جحا... تلك الشخصية الخالدة

                                       

                       خالد القشطيني


جحا... تلك الشخصية الخالدة

يعتبر الملا جحا من أروع وأشهر الشخصيات الفكاهية الساخرة في دنيا الشرق الأوسط. روى حكاياته وادعى به العرب أولاً ثم الفرس والترك والأرمن. وسموه في إيران بالملا نصر الدين. استغل العثمانيون شخصيته في النيل من الحاكم المستبد تيمورلنك. سأله يوماً أين سيكون مثواي الأخير يا خوجة جحا؟ وكان هذا قاضياً في المدينة. فأجابه، دون شك مع نمرود وجنكيزخان وفرعون مصر!

دأب تيمورلنك على اصطحاب جحا حيثما ذهب. أخذه يوماً معه إلى الحمام وكان بالطبع متزراً بوزرة ثمينة. سأله بكم تشتريني الآن لو عرضت في السوق؟ أجابه فقال بخمسين ديناراً. قال له: «ويحك إن ثمن المئزر هذا يساوي وحده خمسين ديناراً. فقال جحا: نعم وهو الثمن الذي قدرته وحسبته عنك!».

وفي مناسبة أخرى روى القوم أن تيمورلنك أراد مصادرة أموال والي مدينة آق شهر فاتهمه باختلاس أموال الدولة، فجاءه الوالي بدفاتر الحسابات ليثبت براءته. فأخذها تيمورلنك من يده متظاهراً بالغضب ومزقها وأمر الوالي بأكلها.

ومات الوالي بأكلها وعين تيمورلنك الملا جحا والياً جديداً محله. ومرت السنة وجاء يوم الحساب فدخل جحا بجلود مطوية نشرها فإذا بها مليئة بأرغفة من الخبز كتبت عليها الحسابات بالحلوى. فتعجب تيمورلنك من ذلك وتساءل: ما هذا؟ أجابه جحا هذا ما تحتمله معدتي يا سيدي. فأنا شخص عجوز ولست بالفتى القوي كالوالي السابق لأهضم الورق!

وفي مناسبة أخرى، نجد جحا جالساً قرب تيمورلنك في مجلسه وقد جاءوا بفارس من عساكره أساء الأداء في عمله. مثلاً لم يضرب عدداً كافياً من المسلمين في ذلك اليوم. وبعد أن استمع تيمورلنك للمخالفة والتقصير أمر بجلده ثمانين جلدة، فانفجر جحا ضاحكاً بما أغاض الحاكم فأمر بزيادة العقوبة إلى ثلاثمائة جلدة.

وازداد جحا تمادياً بالضحك فأمر بزيادة العقوبة إلى ثمانمائة جلدة. وازداد جحا إمعاناً واستغراقاً بالضحك. لم يطق تيمور كل ذلك الضحك فسأله عن سره فأجابه جحا: الأمر باللسان غير التنفيذ بالعمل. هيهات للجلاد أن يستطيع تنفيذ العقوبة إذ سيموت الرجل قبل أن يكتمل العدد.

كنت أتوقع الجواب أن يقول إنه يستحق كل هذا الجلد ليذوق ما كان يوقعه في الجمهور من جلد وعذاب. ولكنني لست جحا.

ويقولون إن سر هذه المصاحبة الشبه أخوية بين الطاغية تيمورلنك والملا جحا، هو أن تيمورلنك استدعى أعيان المدينة بعد فتحها وسألهم عن رأيهم. هل يعتبرونه حاكماً عادلاً أم ظالماً؟ وشعر الحاضرون بأن حاكمهم الجديد يريد أن يوقعهم بمقلب. فإن قالوا إنك حاكم عادل اتهمهم بالكذب والنفاق وعاقبهم. وإن قالوا إنك حاكم ظالم عاقبهم لتطاولهم عليه. استمهلوه بأن يأتي بمن هو أعلم منهم. فجاءوا بجحا. سأله نفس السؤال وأجابه إنك لست حاكماً عادلاً ولا ظالماً.

الظالمون نحن وأنتم سيف العدل سلطه الله للاقتصاص منا. وأعجب الحاكم التتري بالجواب، واتخذه نديماً طيلة إقامته في أرضروم، بما مكنه من تخفيف بطشه بالمسلمين.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1141 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع