د. ضرغام الدباغ
ماذا بين الولايات المتحدة وأوربا
للمرة الثانية خلال بضعة شهور نصدر دراسة حول العلاقات الأمريكية / الأوربية ــ الألمانية. ذلك أن الأحداث تجري بسرعة، وتتطور، وإذا كان البريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي) قد ألحق أضرارا بالاتحاد وبالتغيرات السياسية الداخلية في أوربا، إلا أن الحظ قد حمى أوربا في هولندة من فوز اليمين، وهو الأسوء في أوربا، ومرة أخرى في هزيمة منكرة لليمين الأوربي، تنفست أوربا الصعداء.
وللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، الحكومة الألمانية ومن أعلى المستويات(بأستثناء رئيس الجمهورية/ الدبلوماسي العريق المحنك) وأجهزة الإعلام في معظمها، في حملة لا هوادة فيها تهاجم السياسة الأمريكية والرئيس الأمريكي، بطريقة تذكر بإعلام بلدان العالم الثالث. ويشوب الموقف قلق من الآتي، ومن ضربات مفاجئة، رغم أن لم يعد هناك مفاجئات في الحياة بفضل تطور علم الإحصاء. ومع ذلك نقرأ ونسمع ونرى تعليقات وأنباء مدهشة غريبة الوقع على الأذن في أوربا. من تلك هذه الاقتباسات من تصريحات رسمية :
* المستشارة الألمانية (التي تسيطر على أعصابها حتى في الحالات المعقدة):
ـــ دعت ميركل الأوروبيين إلى "أخذ مصيرهم بأيديهم"، ويرى نائبها أن الولايات المتحدة باتت تفقد دورها الريادي للغرب.
ـــ تقول المستشارة ويؤكد وزير خارجيتها زيغمار غابريل: أن على الأوروبيين التحرر من ترامب بدءا من السياسة الخارجية والدفاع، وصولا إلى المناخ والتجارة الخارجية.
ـــ قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل (29 / أيار) إن على الأوروبيين الأخذ بمصيرهم بأيديهم في إشارة لصعوبة الاعتماد على الحليف الأمريكي.
ـــ أبدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل شكوكها في إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة كحليف، مما يجسد الإحباط الأوروبي تجاه ترمب بعد قمم متعاقبة عقدت الأسبوع الماضي. لكنها قالت إنها مؤمنة بأهمية العلاقات عبر الأطلسي.
** وزير الخارجية، نائب المستشارة، رئيس الحزب الاشتراكي سابقاً يقول :
ـــ وأضاف غابرييل : إن السياسة قصيرة النظرة للإدارة الأمريكية تتعارض مع مصالح الاتحاد الأوروبي.
ـــ وأضاف غابرييل قائلا إن الموضوع لا يتعلق فقط بفشل قمة مجموعة السبع "فهذا للأسف مجرد إشارة على التغير في موازين القوى في العالم". وأوضح غابرييل أن الغرب "أصبح أصغر قليلا في الوقت الراهن".
ـــ أن الولايات المتحدة دولة "اضطلعت بدور قيادي في الماضي"
ـــ وأضاف غابرييل أن " قناعتي الثابتة تتمثل في أننا كأوروبيين يجب أن نصبح أقوى، وأن نفعل كل ما في وسعنا، من أجل استعادة الولايات المتحدة يوما ما إلى هذه الفكرة الخاصة بالغرب
ـــ وانضم وزير الخارجية زيغمار غابرييل اليوم لمنتقدي سياسة ترامب وقال في تصريحات لصحيفة "Reinischer Post" الألمانية "من لا يقف في وجه هذه السياسة الأمريكية سيكون مشاركاً في المسؤولية... من يسرّع وتيرة تحول المناخ عبر تقويض حماية البيئة ويبيع المزيد من الأسلحة في مناطق الأزمات ومن لا يريد حل نزاعات دينية سياسياً فإنه يعرض السلام في أوروبا للخطرو أن السياسة قصيرة النظرة للإدارة الأمريكية تتعارض مع مصالح الاتحاد الأوروبي ".
ـــ " إن انتهاج مثل هذا الأسلوب " الترامبي " (يعود هذه الكلمة إلى اسم الرئيس الأمريكي الحالي ترامب) في التعامل معاً يشكل خطورة كبيرة جداً في منطقة هي في الأساس مشحونة بالأزمات.
*** مارتين شولتس زعيم الحزب الاشتراكي والمرشح لمنصب المستشار.
ــ قال مارتن شولتس، منافس ميركل، على منصب المستشارية في انتخابات أيلول المقبلة، في مقابلة مع القناة الأولى بالتلفزيون الألماني (ARD)، إنه " لا ينبغي علينا أن نخضع لمنطق ترامب الخاص بالتسلح". وطالب شولتس بموقف أوروبي أكثر حسما حيال ترامب، وقال "أعتقد أنه كان يتعين خلال قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) وبكل تأكيد خلال قمة السبع، اتخاذ موقف بالغ الوضوح ضد رئيس للولايات المتحدة يريد إخضاع الآخرين ويظهر بأسلوب حاكم مستبد".
**** محلل سياسي : رئيسة تحرير مجلة "السياسة الدولية" الألمانية زيلكه تيمبل.
ــ في الوقت الحالي لا يمكن لأوروبا القيام بهذا الدور، فهم لا يتوفرون على السلاح النووي كعامل ردع كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة. من المؤكد أنه من الأفضل بالنسبة للأوروبيين البقاء إلى جانب واشنطن على ظهر سفينة واحدة، لكن لم يعد هناك ضمانات تؤكد رغبة واشنطن البقاء إلى جانب أوروبا.
ــ لكن هل الأوروبيون مستعدون لمنح ميركل دور "قائدة للعالم الحر"، وما هو الدور الذي قد يلعبه الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلا؟
ــ صحيفة نيويورك تايمز هي التي أطلقت عليها هذا الوصف. وبخصوص فرنسا، نلاحظ أن ميركل والرئيس ماكرون يسعيان معا وبقوة إلى إعادة إحياء المحور الفرنسي- الألماني. وهناك زوايا محددة يجب معالجتها. أولها ملف الأمن، والبحث عن آليات التنسيق فيما يتعلق بالأمن الداخلي والخارجي والتبادل المعلوماتي.
ــ وهي حقيقة بدت واضحة منذ حملته الانتخابية - عاجز عن التصرف كرئيس أو قادر على التأقلم مع مقتضيات منصبه.
ــ الآن ميركل وصلت إلى هذه القناعة، أو على الأقل بدأت تتحدث عنها علنا، بالقول: نحن أمام حليف تقليدي لم يعد بإمكاننا الاعتماد عليه. وبالتالي يجب علينا حلّ المشكل عبر تعزيز مكانة أوروبا وهذا ما سنقوم به من أجلنا وليس من أجل واشنطن.
ــ وهذا يسري أيضا على ملف التسلح، فإذا عززنا قواتنا الدفاعية فنحن نقوم بذلك لأجلنا، وليس لأجل واشنطن. في حين أن قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي يدينون أي اقتراب من ترامب. وعلينا أن نوقف عمليات التسليح لأن الولايات المتحدة تطالبنا بذلك.
ــ وهذا هو الفرق بين حملة ميركل الانتخابية التي تقر أن ترامب مشكلة حقيقية يجب التعامل معها بنضج والقيام بجهود أكبر على المستوى الداخلي، وبين حملة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يقول إن كل من يقترب من ترامب فهو خائن، وهذا موقف مبالغ فيه كثيرا.
ــ دونالد ترامب هو من بدأ بالعداء ضد سياسات ألمانيا. ردة الفعل الألمانية اليوم تتخطى الأحزاب والمنافسة الانتخابية وتقول بصوت واحد: ألمانيا في خطر، أوروبا في خطر.
***** أما الرئيس الأمريكي فقد بدرت منه الكثير نقتبس منها
ــ انتقد الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، في تغريدة على موقع "تويتر" ألمانيا بسبب العجز التجاري الأميركي الكبير مع برلين، معتبراً في الوقت نفسه أن عليها تسديد أموال أكثر لحلف شمال الأطلسي.
ــ وكتب ترمب: " لدينا عجز تجاري هائل مع ألمانيا، وكذلك إنهم يدفعون أقل مما يجب لحلف شمال الأطلسي والنفقات العسكرية. إنه أمر سيئ جدا للولايات المتحدة، وهذا سيتغير"
**********
القارئ لهذه التصريحات وغيرها كثير، والمقابلات التلفازية التي لا تكاد تتوقف، وهي ظاهرة غير مسبوقة على مدى عقود طويلة في هذه البلاد، ولم تنحدر مستوى العلاقات إلى هذه الدرجة، حتى في أزمنة كان يخيل فيها أن العلاقات كانت سيئة، مثل مرحلة المستشار هيلموت شمت (الحزب الاشتراكي)، والقارئ لمذكرات الرئيس كارتر يقرأ صفحات كاملة من شكوى مرة من معارض المستشار شمت للسياسة الأمريكية، ولكن دون أنحدار لمستوى نبادل هذه الكلمات، وكذلك في عهد المستشار غيرهارد شرويدر(الحزب الاشتراكي) عندما ساءت العلاقات مع إدارة بوش بسبب الحرب على العراق التي عارضها شرويدر متفقاً في الرأي مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، ولكن أيضاً دون الانحدار لدرجة ما يحصل.
(الصورة:غلاف مجلة دير شبيغل الألمانية الرصينة جداً)
(لدينا صورة لهيكل من الكارتون أو الفلين يسخر من ترامب وضع على سيارة شحن يتعارض عرضها مع الحياء العام)
نعم هناك شريحة خفيفة في الوسط السياسي الألماني(ليس من حزب محدد) لها لكنة حذرة غير ودية للأمريكان، كما يلاحظ مثل هذه اللكنة في الوسط السياسي الفرنسي، لا سيما الديغوليين، والاشتراكيين.
ماذا يريد دونالد ترامب حقيقة ...؟
لسنا ممن يميل للقول، أن ترامب مجنون وأهوج، وما إلى ذلك من إطلاق لصفات بتنا نلاحظها حتى في الإعلام الرصين، بل نقدر أن هذه المرحلة الأمريكية الترامبية، هي مرحلة أمريكية خالصة، مدروسة بعناية، ولا تحمل أي قدر من الأهواء الترامبية أو الشطحات غير المدروسة بدقة.
الرئيس الأمريكي، ترامب أو غيره، مثقفاً أكاديمياً كان كأوباما، أو متواضع المستوى، وحتى جاهل كبوش الأبن، ففي نهاية المطاف، من يحكم ويتخذ القرارات هي المؤسسة، وللرئيس شرف إعلانها والتعبير عنها، ففي مرحلة معينة فيها الحاجة إلى كلنتون المثقف أو أوباما الأكاديمي، وفي مرحلة أخرى الحاجة فيها إلى رئيس بمواصفات بوش أو ... ترامب.
الرئيس الأمريكي يمثل بالدرجة الأولى مصالح البنوك العملاقة وبيوت المال والشركات العملاقة،( Group-Konzern) التي تتعامل بكتل نقدية هائلة قد تبلغ أكثر من الدخل القومي لدول ذات سيادة. ولا يمثل جمعيات خيرية، ولا أراؤه الشخصية بالمطلق، وهذه مسألة جوهرية لكل من يريد دراسة السياسة الأمريكية، التي تعبر عن مرحلة تمثلها بأختصار مجموعة عوامل داخلية وخارجية.
وفي حين يتبع الاتحاد الأوربي سياسات تقوم على اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يحدد معايير أكثر صرامة من نظيرتها الأمريكية في مجال حماية البيئة والمستهلك ودعم المزارعين والحفاظ على حقوق العمال، ولا يسمح بأتساع الهوة بين الفقراء وأغنياء المجتمع، " أما الولايات المتحدة فلا تعتمد معايير كهذه كونها تتبنى اقتصاد السوق الحر بالمطلق،وبضوابط ضعيفة لدرجة أن بعض الرأسماليين يطلق عليه "الرأسمالية المتوحشة".". وهذه وجهة نظر أوربية غربية...!
ما هي النقاط التي تخلف بها أوربا(المعسكر الأوربي بقيادة ألمانيا وفرنسا)، الخلاف في جوهره يدور عن المال والاقتصاد، ولكنه يتخذ تعبيرات ومفردات :
أولاً ــ الناتو استحقاقاته : يفرض الناتو(والذي تمثل أمريكا قاعدته القوية) في اجتماعاته نسبة معينة من الدخل القومي لكل دولة تنفقها على الدفاع،(2,5%)، الولايات المتحدة تنفق أكثر من ذلك (3% على الأقل)، لبقاء جيشها بمستوى التحديات في جميع أرجاء العالم، القادر على التدخل في أي لحظة، في أي نقطة في العالم، فيما تستفيد دول أخرى في الناتو من قوة الناتو والغرب عموماً، ولكن لا تدفع مستحقاتها، بل تدفع أقل من ذلك بكثير(1 ـ 1,5%) وهنا 1 % أو 1,5% يمثل مبلغاً كبيراً لدول يبلغ دخلها القومي أكثر من ترليون دولار(كألمانيا 3,730، وفرنسا2.806، وإيطاليا2,150، وهولندة أقل من ترليون بقليل ــ احصاءات 2016)، وهذا الحال يتواصل منذ سنين، وبالتالي فهذه الدول (مدينة للناتو) الذي يتحمل أعباؤه الولايات المتحدة. وهذا ما تجده الولايات المتحدة ظلماً، وليس لدى الأوربيين حجة مقنعة حيال الأمريكيين، فهم يخشون التمدد الروسي في شرق أوربا، بل أن هناك كيانات تخشى على وجودها، ويرغبون بالتدخل هنا وهناك وفي النهاية هي مصالح غربية، ويعولون على الأمريكان، يحصدون نتائج قوة الغرب، ولكن لا يريدون تحمل نفقاته، وهذا ما يقوله لهم الرئيس ترامب، بعبارات غير مألوفة في السابق، وإن لم تكن جديدة، الأوربي، البريطاني والفرنسي والألماني يسرق بلطف وأدب وأناقة (ليس دائماً)، الأمريكي عملي يقولها بصراحة ولا ضرورة للأدب في السرقة والنهب : (Your Mony or your life)، بل ويسنون قوانيناً ينهبون فيه الأمم، وهكذا يقولها الرئيس ترامب (بصراحة) (no more ... Enough ) يجدها البعض (وقاحة) مع العلم أن الأمر يدور هكذا منذ أكثر من قرن، منذ عهد الاستعمار.
في كل لقاء بين الأوربيين والأمريكان حتى في عهد الأنيق المثقف أوباما يعد الأوربيين بإيفاء مستحقاتهم، ولكنهم لا يفعلون ما يعدون، وحتى في عهد أوباما قال الأمريكان بصراحة للأوربيين، عليكم بحل مشكلاتكم، ونحن نراقب من بعيد (Drive from behind) ، ومع ذلك لم يف الأوربيون بما عليهم، وأدرك الأمريكان ضرورة مرحلة توضع فيها النقاط على الحروف، ومن يمثلها أفضل من الدبابة ترامب ..! الذي يقولها (بصراحة) بصوت مرتفع ملتاع " أن خمس دول فقد تدفع ما عليها ومع ذلك تريدون أن يبقى الناتو مهماً " (عدد دول الناتو 29 دولة ..!).
وزير الدفاع الأمريكي كان أكثر صراحة، إذ قال أمام مؤتمر الأمن العالمي في ميونيخ شباط / 2017 " إلى أعضاء الحلف مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، والتي تتعلق بعدم دفعهم حصتهم من الميزانية المالية، مهدداً بأن تترك أميركا حلفاءها لمصيرهم إذا ما تعرضوا للغزو الروسي ".
المعطيات متشائمة، ويبدو أن الأوربيين في طريقهم لوضع خارطة طريق "أمن أوربا" ولكن المشروع بحاجة لغطاء نووي، ولا توجد سوى فرنسا، وهذا بدوره سيكلف الكثير، وفرنسا ليست في وارد أن تنفق المليارات لحماية أوربا ... وربما ليس جميع الدول الأوربية ترضى أن تكون فرنسا هي "الحامية" ..الأمر ينطوي على إشكاليات متشعبة وعميقة بل وحتى حساسيات.
ثانياً ــ الاتفاقيات التجارية : فقرة أساسية تطرحها الحكومة الأمريكية، وهي تعديل الميزان التجاري الذي يميل بدرجة خطيرة لصالح ألمانيا تحديداً. وبحسب احصاءات فإن ألمانيا تصدر إلى أميركا ضعف ما تستورده منها. فقد صدرت ألمانيا ما قيمته 107 مليار دولار إلى الولايات المتحدة، وتشكل السوق الأمريكية 10% من إنتاج الشركات الألمانية وفي المقدمة منها صناعة السيارات. وإذا تحقق ما يطلقه الرئيس ترامب من وعيد، فإن 1.6 مليون فرصة عمل ستضيع وهذه لوحدها كارثة لا حل لها. وترامب يعرف كيف يمسك الأوربيين من العصب الذي يوجعهم ..!
والإشكالية الاقتصادية بين أوربا وأميركا ليست جديدة، بل هي متراكمة، وأوربا كانت تنوء تحت ثقل طغيان الاقتصاد الأمريكي على أوربا، وفي الزيارة الأخيرة لأوباما إلى أوربا 2016 أستدعى الرئيسان الفرنسي والإيطالي إلى ألمانيا، وكرر عليهم الرؤية الامريكية للعلاقات، إلا أن أوباما كان يخص ألمانيا بمعاملة خاصة، فهو يعلم أن الاقتصاد الألماني هو قاطرة أوربا، وألمانيا هي البوابة التي يدخل منها إلى أوربا، ولكن بعد البريكست(خروج بريطانيا من الأتحاد الأوربي) تغيرت موازين أوربا بدرجة ما، وجد فيها الأمريكان أن خسائرهم بالميزان الجاري تفوق مكاسب علاقتهم الخاصة بأمريكا، ومن المؤكد أن هذا الأمر تحديداً خضع لدراسات ومناقشات طويلة.
وقد يتسبب دونالد ترامب فعلاً في حرب تجارية دولية بين الأقطاب الصناعية، نتيجة سياسته في التجارة الخارجية ومؤشرات إلى الانغلاق عن الاقتصاد العالمي، ما يتخوف منه العديد من الاقتصاديين رغم أنه لم يحدث ما يؤكد ذلك. وما يخشاه الأوربيون أيضاً، أن تستغل الصين وروسيا، وربما قوى اقتصادية أخرى واعدة، هذا الأنفلات وتحرز مواقعاً مهمة في التجارة العالمية.
ثالثاُ ــ اتفاقية المناخ : الإساءة للمناخ مارسها الجميع، فجروا ألاف القنابل الذرية غي الأرض والبحار، وفعلوا كل شيئ، لكن الأمر الآن أصبح جدياًـ وخطراً، وهناك تقديرات بأرتفاع سطح البحر، بحيث تطغي المياه على أراضي كثير من الدول وتغمر مساحات كبيرة، وربما تختفي مدن كاملة، ومنذ أكثر من ثلاثين عاماً يتحدثون عن البيئة النظيفة، ولكن لا أحد يلتزم تماماً، ربما هناك بعض الألتزام، ولكن بدرجة غير كافية، لذلك التدهور متواصل دون توقف، ربما بوتائر أبطأ.
منذ قمة المناخ في البرازيل (1992) وأتفاقية كيوتو قي (1995) التي فرضت تقليصاً بسيطاً على الدول الصناعية : أوربا 8%، والولايات المتحدة 7%، ومع ذلك فالألتزام ضعيف جداً، ولا سيما الصين والولايات المتحدة، والسبب دائماً اقتصادي بالطبع ، فالتحول إلى الطاقة الدائمة (الشمسية والرياح) مكلف أقتصادياً، وسيعني في المراحل الأولى تراجع في الانتاج. وقد مثل الأنسحاب الأمريكي العلني من أتفاقيات باريس (2017) والتزاماته، حجة مضافة للأوربيين. الأمريكان ينظرون إلى خارطة العمل السياسي والاقتصادي والعسكري بشكل شمولي.
رابعاً ــ عدم ثقة متبادل : تخلق هذه المفردات حالة من عدم الثقة، وفي الواقع أن الثقة لم تكن يوماً موجودة بصفة مطلقة، والعلاقات الفرنسية / الألمانية تعيش ربيع مزدهر منذ أن وقعت المانيا وفرنسا أتفاقيات للعمل الاستراتيجي، وطي صفحة الماضي، وخلق كتلة أوربية قوية بوسعها أن تواجه التحديات العديدة، ومع ذلك، عارض الرئيس الفرنسي ميتران الوحدة الألمانية 1990 بشدة غريبة، أما مارغريت تاتشر، فقد ناضلت بعناد ضد الوحدة، ولولا ريغان وموقفه المؤيد للوحدة، لربما كانت الأمور في مسار آخر.
إذن الثقة ليست أمراً نهائياً، وقبل بضعة أعوام كادت الشراكة بين ألمانيا وفرنسا أن تفض بسبب الحصص في الشركة الصانعة للطائرات أيرباص.
الأوربيون يعرفون لغة واحدة فقط، هي المصالح، ولطالما تقاتلوا بيتهم في حروب طاحنة، فالأمر اليوم لا يدور عن كراهية أو حب مفقود، المصالح فقط هي اللغة الدائمة .
1774 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع