نوري جاسم المياحي
يا محلى طيبة العراقيين
كما يقال ...الانسان عبارة عن لحم ودم وعظام واعصاب ..وعندما يكبر الانسان ويتقدم العمر به ..كما انا عليه اليوم ...فاللحم ترهل والعظم وهن والدم يحتاج الى اسبرين يومي لتسيله والاعصاب تعبت وتحتاج الى فاليوم لتهدأتها ..وانا لست بشاذ عن بقية الشياب المكركبين فكل هذه الاعراض بدأت الاحظها على جسدي وعلى نفسي وضعف اعصابي ...وكما قلت فهذا امر طبيعي ..ولا اشكو من رحمة ربي ..
ولكن الشيء الذي اعانيه فكريا هو الصراع بين اخلاق المجتمع القديم الذي ولدت فيه وترعرعت بين احضانه وجديد الاخلاق الذي اعيشه اليوم او ما اقرأ عنه او في القصص المؤلمة التي اسمعها يوميا ...اي ما يقلقني هو الصراع الاخلاقي بين جيلين ..جيل شباب ايام زمان الذي كان يحب الحياة ويحترمها بوعي ويناضل من اجل مستقبل زاهر افضل وبين جيل شباب اليوم المائع الصايع المدلل الكسول و العجوزي والى درجة الغباء وفي بعض الحالات درجة الخيانة لنفسه وللوطن والذي لاهم له الا التشبه بالنساء سلوكا وتقليدا باللبس والكلام والميوعة ...
وكما قلت ان الرجل عندما يتقدم بالسن ولاسيما ان كان من اصحاب العوائل الكبيرة ومن المؤمنين بما سمعه من اباءه واجداده (انجب من الاطفال اكبر عدد ممكن ولا تقلق عليهم فكل طفل يأتي ورزقه معه ...او كنت مؤمنا بحديث يقال انه منسوب للنبي (ص) ..ما معنى الحديث وليس النص ( تناسلوا وفرخوا وتكاثروا فإنني غدا اباهي بكم الامم ) ... او كنت من المؤمنين بالتقاليد العشائرية عندما يقولون ( كثرة الاولاد عزوة وجاه للاب ) ...
وبما ان المرحوم صدام كان ابن هذا المجتمع ومتأثر بهذه الاقوال والاحاديث التقاليد وبسبب موت وفقدان الشعب العراقي لكثير من شبابه بسبب الحروب والنزاعات ..فقد تبنى الدعوة لتشجيع الانجاب فخصص مبلغ 20 دينار لكل طفل يولد زيادة على الثمانية اطفال... وكما يعلم الموظف آنذاك ان مبلغ العشرين دينار كانت تكرك كما يقال بالعراقي وبما انني كنت مؤمنا بكل هذه المحفزات مجتمعة وليس منفردة فقد دخلت في سباق مع نفسي وزيدت من وتيرة الانتاج فقد انجبت 18 طفل ...اربعة منهم ما توا صغار ...واثنان من اولادي وقرة عيني وبعد ان تخرجوا وحصلوا على اعلى الشهادات وتزوجوا وكونوا عوائل وانجبوا اطفال .. ولكن ايادي الغدر والخيانة من المجرمين الطائفيين القتلة وبلا أي سبب مبرر اختطفتهم وقتلتهم وهم في عز شبابهم وتركوا لي مجموعة من الايتام ..
واما البقية من الاولاد والبنات فقد كبروا وتزوجوا وفرخوا كباقي العراقيين ولكنهم تعلموا من ابيهم درسا وهو ان كثرة الانجاب كارثة على الوالدين وعلى الاطفال انفسهم ...لان هذا الزمان غير زمان ابيهم فلا رزق يأتي مع الطفل ووجود مليار ونص مسلم وكثير منهم تكفيريين يكفون للتباهي مع بقية الامم اما موضوع العزوة للاب ففي نظام العشائر السائد اليوم في العراق فهم مجلبة للمشاكل والفصول العشائرية ...فالتزم اولادي وبناتي بحدود الانجاب المعقول وهو طفل واحد والافضل طفلان (ولد وبنت ) وعند الحاجة ثلاثة و( بس ) ورحم الله الوالدين شر بهذلة تربية الاطفال في هذه الايام الصعبة ...ولاسيما عندما تصر الزوجة على التوظف وترك اطفالها يتلاعب بهم القدر ...
وبعد هذه المقدمة من ارائي الشخصية التاريخية الطويلة ...فأعصابي لم تبقى كما كانت ايام الشباب فقد غلب عليها الحزن والقلق والخوف من مستقبل مجهول ...وتصرفات الارعنين من الابناء والاحفاد لابد ان تنعكس على نفسيتي على شكل ضيق صدر وحسرة على ايام زمان واخلاق زمان وتربية زمان ...وحتى في بعض الاحيان اتمنى الموت لان حياتنا لا تستحق الاستمرار فيها عندما تكون بلا هدف ولا غاية سوى قضاء وقت بلا عمل ؟؟
ولكن البارحة وبعد الساعة الثامنة مساءا .. هاجت عندي الكأبة ومررت بهذه الحالة النفسية التعبانة ...وبناء عليه كما يقول القضاء والساسة الكرام ...قررت ان اخرج (وابدل جو) كوصف العراقيين ... لا نني ومنذ سنوات اليت على نفسي ان احبسها في البيت منعزلا واعتكف بعيدا عن الناس وبلاويهم ...
وعندما اتخذت هذا القرار الخطير بالنسبة لي ...فقد قررت تبديل الجو بزيارة اصغر بناتي لأبارك لها بمناسبة ولادة طفلتها مسرة ...فاصطحبت 6 من احفادي واربعة منهم ايتام ومن ضحايا الارهاب الطائفي الملعون ... واصطحبت معي ايضا (جنتي ) أي بالعراقي زوجة ابني العلوية الحنونة والحبابة وبنت الاصول وركبنا سيارتنا الآكسنت القديمة والمشعول صفحة ابو ابيها ...و متذكرا ابرم زمان ايام الخير والبركة ايامنا في الستينات من القرن الماضي عندما كنت اشتري السيارة من الشركة جديدة بيضاء ولون الكوشنات حمرة وسعرها اخو البلاش وبها ضمان صيانة وحتى تامين صحي وضد الموت تحسبا للاصطدام والبيع في التفسيح ...وبيش ؟؟ الف دينار وشوية وبعض السيارات سعرها لا يتجاوز الخمسمائة دينار كالهلمن والانجليا ... وكنت اسوقها واطارد بشارع الجمهورية وهو مبلط جديد ويلمع بحيث بس يعجبك تلطعه لطع كما يعبر العراقي وفارغ من السيارات ...ويا محلاها من سياقة ...خو مو مثل هسه ..تلعن الساعة اللي تطلع بيهه للشارع ...فالشارع متروس الى دينه سيارات ...سيارة فوق سيارة ...واني اعتقد هاي مقصودة من اعداء العراق لقتل العراقيين بالتلوث البيئي وتخريب الاقتصاد بحيث صار عند الكرعة وام الشعر سيارة وسيارتين والله واعلم عند اولاد المسؤولين كم سيارة عندهم ...والا ما ما معنى ان العراق من دون كل دول العالم ما به نقل عام وبغداد بها ملايين السيارات والشوارع بقت على حالها من زمن الملوكية وعهد عبد الكريم قاسم...واحنا بالخمسينات جانت عدنا سيارات المصلحة الحمراء انتاج شركة ليلاند البريطانية تارسه الشوارع وفرهودها الحواسم الما يخافون الله بعد سقوط بغداد......عمي الله وكيلكم هاي خطة مدروسة ووحدة من الاف الخطط لتدمير العراق واهله مثل سالفة ابراج الموبايل المنصوبة فوق بيوت الناس وهي تنثر الموت الاشعاعي والسرطان الزؤام ..والناس ما تدري
ارجع لسالفتنا ورباط الحجي. بيت بنتي يقع في حي اور وللوصول اليه لازم نمر بساحة عنتر بالأعظمية وعندما وصلنا الساحة وكالعادة مختنقة ...فاذا بسيارتنا ومن طول الوقوف والانتظار تعصبت وغضبت ومن شدة الغضب لم تستطع السيطرة على غضبها فأخذت تغلي وتنفث البخار من تحت البنيد فسارع المسكين السائق حفيدي نازلا راكضا حاملا معه بطل ماء الشرب حجم نصف لتر ( كلاصين مي لتبريدها ) ...وفي هذا الموقف الحرج وانا من النوع الذي توقظه المواقف الحرجة ...فانتبهت لعدة مواقف انسانية جلبت انتباهي منها ما اسعدني وريحني نفسيا ومنها ما اغضبني ...مما ذكرني بقول اهلنا (وكل اناء بالذي فيه ينضح )..
بما ان السير متوقف وكانت السيارة الواقفة بجنب سيارتنا تاكسي سايبا ...لاحظت ان سائقها الشريف وابن الحلال سارع بالنزول من سيارته راكضا وفتح صندوق سيارته واخرج جيركان ماء سعة عشرة لترات وساهم في تبريد سيارتنا ...هذا كان المشهد الاول ...والذي اسعدتني حمية وكرم اخلاق هذا العراقي الشهم ...
في هذه الحظة فتح السير وتحرك المرور .. واذا بسائق السيارة اخر وحقير وهو الواقف خلف سيارة تاكسي الشهم يضغط على هورن سيارته وكان الدنيا انقلبت مما احرجه لان شرطي المرور واقف على بعد امتار ونحن نعرف كيف يتعامل مع سواق التاكسي بتعنت وبس يريدون الهم حجة كما يقول البغدادي حتى يطلعها براس سائق التاكسي ...مما دفعني للصياح عليه وتوبيخه بما معناه وفي قلبي طبعا..(يا حقير ويا نذل ) ما جا تشوف هذا السايق الشهم و الشريف جا يساعد المحتاجين مساعدة ونحن في وسط الشارع بمأزق مفروض علينا وهل الدنيا طارت لو خربت ؟؟...ولكن الملعون يبقى ملعون حتى لو ركب جمل وكلمن يعمل بأصله كما يقال ...
المشهد الثالث والذي لا يمكن ان انساه وادخل السرور الى قلبي وازاح كابوس كأبتي...تراكض مجموعة من الواقفين وعلى الاكثر هم من العاملين في المحلات المطلة على ساحة عنتر ومنهم من تجاوز عمره الاربعين سنة بجلب سطول الماء ولا ادري من اين جاءت هذه السطول وبردوا السيارة ولمدة لا تقل عن ربع ساعة وبعضهم تبلل بالماء وبكلمات احلى من العسل وقد عجز لساني عن التعبير عن شكرهم وامتناني لموقفهم النبيل ...التي ذكرتني بمواقف اهلنا ايام زمان ايا م الحمية والنخوة والشيمة العراقية ...فبردت السيارة وبردت نفسي وتبخرت الكأبة وانفتح صدري ...
قد يقول البعض ويعلق على الحادثة بانها لا تستحق هذا الحديث الطويل وقد ينتقدني البعض بانني سويتها قصة عنتر وهي حادثة بسيطة وعبارة عن ماكنة سيارة حمت وكامت تبخر وبردوها بألماي وانا ارد على هؤلاء ان اي عمل بسيط والا صعب يجب ان نقيمه بقيمته المعنوية وليس المادية ...وهذا الموقف وعلي الاقل بالنسبة لي شخصيا درسا في سلوك العراقيين وكما عهدت طيبتهم في السابق ولازالوا محافظين على طيبة قلوبهم المعروفة ...ولازلت اردد ..يا محلة طيبة العراقيين لو تركوا ان يعيشوا بامن وسلام ومحبة كما كنا قبل سبعين عام وبدون تدخل العملاء الطائفيين والانجاس التكفيريين,,, لأصبح العراقيون على قائمة الشعوب المحبة للسلام والمحبة ..
هذا الموقف الرائع الذي يبعث الامل والسعادة في النفس ..يذكرني بموقف اجرامي حقير يتكرر للاسف يوميا فس سوح وشوارع بغداد وهو ان يأتي مجرم وقاتل ماجور وجاسوس مندس منحرف ومجنون ومريض نفسيا ليفجر نفسه او سيارته بين اناس ابرياء وطيبون امثال رجال ساحة عنتر الشرفاء الذين ساعدونا ليحولوهم الى اشلاء متناثرة ...وللاسف هذه الصورة المؤلمة تتكرر في شوارع بغداد وضمائر المسؤولين والعالم ميتة ولا تتحرك ...فلك الله يا عراق
واقول ما دامت طيبة العراقيين حية وبخير لحد الان فاملي بإنقاذ العراق وازاحة الفاسدين قد انتعش والمجد والخلود لأصحاب القلوب الطيبة الرحيمة من العراقيين
اللهم احفظ العراق واهله اينما حلوا او ارتحلوا
782 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع