اوروبا ظلت تحتضر منذ ان وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها, والى ان لفظت انفاسها الاخيرة على ضفاف قناة السويس...
اندريه مالرو كان يعتقد انه بين الاعصار الشيوعي في الاتحاد السوفياتي والاعصار الرأسمالي في الولايات المتحدة، يمكن لاوروبا، بما لديها من احتياطي فلسفي واخلاقي، ان تضطلع بدور «الميني - مسيح» في وقف المسار الجهنمي للتاريخ او للاتاريخ، اين هي اوروبا الآن؟
فرنسوا هولاند لا يصلح ان يكون سروالاً لشارل ديغول، وتيريزا ماي تحاول ان تكون ظلاً لمارغريت تاتشر التي ارادت ان تظهر ان بريطانيا لا تنتج رجلاً مثل ونستون تشرشل لكنها تنتج امرأة مثله. انغيلا ميركل امرأة استثنائية، لكنها في اليوم الثالث لوصولها الى منصب المستشار قالت «كيف يمكنني ان اكون كونراد اديناور؟ هذا مستحيل...».
فرنسا التي عشقنا ثقافتها, وما بين اندريه مالرو وجان بول سارتر والبير كامو وريجيس دوبريه، مروراً بلوي التوسير ولوي اراغون, هي اليوم مثل تلك الدولة التي اخترعتها ذات يوم وتدعى لبنان. دولة تتداعى هناك ودولة تتداعى هنا. الساسة في لبنان اخذوا الثرثرة عن الساسة في فرنسا. تصوروا اذا حاولنا احصاء التصريحات التي صدرت حتى الآن عن قانون الانتخاب. هل من قرار لمجلس الامن الدولي يمنع استخدام السلاح الكيميائي ضد الشعب اللبناني؟...
فرنسا مثلنا متناثرة. احد عشر مرشحا للرئاسة واحدى عشرة فرنسا. كل يغني على ليلاه, لكن الدولة في ازمة. الاقتصاد يتراجع بايقاع دراماتيكي. الديبلوماسية تتعثر او تتراقص. الامن يتعرض لضربات متلاحقة ويتدهور. في الصحف الفرنسية يكتبون بلغة كئيبة. لا يستبعدون ان تكون المفاجأة مارين لوبن. السبب «ان الفرنسيين يائسون, يائسون جداً». في زمننا لا علاج لليأس سوى اليأس...

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

813 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع