عدنان حسين
قانون التعبير.. باطل!
نحن، في ظلّ نظامنا العراقي الجديد، نتقدّم .. لا شكّ في هذا. .. ونحن في كنف هذا النظام الذي جاء على أنقاض نظام دكتاتوري متوحّش، نحقّق إنجازات نادرٌ مثيلها.. لا شكّ في هذا أيضاً .. لكنّنا نتقدّم رجوعاً إلى الوراء، ونحقّق "إنجازات" تضاهي "إنجازات" نظام صدام في التضييق على الحريات والتوحش. إليكم دليلاً واحداً.
في 25 كانون الثاني 2015 نظّمت لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب بالتعاون مع لجنة الثقافة والإعلام جلسة استماع لمناقشة مشروع قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي المقدّم إلى المجلس من حكومة العبادي موروثاً من حكومة المالكي الثانية التي كان لها سجّل حافل في تقديم مشاريع قوانين تحدُّ من ممارسة الحريات العامة والخاصة التي كفلها الدستور وتُضيِّق عليها.
الجلسة شارك فيها العشرات من الإعلاميين والأكاديميين والقانونيين وممثلي نقابات ومنظمات مجتمع مدني معنية بالقضية موضوع القانون المقترح. الملاحظات التي أُبديتْ على مشروع القانون كانت كثيرة للغاية، وأتذكّر جيداً، وكنت أحد مقدّمي الملاحظات نيابة عن النقابة الوطنية للصحفيين، أن النائب حبيب الطرفي الذي أدار جانباً من الجلسة أعلن قبيل ختام الجلسة أنّ من الواضح وجود اتجاه قوي وواسع لرفض مشروع القانون بصيغته القائمة وأنّ على اللجنتين البرلمانيتين بالتالي أن تقترحا إعادة المشروع إلى الحكومة لتعديله في ضوء الملاحظات المطروحة، لكنَّ عضو لجنة حقوق الإنسان أشواق الجاف قالت في تصريح صحفي عقب الجلسة إن "مجلس النواب كفيل بإجراء تعديلات جوهرية على مشروع القانون، من دون الحاجة لإعادته إلى الحكومة"، واصفة المسودة المُرسلة من مجلس الوزراء بأنها "لا تصلح لأن تُسمّى قانوناً يُعبّر عن حرية الرأي"، أما رئيسة لجنة الثقافة والإعلام ميسون الدملوجي فأعلنت من جانبها في تصريح مماثل أنّ الملاحظات المطروحة في الجلسة سيتم الأخذ بها في تعديل مشروع القانون، وأن لجنتها تريد قانوناً يكفل الحريات ولا يقيّدها.
بعد انتظار طويل ظهر مشروع القانون منذ أيام داخل مجلس النواب في قراءة ثانية (القراءة الأولى كانت في العام 2014) تمّت على عجل .. لِمَ العجلة؟ .. العجلة لها ما يبرّرها، فثمة لجان أخرى في البرلمان قد نظرت في مسودة القانون ورأت أن تعدّل فيها، ليس باتجاه الأخذ بالملاحظات المشار إليها وإنما بالتشديد في القيود التي تقترحها الصيغة الأصلية المرفوضة. الآن أمام مجلس النواب صيغة من المفترض التصويت النهائي عليها في جلسة الغد، هي من أسوأ ما يُمكن تصوره لقانون مهمته تنظيم ممارسة حرية التعبير .. الصيغة الحالية تتعارض كليّاً في عدد غير قليل من بنودها مع أحكام دستورنا النافذ وأحكام الشرائع الدولية الملتزمة بها الدولة العراقية.
هذا القانون، إذا ما شُرّع غداً، سيُعيد إنتاج واقع القمع والوحشية الذي عاشه العراقيون مع نظام صدام حسين. وفي بعض الجوانب فإن القانون المُقترح سيكون أشدّ قسوة من قوانين صدام... إنه سيُحصي علينا الأنفاس ويراقبنا حتى داخل غرف نومنا!
إنه قانون باطل يعود بنا القهقرى فيما نتطلّع جميعاً إلى قوانين تُتيح المزيد من الحريات لتحقيق المشاركة الحقيقية في صنع القرارات، فكل الخراب الذي نشهده الآن يعود إلى غربة الشعب العراقي عن عملية صنع القرارات الخاصة بحياته وأمنه وكرامته ومستقبله.
1076 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع