يعقوب أفرام منصور- أربيل
إستنزاف الإنسانيّة
سلاح، تسلّح، ومزيد من سلاح وتسلّح، ثم تدمير، إبادة، فاستئصال؛ والنتيجة النهائية هي تضاعف الإستنزاف الإنساني المستمر. فمنذ سبعة عقود لاح لذوي الرأي الصائب والبصيرة الثاقبة أنّ أهمّ شيء في الوجود لدى الخلائق المتحضّرة هو إنتاج وبيع وشراء السلاح بقصد إشاعة القتل والإبادة واقتلاع الأنام والعناصر والأجناس من الجذور.
تصنيع الأسلحة والمتاجرة بها ـ خصوصَا من قِبل " الدوَل الكبرى"ـ باتا أقدس من كل المقدّسات المعروفة، وتستحق العبادة، أكثر من عبادة الله، وتستحقان الإهتمام أكثر من الطعام وإنتاج اللباس والدواء، ما دام السلاح أقوى من كل المواد والمبادئ والمَهَمّات الروحية، والملابس والعقاقير! إذ هل من شيء يصمد حيال الأسلحة، والفتّاكة منها خصوصًا ؟! أليس السلاح هو الأعظم قوّةً ؟ أليس هو السلطان غير المتوّج على هام الجنس البشري بأسرهِ الآن؟!
أليس هو الرب الأقدس لدى الطغاة، وعبيد المال؟ أليس هو جذّاب الإحتكارات والكارتيلات والمتحكّمين بالأسعار؟ أليس هو السيّد الأقدس لدى عبيد الأطماع الجشعة ومصّاصي الدماء، وعميان المحرّمات، وكذلك عند الراقصين على الجثث والجماجم والأضلاع، ومروّجي العنف والإرهاب؟!
ألآن وقد أمست الشرائع السماوية ليست ذات اعتبار أو قيمة وقدسيّة لغالبية الجنس البشري، فقد غدا من العبَث تذكير هذه الغالبية بالقوانين السماوية بخصوص تحريم الحروب والقتل الجماعي والإفناء الشامل، وأن البغضاء والعجرفة قد أصبحتا حاليًا غير جديرتين بالذكر نهائيًا، بل كل هذه التذكيرات والمقتبسات القدسية تجتلب السخرية والإستهزاء إلى جمهرة عظمى من الغالبية المذكورة آنفًا، وفضلاَ على ذلك تُؤدّي إلى نفور المعوجّين والمنحرفين!
إذن يحق لذوي الفطنة والمنطق السليم أن يتساءلوا: هل المدنيّة تحثّ على التدمير؟ هل التهذيب أو التثقيف يوصي بشنّ الحروب ؟ هل الإنسانية تدعو أبناءها للإفناء الشامل؟ هل الجنس البشري يعلّم أجياله أن ُيرتّب لقتول جماعية لغرض اقتراف ومضاعفة استنزافهِ ؟ هل أهمية وهدف التِقنية المتقدمة والمتطوّرة هما لإبتكار أوسع وأسرع وسائل التخريب والإهلاك الوحشيَين؟
إن كانت كل هذه المظاهر من الحياة الحديثة، ذات المستوى الرفيع، لا تقبل حدوث هذه الجرائم والآثام والمساوئ المدنية، لِمَ إذن لا تمنع جميع الدساتير إنتاج السلاح نهائيًا؟ ولماذا لا يمنع ميثاق منظمة الأمم المتحدة كليًا ونهائيًا إنتاج السلاح، بل على النقيض هي تُجيز السباق الجنوني في إنتاجه؟!
ينصّ مطلع ميثاق منظمة الأمم المتحدة : " نحن، شعوب الأمم المتحدة، قد عزمنا على إنقاذ الأجيال المقبلة من كوارث الحروب ..."، لكن بعد أعوام قليلة فقط من إصدار الميثاق في عام 1945، شُنّت حروب كوريا وفيتنام ومصر، تلتها حروب العراق والبلقان، وما برحت حروب تُشن هنا وهناك في الشرق الأوسط المستباح! لذا كيف نفسّر لجوء بعض " القوى الكبرى" إلى الحروب العديدة التي سببت دمارًا وسيعًا وملايين الضحايا؟!
ألا يلاحظ الجنس البشري أنّ كيان منظّمة الأمم المتحدة قد أضحى كيانًا فاسدًا وعاجزَا عن السيطرة والعلاج؟ ألا تعتزم البشرية أن تتخلّص من الحروب الوحشية ومن مثيري الحروب، وذلك لتحول دون هذا الإستنزاف البشري الفظيع المديد جدًا؟ ألم يَحِن الوقت الأن للجنس البشري أن يثور، أن يتمرّد على الحروب ومُشعِليها؟ فمِن دون أن تفعل البشرية ذلك، سيكون الإنسان مماثلاً لأولئك الذين يغتالون أنفسَهم أو ينتحرون. وقديمَا قال شاعر:
إن يدُم للناسِ سلطانُ القَدَر فعليهِم بل على الكونِ العَفاء
قبل ستة قرون من مجيء السيّد المسيح، قال الفيلسوف الصيني (لاوتسى)، مؤسس مذهب " الطاويّة" هذه السطور عن (ألأسلحة) في كتابه " ألطريق والفضيلة" :
ألأسلحة أدوات الشر/ ليست أدوات الرجل النبيل/ فلا يسكن قريبًا منها/ وداعة السلام مَثَلُه الأعلى/ ومن يفرح بقتل غيره من البشر/ لا يصحُّ ان بفرضَ إرادتَه على المملكة/ ومن ينتصر في المعركة/ فعليه أن يحتفل بانتصارِهِ كما يحتفل بجنازة.
وهل حقًا تحيا البشريّة في القرن الحادي والعشرين، وهي في حضارتها الراهنة الراقية، بعد المسيح الذي نهى عن استعمال السيف، لأن مَن يأخذ بالسيف، يهلِك به؟!
1055 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع