هيفاء زنكنة
كما في مانشستر… للضحايا في بلادنا اسماء ايضا !
لاحظنا، منذ الدقائق الاولى التالية لتفجير « مانشستر» الارهابي ، وما تلاه من أيام، الاهتمام الاعلامي المكثف، الرسمي والخاص، بذكر اسماء الضحايا واعمارهم، ومدارسهم، ووظائفهم، والاستشهاد باهاليهم، بالاضافة فيما بعد الى نشر صورهم واجراء مقابلات مع اصدقائهم وأقاربهم. أي كل ما يساعد على غرز وجودهم، وما حدث لهم، بالكلمة والصورة، في الذاكرة الجماعية للشعب البريطاني والعالم. هذه التغطية الاعلامية تدفع المتابعين على التماهي مع ضحايا التفجير ال22 ، وبينهم أطفال، كحضور انساني بريء مضاد لفعل ارهابي بشع. وهذا ما يجب ان يكون في جميع انحاء العالم حين تكون قيمة حياة الانسان هي الأعلى وتحمل مفهوما عالميا للجميع.
مقابل ذلك، يتعرض أهلنا من العراق الى غزة، ومن سوريا الى ليبيا الى اليمن، على مدى سنوات تمتد الى عقود ، الى التفجيرات والقصف الجوي بأنواعه ، بأسلحة متطورة ( طائرات بلا طيار في غزة واليمن) وأخرى أقل تطورا وأشد فتكا (اليورانيوم المنضب والفسفور الابيض في العراق وغزة) وأخرى بدائية كالبراميل المتفجرة ( سوريا والعراق). ويبقى الضحايا نكرات، بلا اسم أو هوية. مجرد ارقام واحصائيات وجداول بيانية لاتعني شيئا. فما الذي يعنيه الجدول البياني، حتى لو كان لازدياد عدد ضحايا القصف الجوي ، مثلا، لقارئ خبر في صحيفة ؟ أنه لا يزيد عن كونه خبرا آخر، عن ضحايا مجهولين ، في بلد ما. ومن السهل جدا نسيان مجهولي الهوية وبالتالي محوهم من الذاكرة كأنهم لم يكونوا. هذا هو حال ضحايا الحرب الجوية ، في بلادنا، حيث يسقط مئات الضحايا ، يوميا، في سباق تخوض فيه قوات دول، بقيادة أمريكا، ما تسميه ب» الحرب على الارهاب» بالتحالف مع انظمة عربية، همها الاول حماية مصالحها على حساب الشعوب ونضالاتها، بحيث بات كل من يتجرأ على الاشارة الى عري الامبراطور مهددا بتهمة الارهاب الجاهزة.
أخبرتنا صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، منذ أيام، إن 3100 مدني على الأقل لقوا مصرعهم إثر الغارات الجوية لـ»التحالف الأمريكي» على العراق وسوريا، منذ صيف 2014. مصدر الرقم هو منظمة « حروب جوية» التي ترصد ضحايا الغارات الجوية مستندة بذلك الى المصادر الرسمية. تحاجج المنظمة تصريح الجيش الامريكي بأن غاراته أسفرت عن مقتل 352 مدنيا فقط قائلة ان «عدد القتلى المدنيين هو ثمانية أضعاف ما تؤكده الولايات المتحدة» وان عدد الضحايا في تزايد مستمر، حيث ازداد ، حاليا، الى 100 شخص، يوميا، جراء ما يقارب 13 ألف غارة على العراق و 9 آلاف على سوريا. وذكرت المنظمة انها رصدت الغارات الروسية في جداول منفصلة.
هذه الارقام ، مهمة ومن الضروري توثيقها. ولكن، من الذي سيتذكرها بعد مرور فترة من الزمن ، وربما بعد أيام، باستثناء قلة من الباحثين؟ ما الذي تعنيه هذه الارقام بالنسبة الينا، كأفراد عاديين، والى العالم الذي لا يريد معرفتها، أساسا، أما خشية تحميله مسؤوليتها أو لانشغاله بمشاكله الخاصة بعيدا عن مشاكل « الآخرين»؟
في الاسبوع، ذاته، اعترفت قيادة الجيش الامريكي ، بعد انكار وتنصل، بان أحدى غاراتها على مدينة الموصل، في 17 آذار/ مارس سببت، فعلا، مقتل 105 مدنيين. تؤكد منظمات رصد حقوقية عراقية وشهود عيان ان عدد الضحايا أضعاف ذلك. وهي مجزرة، بكل المقاييس الانسانية وقوانين الحرب، تستوجب المساءلة واخضاع مرتكبيها للعقاب ، فيما لو تم تطبيق القوانين الدولية والانسانية ، وهذا ما لن يحدث ما لم يتغير ميزان القوى الدولي، وما لم توجد في العراق حكومة وطنية مهمتها الاولى تمثيل مصلحة مواطنيها. الى ان يتم ذلك ، تواجهنا اسئلة عدة : ما الذي يتوجب علينا عمله لئلا نكرس استرخاص الحياة الانسانية ، لئلا تتم مقايضتها في سوق المصالح، وان نحافظ عليها كقيمة مطلقة لا تقبل المساومة؟ وكيف الاستفادة من الاحصائيات والارقام؟
الخطوة الاولى هي ضرورة توثيق الحدث بتفاصيله كاسم الضحية والعمر ووقت الاصابة وكيف. الخطوة الثانية اعلامية. ليكن الخبر ، بقدر الامكان، معززا بذكر اسماء الضحايا وجوانب من حياتهم. لا يصح تكويم الضحايا في قبور جماعية ، بأخبار وعناوين على غرار : « مقتل 20 مدنيا في قصف جوي على سوق شعبي غرب الموصل» و « 395 قتيلا و580 مصابا ضحايا الهجوم الأمريكي في النجف والكوفة « و « في قصف جوي .. مقتل تسعة مدنيين بينهم خمسة من اسرة واحدة في الموصل» ، دون ان يشار في أي من الاخبار، على اختلاف مصادرها، اسم أي من الضحايا.
ان لكل ضحية اسما وعمرا وجنسا ومهنة وعائلة وأقارب، الكبار منهم والاطفال، « فلاطفال العراق احلامهم/ انهم ليسوا بلا احلام/ لأطفال العراق قلوب تنبض/ انهم ليسوا احصائيات حرب/ لأطفال العراق اسماء/ اسماؤهم ليست ضحايا ثانويين « كما يقول الشاعر الامريكي ديفيد كريغر، والعبور الى العالم الآخر لا يطمس هذه الحقائق، بل كل ما في الامر انها ستتحول الى مخزون في ذاكرة الاحياء، تتناقله من جيل الى آخر لا للانتقام بل لئلا تتكرر الجرائم.
وهذا ما فعلته اجهزة الاعلام لضحايا تفجير مدينة مانشستر، وهذا ما يتوجب علينا عمله تجاه ضحايانا الذين لن يلتفت اليهم احد، ما لم نبادر بالعمل على تحويل استشهادهم الى احتفاء بحياتهم. اما افضل طريقة لتقريب الارقام والاحصائيات من اذهان الناس وابقائها حية فتتم عبر تضمينها سردية الاحداث التي يتعرض لها الضحايا لتصبح ، كما يذكر موقع « احصاء القتلى العراقيين» ( ترجمة غير حرفية لبادي كاونت)، وسيلة أخرى ، ايضا، لاثبات الحقيقة عبر التفاصيل المتعلقة بالافراد ، وجعلها ملكا للجميع مثل نصب تذكاري يؤمه الكل ، خاصة ذوي الضحايا ، حفاظا على ذاكرتنا وكرامتنا، في آن واحد.
923 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع