بقلم: سالم إيليا
رمضان كريم ـ ـ فأكرموا أمتكم أيها البائعون بتخفيض أسعار سلعكم
الصوم هو فرض ديني تتبعه معظم الأديان سواء أكانت سماوية أم غيرها لهدف جليل يسمو بمستحقاته وفروضه وواجباته على كل مَنْ يقع تحت حكمه وطاعته، وحيث يعطي جوهره رسالة الهية لمبدأ التكافل الإجتماعي والشعور الإنساني من قبل الإنسان لأخيه الإنسان وهي فترة لمراجعة النفس المبتعدة عن هذا الشعور خلال سنة كاملة من الإنغماس في التعاملات والتصرفات الدنيوية التي غالباً ما تبعد الإنسان عن واجباته ومستحقاته الروحية والإلهية.
فجوهر رمضان هو الصوم الجسدي/الغذائي للشعور بجوع الفقير والصوم الروحي لحجب النفس عن الكثير من المغريات المادية والروحية وما تأمر به النفس البشرية من سوء وعلى رأسها القسوة على الفقراء وعدم مد يد المساعدة لهم .
لكن وللأسف الشديد فقد أصبحت هذه الفروض فرصة معاكسة لجوهرها الذي وضعه الخالق!!، كما وأصبحت عبأً كبيراً على الفقراء الذين من المفروض أن يكونوا هم هدفها الأسمى لإنصافهم بشهرهم الفضيل الذي خصهم به الخالق وحيثُ يتشوقون اليه كل سنة ليشعروا بعطف إخوانهم من البشر عليهم وسموهم الى مستوى التعاضد المادي والمعنوي لهم لتتكلل نهايته بفرحة العيد التي تضع البسمة على شفاه الفقراء قبل غيرهم لإحساسهم بإنسانيتهم ومعاضدة إخوانهم في الإنسانية لهم، وشعورالأغنياء بالرضى من فعلهم الحسن تجاه إخوانهم الفقراء.
وقد تولدت لي فكرة الكتابة عن هذا الموضوع منذ سنوات عديدة لما أشاهده وأقرأ عنه في المهجر وفي بعض البلدان العربية والإسلامية من سباق محموم وممنهج لجعل هذا الشهر الفضيل من أكثر الشهور قسوة على الفقراء وذوي الدخل المحدود حتى باتوا يتمنون أن لا يأتي ليروا أفواه القُرُوش الآدمية مفتوحة على آخرها لإفتراسهم!!، لكنني في كل مرة كنت أمني النفس ليتغير الحال ويعود الى ما كان عليه مذ كنّا صغاراً ونرى التكافل الإجتماعي والطيبة العفوية والتسابق الإنساني من المتمكنين من التجّار وبقية الميسورين فتمتلئ دور العبادة بكل مستويات المجتمع وطبقاته وبكل مصنفاتهم المجتمعية كما كان يروي لنا أصدقائنا ليجلسوا بعد الصلاة على شكل مجاميع حول الموائد التي تضيع عندها الفوارق الطبقية ليأكلوا من نفس الإناء الذي لا يعرف أياً منهم مَنْ مِنَ المحسنين المشاركين لهم بطعامهم قد تكرم به عليهم، وحيث تفتح دور العبادة أبوابها لتجهيز المتيسر من الطعام لطالبيه من الفقراء قبل موعد الإفطار!!!، لكن الأمر لم يتغير في العودة الى جوهر وغاية هذا الشهر الكريم، لا بل إزداد سوءاً سنة بعد أخرى حتى فوجئت ومنذ سنوات قريبة وأنا في المهجر ببادرة أسعدتني وأحزنتني في آنٍ واحدٍ وهي شروع محلات التسوق الكندية الكبرى بإعلانها عن تخفيض أسعار سلعها بنسب قد تصل الى 30% من أسعارها الأصلية، خاصة لما يحتاجه الصائم منها مقرونة بالتهنئة بالشهر الكريم والعيد من بعده وبكلمات متداولة في المجتمعات الإسلامية مثل "رمضان كريم" و "عيد مبارك" وباللغة الإنكليزية وكما سيشاهدها القارئ الكريم في النماذج التي سأرفقها مع هذه المقالة ليس دعاية لهم ولا لغاية غير بريئة سيئة المقاصد، ولا سذاجة مني لجهلي من إنهم ربما يفعلون ذلك لكسب ود زبائنهم وزيادة مبيعاتهم، ولكن هذه هي الحقيقة التي يجب أن نعي لها ونحذو حذوها.
ففي رمضان الماضي وجدتُ من أنّ القصّاب العربي الذي أتسوق منه اللحوم (الحلال) قد رفع من أسعاره بنسبة تزيد على 35% ثم عاد بعد إنتهاء العيد الى تخفيضها الى سعرها الحقيقي!!، كذلك معظم محلات البقالة العربية التي أتسوق منها رفعت أسعار سلعها بنسب تصل الى المئة بالمئة حتى أنني نبهت المحاسبة (الكاشيرة) لإحدى السلع التي يكثر بيعها في رمضان والتي أظهرت شاشة الكمبيوتر ضعف سعرها الأصلي الموجود تحتها على الرفوف، فكان جوابها بأنهم غيروا سعرها على الكمبيوتر ولم يتسنى لهم تغييره موضعياً لكثرة المواد وضيق الوقت!!، وهذا الرفع بالأسعار سرى على جميع السلع التي يحتاجها الصائم!!، فشعرتُ بالأسى على أصحاب الدخل المحدود والعوائل التي تعتمد في دخلها على برنامج الرعاية الإجتماعية وهم كثر في المهجر خاصة وإن لمعظمهم عدد كبير من الأطفال، فلربما لي ولغيري من القادرين والحمد لله على تحمل تلك الفروقات في الأسعار لا تؤثر في مجمل التسوق على ميزانيتنا لكن ماذا عن الذين ذكرتهم من إعتمادهم على المساعدات الحكومية في معيشتهم؟!!.
وهذه السنة تفاجئت من خبر قرأته ولا أعلم مدى صحته على المواقع الألكترونية وكما هو مبين في الرابط أدناه وخلاصته من أنّ الحكومة الألمانية قررت إعفاء المحلات ذات العلاقة ببيع السلع من الضرائب خلال شهر رمضان!!، وإن صح الخبر فهي رسالة إيجابية وودّية وإن كانت في مضمونها تتصل بالإنتخابات وجمع أصوات الناخبين من القوميات والأديان المختلفة، إلا أنها في ذات الوقت تعتبر بادرة فريدة ستتبعها دول أوربية عديدة لما في طياتها من إنعكاسات إيجابية ليس فقط للمعنيين بها وإنما لجميع أفراد المجتمع.
الرابط أدناه يبين حسب الخبر المنشور قيام الحكومة الألمانية ببادرة إعفاء أصحاب بيع المواد الغذائية من الضرائب لتشجيعهم على تخفيض أسعار السلع خلال شهر رمضان:
http://www.karemlash4u.com/vb/showthread.php?t=299320
فليحذوا من هم في أيديهم إسعاد الفقراء من تجار وباعة وميسورين في بلداننا المعنية بالشهر الكريم حذو الحكومة الألمانية ليس لكسب الأصوات الإنتخابية وإنما لكسب صوت الخالق الذي يعلو على كل أصوات البشر وليعملوا على تخفيض أسعار سلعهم التي سيزداد بيعها بدون أدنى شك وتكثر أرباحها ويحققوا في ذات الوقت جوهر الصوم ورضى الله.
وليكن رمضان هذا العام هو رمضان الفقراء والمهجرين لنكرمهم به ونسمو بمقاصده لأجلهم.
وأختم قولي وقولنا جميعاً رمضان كريم على كل من يصومه أو تصومه إيماناً منه أو منها بجوهره.
1050 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع