تحيرني الجثث المجهولة الهوية. إن سقطت في بيروت. او بغداد. او مقديشو. او دمشق. إنها جثث مزعجة لرجال الشرطة. ووزير الداخلية. وفرع الحزب.
وعمال التنظيفات. لا يمكن تركها في الشارع لتتحلل. ستشكل خطراً على الصحة العامة. ومن قتلها لا يقبل بتهديد صحة المواطن او صحة الوطن. ولا وقت لدى الاجهزة المعنية للغرق في إجراء الفحوص اللازمة لاستكشاف هوية صاحب الجثة. ولا يمكن تبديد قدرات الموازنة، وهي اموال الشعب، على فحوص مخبرية. فعدد الجثث كبير ومرشح للارتفاع ولا يستبعد ابداً أن يصل الى ما يوازي سكان عاصمة او دولة صغيرة. يمكن استغلال مثل هذا الوقت لجهود وأد الفتنة. او جبه المؤامرة. طبعاً مع إنجاب مزيد من الجثث. والحقيقة ان المشكلة ليست في الجثث بل في الشاشات. تصر على انتهاك خصوصياتهم. تمرّر صورهم وتكرر. الإعلام المغرض لا يحترم خصوصيات الاوطان ولا المواطنين.
انطلاقاً من احتضانها جميع مواطنيها، تتصرف السلطات بمسؤولية وحنان. لا وقت لديها لانتظار ان تحضر الثكلى او اليتيم لأخذ الجثة. الوقت من ذهب. والظرف استثنائي فعلاً. لذا يتم استقدام شاحنة وحشر الجثث فيها. بعدها قد تعطى أرقاماً وقد لا تعطى ثم تُوارى في تراب الوطن. ليست مهمة العربي ان يحيا. مهمته ان يستعجل النوم في تراب الوطن. ثم إن للجثث المجهولة الهوية حسنات. تُدفن على حساب الدولة الحانية. وهكذا تُعفى العائلات من تكاليف العزاء ونواح الأقارب.
يسارع مذيعو الإعلام المغرض الى وصف اصحاب الجثث بالأبرياء. لماذا هذا التسرع قبل ظهور نتائج التحقيقات؟ ثم من يضمن أن صاحب الجثة لم يكن يحمل نيات خبيثة أو افكاراً هدّامة. ومن اين يأتي المذيعون برواية ان هؤلاء كانوا في طريقهم الى الفرن او الصيدلية؟ يسارعون ايضاً الى التنديد بمن قتلهم وقبل ظهور نتائج التحقيقات. يحملون بحدة غير مبررة على القناص. والقناص واحد من افراد هذا الشعب. هالته المؤامرة فقرر أن يكافحها. إنه مواطن صالح ومنضبط وعقائدي. إذا كُلف مهمة انجزها وبرع. اين هو الإعلام الموضوعي؟ ولماذا لا يسأل: لماذا انتهك اصحاب الجثث منطقة نفوذ القناص؟ لماذا حاولوا امتحان شجاعته ووطنيته؟ لماذا حاولوا إحراجه أمام رؤسائه؟ وهل كان من الافضل أن يتركهم يمرون ويرجع خالي الوفاض ويتعرض لوشاية من رفيقه، ما يرشحه شخصياً لرصاص قناص؟. كان يقوم بواجبه. وغداً حين يخيّم السلام سيحصل على ترقية ووسام، خصوصاً إذا كانت الارقام التي سجلها قياسية.
التحقيقات الرسمية لن تتأخر في الصدور. تحقيقات مستقلة وبإشراف قضاة عتاة. ستظهر التحقيقات أن اصحاب الجثث المجهولة الهوية خططوا لارتكاب جرائم مروعة. وأنهم كانوا يخفون في اوردة رؤوسهم صوراً لمنشآت استراتيجية. وأنهم كانوا يخططون لاغتيالات وتفجيرات ومجازر جماعية. وأن احدهم كان عميلاً للـ «سي. آي. اي». وأن الآخر كان ضابطاً في «الموساد».
القضاء المستقل لا يمزح ولا يتهاون. سيضع بالتأكيد يده على القضية. وقد تقرر المحكمة استدعاء اصحاب الجثث. عندها سيسارع الامن الى استدعائهم الى مقره. لقاء عادي هدفه تحضيرهم للدفاع عن انفسهم. جلسات تعذيب لا تغيب عنها الكهرباء المقطوعة في معظم أرجاء المدينة. وقد يعيّن لهم محامٍ من الجهاز نفسه يسعفهم في الاعتراف بجرائمهم. وقد تواجههم المحكمة بصور للأفكار الشريرة التي كانت تراودهم لحظة وصولهم الى مرمى القناص. ومن الطبيعي ان ينهاروا ويعترفوا بكل شيء. بأسماء من ضللهم. والمبالغ السخية التي حصلوا عليها لتنفيذ المؤامرة المُحكمة. وقد يبادر هؤلاء في نهاية المحاكمة الى شكر القناص لأنه اختصر حياتهم قبل تنفيذ ما كلفوا به ضد وطنهم الغالي ونظامهم المفدّى. ومن يدري، فقد تقرر المحكمة إعدامهم ويُنفذ الحكم فوراً وميدانياً ثم يعاد ما تبقى منهم الى مقبرة المجهولين. بانت براءة القناص واتضحت جريمة صاحب الجثة.
725 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع