بثينة خليفة قاسم
الطبيب وشرف المهنة
هناك مهن تفسد وينحدر أداء أصحابها إذا أصبح هدفهم المادة دون غيرها، من بين هذه المهن الطب والتدريس، فالطبيب لابد أن ينطوي عمله على جانب إنساني أكبر حجماً من غيره من الأعمال، وهذا أمر يجب أن يعلمه ويأخذه في حسبانه كل من يخوض غمار التعليم الطبي.
هذا الجانب الإنساني الذي يتجسد بالراحة الشخصية أحياناً والتضحية بالاستمتاع بصحبة الأهل أحياناً أخرى، والاستيقاظ من النوم خلال الليل لإنقاذ حياة إنسان، هو من أخص خصائص مهنة الطب، أما إذا قام الطبيب بتقليص هذا الجانب الإنساني من مهنته عمداً من أجل تحقيق مكاسب مادية أكثر فقد أفقد مهنته روحها الإنسانية، فالمريض ليس فرصة للكسب يفرح الطبيب بقدومه إليه كما يفرح التاجر بقدوم الزبون، ولا يجب أن ينطبق على الطبيب المثل القائل “مصائب قوم عند قوم فوائد”، بمعنى أنه لا يجب أن يثرى على حساب أوجاع الناس.
لا نقول أن يعمل الطبيب بدون أجر، فلابد له أن يعيش حياة كريمة على قدر ما يشقى من أجل راحة الناس، ولكن ما نريد قوله إن الطبيب يجب أن يتخلص من الدوافع المادية في تعامله مع المرضى لأن المادة عندما تسيطر على الإنسان وتحكم تفكيره وتصرفاته تفقده الكثير من إنسانيته، وتفقده نواح روحية ضرورية جدا للنجاح في مهنة الطب، لأن الطبيب يحتاج ضمن عمله أن يزرع الأمل والراحة في نفس المريض ويحتاج إلى أن يحيطه بالحنان والثقة والأمان، وهذه أمور لا يتسنى لإنسان محكوم بالمادة أن ينقلها إلى عقل المريض.
سمعنا عن أطباء ضربوا أمثلة رائعة في النواحي الإنسانية لأنهم أدركوا ما تعنيه مهنتهم العظيمة من البداية، كطبيب ورث عن والده المال وسعة الرزق قبل أن يصبح طبيباً، فاكتفى بأن يحصل من مرضاه فقط على ما يكفي تكلفة الماء والكهرباء وأجرة الممرض الذي يساعده، وكان هذا الطبيب ناجحاً جداً وأجرى الله الشفاء على يديه. صحيحٌ أن هذا المثال لا يقبل التعميم فليس في وسع كل الأطباء أن يفعلوا كما فعل هذا الطبيب بسبب صعوبات الحياة المعروفة، ولكن هي الرغبة في تأكيد ضرورة بقاء المكون الإنساني في مهنة الطب على وجه الخصوص، ولأننا أصبحنا نسمع في هذا الزمان العجيب عن أطباء يقومون بالمتاجرة بأعضاء مرضاهم دون علمهم ورضاهم. فالمريض يدخل إلى عيادة الطبيب لإجراء جراحة في اللوز ويخرج ليكتشف أنه أصبح بكلية واحدة، فهل وصل التجرد من شرف المهنة ومن الأخلاق والدين إلى هذا النوع الحقير من السرقة؟ لا شك أن سرقة أعضاء الناس أخطر وأحقر من سرقة أموالهم ومنازلهم لأنه في الحالة الثانية يمكن للشرطة أن تعيد لهم مسروقاتهم، أما الكلى المسروقة فلا تعود كما كانت مرة أخرى.
909 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع