امال ابراهيم
مهرجان " تركيب " الثالث للفن المُعاصر ، في بغداد
أختُتمت ، يوم الاحد الموافق للسابع من ايار 2017 ، في بغداد ، عروض مهرجان " تركيب " للفن المعاصر ، بنسخته الثالثة ، التي استمرت أربعة أيام في شارع أبي نواس . وقد واكب " مركز بيتا للخدمات الثقافية " مسيرة هذا المهرجان بنسخه الثلاث ، في الإعداد ، والترجمة ، وأعمال التنسيق . مهرجان تركيب السنوي : مبادرة من قبل منظمة " emcue " الأوربية برئاسة هيلا موفيس ، تعمل على إبراز أعمال الفنانين الفتيان والفتيات ، غالبيتهم طلبة في معهد وكلية الفنون الجميلة ، بالتعاون مع مركز بيتا للخدمات الثقافية ، والجهات الساندة ، والداعمة . مثل معهد جوتيه والسفارة الفرنسية والسفارة الالمانية ومنظمات اخرى داعمة للفن والثقافة.
يمثل المهرجان فرصة لتشغيل البدائل الجمالية في التعبير عن الواقعة العراقية من خلال التخصيب بين فنون البصر ، والأداء ، والتصميم الداخلي ، والكرافيك ، والتصوير ، والأفلام ، والسينوغرافيا ، والموسيقى ، والأدب ... تهدف عروض تركيب إلى إيجاد الروابط بين حقول الفنون ، وتشغيل إمكانية تلك الروابط على الاتصال بالجمهور العام ، من خلال التحكم بالحدود بين الفن والحياة اليومية ، واكتشاف فضاءات حوار ثقافية واجتماعية جديدة نابعة من الأسئلة الملحة في الحياة العراقية
وقد لوحظ التطور في مختلف جوانب المهرجان، بدءا من الأعمال الفنية ومواضيعها وفن معالجتها الى الاضافات في فقرات الانستاليشين كالشعر هذه السنة، وليس انتهاءا باختيار المكان (بناء الشط الجميل) غير المكتمل ليعلن عن مرحلة نمو متقدم يسعى للكمال في التركيبة الذهنية للشباب المبدع.
من الضروري الالتفات عند هذه النقطة الى جهود السيدة مويس في التجسير بين مدارس الفن الحديث بالمانيا ومختلف الدول والمهتمين من العراقيين عبر حلقات السكايب الحية والتي عالجت وتعالج الكثير من المواضيع الجدلية في المجتمع باساليب مبتكرة وغير مألوفة لتشكل نواة حوار ونقاش اثرت نتاج الحاضرين من الشباب ولكنهم لم يغفلوا ابدا تلك النكهة العراقية المتمثلة بألمهم الخاص.
الفنانون الشباب المشاركون هم : جمانة رضا ومارينا رضا ونور الوائلي واكرم عصام وعلي كويشوقادر فاضل وحيدر فاخر ومصطفى طالب مكي وحسام محمد وسجاد محمد وامين مقداد ومهند طه وزيد سعد وعمار سالم ومصطفى الصميدعي وياسر سعد مع شاعرات المختارات لانستاليشين الشعر الحديث للشابات: حوراء عصام وهولي مطر ونيسان سليم رأفت ونادية الكاتب واسرار العكراوي والاء عادل. وقد عالج الجميع فنا وشعرا وموسيقى الظاهرة العراقية واثارها القريبة والبعيدة والظاهرة والمسكوت عنها في محاولة لاختراق حواجز الصمت الذي يفسر كثيرا بقناعة اصحابها بواقع الحال. انه خطاب صريح يشد الجمهور من حواسه ويجذبه الى بقعة الضوء وقاعدة الرمل وممرات الشمع. هو وجع تجسد ولكنه يشي بأمل لا يخلو من الاصرار. فجمانة في عملها ( واحد) عالجت ظاهرة الموت التي تستضيف الزائر عبر مجازر العراق المختلفة لتترك له مرآة ترمز لكونه الشاهد وهو في الوقت ذاته احتمالية المجزرة القادمة بلا شرح او اشارة..فالموت الجماعي لا يخضع للمنطق او التفسير.
فيما يصر سجاد محمد على ان هواء الكرادة الذي طواه النسيان ما زال يقظا في انوف الناس، ليجسد مدخل البناء الذي شهد كارثة العيد الاخير لمئات الابرياء وعوائلهم. بجواره، عرض قادر فاضل (تناقضات) مثلت ما يمر به الانسان العراقي بالرمز والمؤثرات الصوتية. فيما ركز حسام محمد على اقتناص معضلة ( الوقت) عند تحمل المراجع لدوائر الدولة الامرين للحصول على وثيقة رسمية او الدخول في عاصفة المعاملة التي يرجو لصاحبها النجاة فيختم له OK! . تسمع عزف أمين مقداد، معركته الخاصة مع داعش في الموصل. حمل سلاحه العذب ( الكمان) ليحط عند تركيب بغداد ويملأ الاجواء موسيقى عنيدة.
لم يخلو المهرجان من التفاتات ذكية ولمحات عميقة كعمل ( ضفيرة) لعمار سالم، يعالج خلاله عذابات النساء الايزيديات حيث تماهى الجسد بضفيرة واضحى ناقلا لانفاسها المعذبة والمنقولة من الواقع الى دائرة العرض الفني. وعمل ( لحظة) للشاب علي كويش، حيث قال" في لحظة الغرق عندما هاجرت بالعبارة وكما هو معروف فان الانسان يستعيد شريط حياته بلحظة، وقد استثمرتُ الحالة الفنية لاحتواء اللحظة السينمائية 24 فريم بالتالي مثلت هذه اللقطات مراحل الانتقال بين سنوات عمر هذا الشاب الذي انتهى به الامر بوصول مركب فارغ."
تخلل المهرجان عدد من الفقرات الاخرى كالمشاركات الموسيقية لكريم وصفي وشباب (تركيب) . كما وتضمنت ليلة البروجيكتر المفتوح لعرض افلام الشباب وماراثون القراءة الذي تم فيه اختيار الكتب الاكثر طلبا للقراءة من قبل الناس ( بناءا على استفتاء اقيم سابقا) وقراءتها بشكل حر في المهرجان مباشرة وبالتناوب بين الجمهور. شهد المهرجان عروضا شبابية اخرى كالباركور.
مركز بيتا للخدمات الثقافية يستثمر هذه الفرصة ليقدم شكره للفنانين والفنانات الشباب على التزامهم ، وذكاء مقترحاتهم الجمالية ، وطرق صياغتهم للتعبير عن الواقعة العراقية بمختلف مجالاتها وتداخل تعقيداتها . متمنيا لمهرجان تركيب الاستمرار في تكريس التأويل الجمالي القريب من المكونات الشعورية للعراقيين .
960 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع