د. منار الشوربجي
الرئيس يخاطب نفسه
السمة الرئيسة لأداء الرئيس الأميركي في الشهور الثلاثة الأولى من عمر إدارته، هي أنه لا يخاطب سوى الجمهور الذي انتخبه، لا عموم الأميركيين، ولا يستهدف بقراراته سوى القطاعات التي أعطته أصواتها.
وبالنسبة لدونالد ترامب تحديداً، فإن تلك الاستراتيجية تمثل مخاطرة كبيرة، كشفت بعض الوقائع مؤخراً عن إمكانية تحققها أكثر مما توقع الكثيرون.
ترامب يعتبر من رؤساء قلائل في التاريخ الأميركي فازوا بالرئاسة بعد أن خسروا الأصوات الشعبية. وخسارة الأصوات الشعبية معناها أن نسبة من دعموه من الناخبين أقل من تلك النسبة التي لم تعطه أصواتها.
لذلك يتحتم على مثل ذلك الرئيس، ليس فقط أن يحافظ على دعم القوى والقطاعات التي وقفت وراءه، وإنما أن يجتذب بعضاً من القطاعات التي لم تعطه أصواتها، عبر الاهتمام ببعض أولوياتها.
تركيز ترامب فقط على من أعطوه أصواتهم، مخاطرة، لأن كسب رضائهم ليس مؤكداً، وهو لو فشل لسبب أو لآخر في إرضاء بعض قطاعاتهم، فإنه سيعجز عن توفير الدعم الشعبي اللازم لتمرير أجندته التشريعية، التي لها أهمية محورية لإعادة انتخابه. وقد برزت بالفعل بوادر لعدم رضا أنصار ترامب الأسبوع الماضي في أكثر من مناسبة.
من المفارقات المهمة في الحياة السياسية الأميركية، أن الكثير من ناخبي اليمين الرافضين لأي شيء فعله أوباما، والذين وقفوا ولا يزالون بكل قوة مع إلغاء قانون الرعاية الصحية الذي صدر في عهد أوباما.
والمعروف إعلامياً باسم «أوباما كير»، هم أنفسهم سعداء للغاية بالتأمين الصحي الذي حصلوا عليه بموجب ذلك القانون، دون أن يعرفوا أنه هو نفسه «أوباما كير»، لذلك، فإن مشروع قانون الرعاية الصحية الذي وافق عليه مجلس النواب نهاية الأسبوع الماضي، وسيحرم أعداداً هائلة من هؤلاء مما حصلوا عليه في عهد أوباما، سيوجهون غضبهم لترامب بالضرورة.
أضف لذلك أن عدداً لا بأس به من القوى الفاعلة المرتبطة تقليدياً بالحزب الجمهوري، مثل لوبي شركات التأمين ولوبي المستشفيات، أعلنت رفضها المشروع، ودعت مجلس الشيوخ لرفضه، لكن رفض مجلس الشيوخ يضع في ذاته النهاية لتعهد ترامب لناخبيه بإلغاء قانون أوباما، الأمر الذي سيغضب بالضرورة قطاعاً آخر منهم.
واليمين الديني الأصولي، الذي كان أحد أهم التيارات التي أعطت أصواتها لترامب، أعلنت بعض قياداته استياءها، وحذرت ترامب من خسارة أصوات كتلتهم الانتخابية، بعدما أصدر الرئيس قراراً تنفيذياً طالما انتظروه بخصوص الحريات الدينية، تضمن بنوداً لم يطلبوها، وخلا من بنود توقعوها.
القرار سمح لأول مرة منذ الخمسينيات للكنائس، بأن تؤيد علناً أو تعارض مرشحين للمناصب السياسية، دون أن يتأثر وضعها كمؤسسات معفاة من الضرائب الفيدرالية، لكن الأغلبية الساحقة من الأميركيين، بمن في ذلك تيار اليمين الأصولي، لم يطلبوا قيام الكنائس بذلك الدور، بل وتظهر استطلاعات الرأي أنهم يرفضونه أصلاً.
فاليمين الديني يفرق مثلاً بين اتخاذ الكنائس موقفاً من القضايا السياسية، وبين تأييدها للمرشحين أو معارضتهم، ورغم أن ترامب أرضى اليمين الديني في ذلك القرار، بالنص على أنه بإمكان المؤسسات الدينية التي توفر الرعاية الصحية، أن تمتنع عن توفير وسائل تنظيم الأسرة، لو خالف ذلك معتقداتها الدينية.
إلا أنهم اعتبروا ذلك النص غير كافٍ، طالما أن القرار لم ينص على منح الكنائس والمؤسسات الدينية عموماً الحق، بناء على معتقداتها الدينية، في أن ترفض توظيف البعض أو تكفل لهم بعض الحقوق، وهو ما يشمل لدى بعضها المثليين، ويشمل لدى بعضها الآخر المرأة والأقليات الدينية.
التشريعات عموماً ليست في يد الرئيس الأميركي، فهي خاضعة لتعديلات الكونغرس أو رفضه، وهو بالضبط ما حدث حتى الآن بالنسبة لتمويل بناء جدار على الحدود مع المكسيك، وهو الذي كان واحداً من أهم تعهدات ترامب فى حملته الانتخابية.
أهمية كل ذلك ترتبط بأن الرادع الوحيد الذي يمنع أعضاء الكونغرس من تحدي أجندة الرئيس التشريعية، هو شعبيته، ولا يهم عضو الكونغرس شعبية الرئيس في طول البلاد وعرضها، وإنما يهمه فقط شعبيته في دائرته أو ولايته.
ويصدق ذلك على أعضاء الكونغرس من حزب الرئيس، كما يصدق على الأعضاء من الحزب المعارض، ولأن ترامب يستهدف فقط جمهوره الذي انتخبه دون باقي الناخبين الأميركيين، فإن المخاطرة تتمثل في أنه لو استمر غضب بعض القطاعات التي انتخبته أو لم يفلح في إرضائها.
فإنه سيخسر شعبيته في دوائر الجمهوريين، وفى الولايات المحافظة، الأمر الذي يعنى أنه مع حلول منتصف عام 2018، الذي ستجرى فيه الانتخابات التشريعية، سيرفض الجمهوريون في الكونغرس دعم أجندة الرئيس التشريعية، لئلا يخسروا مقاعدهم، الأمر الذي يعني بالضرورة حرمانه من تحقيق إنجاز يرفع شعبيته.
وتعطيل أجندة الرئيس التشريعية، يخصم من فرص نجاحه، بما يكرس من انهيار شعبيته، ويجعل مهمة إعادة انتخابه بعد ذلك بعامين مسألة أكثر صعوبة.
1150 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع