د. صبحي ناظم توفيق
"عميد ركن متقاعد... دكتوراه في التأريخ"
12/حزيران/2017
أسطورة معركة مطار صدام الدولي (نيسان/2003)
في الأيام القليلة المنصرمات إمتلأت صفحات الإنترنت بمقالة أشبه بأسطورة خيالية عن معركة جرت لدقائق في الأيام الأخيرات من عمليات الغزو الأمريكي للعراق في أوائل (نيسان/2003) ومقتل (2019) جندياً أمريكياً من الفرقة/101 المحمولة جواً في غضون ثوانٍ، ومدى غباء القيادة السياسية الأمريكية والمخططين العسكريين للعمليات الخاصة، والذكاء الخارق لوزير الدفاع العراقي "الفريق أول الركن سلطان هاشم أحمد" الذي أعدّ مفاجأة من العيار الثقيل بقذف طُعم إستخباري عن طريق "الدكتور أحمد الجلبي" المرتبط بـ(C.I.A) -حسب تعبير كاتب تلك المقالة- لإستدراج الأمريكيين لنزول طائراتهم على (14) مدرجاً للهبوط في ذلك المطار.
وفي الوقت الذي أعتزّ بصديقي العزيز "الفريق سلطان هاشم" وسموّ أخلاقه وخبرته العالية في إدارة المعارك، ولكني على يقين تام بأن هذه المقالة لو عُرِضَت على معاليه في السجن لـَما قـَبِلَ أو إستساغ سطراً واحداً منها، كونها خارجة عن المنطق وحتى الخيال من حيث الظروف التي سادت وطني "العراق" عموماً وفي ضواحي عاصمتنا الحبيبة "بغداد" في تلكم الأيام العصيبة، فيما أرفع إحترامي لشخص كاتب المقال الذي (ربما) يستهدف من مبالغاته أن يعظّم من شأن شخصية عراقية أو من واقع الجيش العراقي من دون أن يعي أن مثل هذه المبالغات تسيء إليهما وتدني من شأنهما... ولكل ذلك وددتُ الردّ على مقالته بهذه الأسطر المعدودات خدمة لتأريخنا المأساوي القريب.
الإندفاع الأمريكي السريع
واقع الحال أني لم أتابع هذه المعركة بذاتها، بل صببت جلّ إهتمامي -بصفتي عسكرياً متابعاً للأمور الإستراتيجية- نحو الإندفاع السريع للغاية للقوات الأمريكية إنطلاقاً من "دولة الكويت" وتخطّيها لـ"ميناء أم قصر" وتركها محافظة "البصرة" للبريطانيين، وتثبيتها كلاّ من مدن "الناصرية" فـ"السماوة" ثم "الديوانية" بقوات ضئيلة وتحت رحمة طائرات الهجوم الأرضي والسمتيات الساندة بنيرانها الهائلة ومقذوفاتها الدقيقة، وبلوغ القسم الأكبر من قواتهم المتقدمة "صحراء النجف وكربلاء" في اليوم الخامس من بدء الغزو، حتى فوجئت القيادة العراقية وصُعِقَت وإرتبكت فتضاءلت سيطرتها على عموم القوات العراقية المسلّحة ما تسبّب في إنهيار معنويات القطعات العراقية المنتشرة في البراري وحوالي المدن ودواخلها، حتى بدأ معظم القادة بالتسرب المُخجِل نحو بيوتهم وعشائرهم، وبودئ بتدمير تشكيلات الحرس الجمهوري المحيطة ببغداد عن طريق القنابل الأمريكية الضخمة عيار (3-7-9) أطنان والمقذوفة من القاصفات العملاقة (B-52) ذات المحركات الثمانية، والتي كنتُ أراقب وصولها -بعد إقلاع كل تشكيل مؤلّف من (4) قاصفات إنطلاقاً من قاعدة جوية في جنوبي "إنكلترا"- خلال حوالي (4) ساعات إلى أجواء "خان ضاري والحبانية" ومدينة "الفلوجة" التي بقيتُ مع عدد من أصدقائي وعوائلنا في أحد مساكنها المطلّة على نهر الفرات طيلة (3) أسابيع إستغرقتها هذه الحرب، لأرى بأم عيني أو بالناظور كيف تسقط منها تلك القنابل العملاقة والمتوسطة والخفيفة على جنودنا وضباطنا الشباب في وحدات الحرس الجمهوري المرابطة في تلكم البقاع من أبناء العراق الذين غدوا طعماً للحروب وساحات لتجارب أقذر أنواع الأعتدة وأفتكها بإستثمار أحدث أسلحة الحرب وآلاتها وأدواتها لدى دولة عظمى خارقة وأخرى كانت عظمى قبل أن تغدو تابعة في مرتبة أدنى.
لقائي مع ضابط ركن لدى الحرس الجمهوري
بعد أسبوع واحد من إحتلال "بغداد" وحالما فتح الأمريكيون الطرق العامة نحوها لنعود إلى بيوتنا، فقد أسرعتُ إلى دعوة أحد تلاميذي الأعزاء وجاري وإسمه "أبو أحمد" الذي كان برتبة "عميد ركن قوات خاصة" يشغل منصب ضابط ركن عمليات لدى قيادة قوات الحرس الجمهوري، وقتما علمتُ بأن مقرّهم البديل كان وسط مجموعة مساكن مدنية مملوكة للدولة في "حيّ الجهاد"، دعوته لأخبّئه فنجلس معاً في بيتي لـ(3) أيام متتاليات كونه خائفاً من أن يكون مطلوباً لدى قوات الإحتلال.
ومن الطبيعي أن يدور معظم حديثنا عن هذه الحرب -غير المتكافئة في كل شيء- ومن ضمنها ما أشيع في حينه عن "معركة المطار"، فأباح لي بما يأتي:-
((أن معركة ما لم تستغرق سوى ساعات قد وقعت بين القوات الأمريكية التي أحاطت بـ"مطار صدام الدولي" بعد إجتيازها طريق "المسيّب-المحمودية-اليوسفية-الرضوانية"، وحاصرت المطار من ثلاثة إتجاهات، وأشيع عنها الكثير من الأساطير، ومنها أن المطار أغرِقَناه نحن -وفقاً لخطة مسبقة- بالمياه قبل أن نقذفَ فيها كابلات الكهرباء ذات الضغط العالي فقتلنا (5,000) جندي أمريكي من الفرقة/101 المحمولة جواً، أسوةً بالأكاذيب والأساطير التي أطلقها البعض من المؤرخين ورجال الدين طوال تأريخنا، ونصحني بعدم التصديق بهذه المبالغات، لأن كل شيء كان قد إنتهى ربما في اليوم العاشر من الحرب بُعَيدَ العاصفة الترابية الهوجاء التي عمّت "بغداد" وعموم وسط العراق لثلاثة أيام متلاحقات، فإنهارت الدولة العراقية بفقدان القيادة والسيطرة على مؤسساتها وقياداتها العسكرية والسياسية والحزبية، حتى لم يعد يردنا أي توجيه لا من "صدام حسين" ولا من نجله "قصي" ولا من سواهما، إذْ كانوا مضطرين لترك هذا المخبأ إلى آخر وهذا البيت إلى غيره، أي بمعنى أن الرئيس القائد العام للقوات المسلّحة إحتار بذاته وتخليص عائلته ومقرّبيه ولم يعد بإستطاعته تقدير ذلك الموقف العصيب الذي وقع فيه وأوقع البلاد في أتونه من جميع مناحيه وإصدار توجيهاته إلى مرؤوسيه عن طريق ضباط الإرتباط لكون الإتصالات والمهاتفات اللاسكية والسلكية معدومة ولا يستطيع أحد إستخدامها أو تشغيلها)).
-إنتهى حديث العميد الركن رعد-
التناقض في إحتلال المطار من عدمه
أما اليوم وبعد ما يزيد على (14) عاماً على إحتلال "بغداد"، فقد نشر أحدهم تغريدة على لسان وزير الإعلام السابق "محمد سعيد الصحاف" -المقيم في دولة الإمارات- بأن "قناة الجزيرة القَطَرية" في حينه كانت طرفاً في إحباط معنويات الجيش العراقي بزعمها إحتلال "مطار صدام الدولي فيما كان العراقيون يذودون عنه بدمائهم العزيزة....
وكان هذا التناقض الذي حصل يوم (6/نيسان/2003) قد أشغل بالنا ونحن في "الفلوجة" بين مكذّب ومصدّق، حتى خرج علينا مراسل وكالة "رويترز" أو مؤسسة (BBC) وهو واقف مع إنتصاف الليل على مدرج المطار الدولي والكاميرا تدور حواليه وتنقل صوراً حيّة لمنشآت المطار، ناظراً إلى ساعته اليدوية قائلاً عبارة مختصرة باللغة الإنكليزية، ولكنها صاعقة:-
((أيها المشاهدون... الآن الساعة 0003، وترونني واقفاً على مدرج مطار صدام الدولي المتاخم للعاصمة العراقية "بغداد"... ولكم أن تصدّقوني أو تكذّبوني... وأن صباح غد لناظره لقريب... تصبحون على خير)).
475 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع