كاظم حبيب
حصيلة الانتصار العسكري بالموصل
حين يعلن العراقيون والعراقيات فرحتهم بالانتصار العسكري بالموصل وطرد الغزاة المجرمين القتلة، دواعش العراق والعالم الإسلامي، من شذاذ الآفاق، من مدينة استمر احتلالها ثلاث سنوات بالتمام والكمال وبعد أن ظل الغزاة يعيثون بالمدنية وبقية مدن وارياف وحضارة محافظة نينوى فساداً وقتلاً وتشريداً وسبياً واغتصاباً مريعاً وبيعاً للنساء والأطفال في سوق النخاسة وتخريباً في كل مكان. فلهم الحق في إعلان الفرحة، باعتباره نصراً وطنياً، نصراً لكل الشعب، للعراق كله. وقد حيا الحزب الشيوعي العراقي هذه المناسبة، كما حيت قوى سياسية أخرى ومنظمات حقوق إنسان ومجتمع مدني هذه الانتصارات العسكرية، ومنهم المنتدى العراقي لحقوق الإنسان، كما حييت ذلك بأكثر من مقال حين كانت القوات المسلحة على وشك تحقيق النصر العسكري. والآن أحيي الشعب والقوات المسلحة وأهنئها على هذا النصر العسكري.
ولكن، والشعب في احتفالات النصر العسكري، وفي خضم المعاناة المديدة التي مرّ بها وما يزال يعاني منها الأمرين، لاسيما النازحون والمهجرون ومن فقد عزيزاً أو عزيزة له أو فقد جميع افراد عائلته، ومن هدم داره ومن فقد كل ما يملك، هذه المعاناة المتشابكة مع فرحة الانتصار العسكري، يتساءل جميع العقلاء من الناس، وفي مقدمتهم أصحاب الرأي السديد والحكمة والتحليل العلمي والتجربة، بوعي ومسؤولية وحرص شديد على كل أهل العراق: من هم المسؤولون ومن كان السبب وراء حصول هذه الكوارث والمآسي أولاً، ومن سلّم الموصل إلى الداعشيين القتلة بقرار من مسؤول أعلى سلطة تنفيذية، وماذا فعلت السلطات الثلاث، وعلى رأسها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس مجلس النواب، لمحاسبة هؤلاء المسؤولين عن كل هذه الكوارث؟ ثم التساؤل يتواصل عن حصيلة المعارك والحصاد الفعلي من الشهداء والمعوقين والجرحى والمشردين ... والخراب والدمار لهذا الانتصار العسكري ثانياً، وعن العواقب المحتملة لفترة ما بعد طرد داعش من الموصل، علماً بأن داعش ما زال موجوداً بالعراق (تلعفر، الحويجة وغيرهما) حتى الآن ثالثاً، وعن استمرار وجود فكر الدواعش لا في صفوف جمهرة من أهل السنة، بل وما يماثله في صفوف وممارسات جمهرة من الشيعة، ونماذج منها شاخصة للعيان، وتصريحاتهم تنذر بأبشع العواقب رابعاً، وكيف ستعالج أوضاع أهل الموصل وسنجار وتلسقف وبطناية بعد الانتصار العسكري خامساً؟
نعم سحقت فصائل من القتلة والمجرمين بالموصل، وأسر من أمكن أسره، وهرب من استطاع الهرب واختفى من استطاع الاختفاء إلى حين، بعد أن أصبح الآن جزءاً من خلية نائمة، ولكن فكر وممارسات هؤلاء الأوباش ما تزال فاعلة بالعراق وستبقى لفترة غير قصيرة. وبالصراحة الضرورية نقول بأن الشعب يتحمل مسؤولية مواجهة كل الاحتمالات والمفاجآت، إذ بدأت بعض النذر الصارخة التي لا تبشر بالخير، ومنها: اعتبار النصر شيعياً وليس وطنياً، ثم الاحتفال بضابط واحد من ميسان وكأن النصر لشخص وعشيرة ومدينة واحدة، وليس عراقياً وليس مئات الآلاف من الجنود وضباط الصف والضباط والمتطوعين الذين صنعوا بدمائهم الزكية هذا النصر، ثم الوقائع التي نشرتها منظمة العفو الدولية وجهات حقوقية أخرى لما يحصل من انتهاكات فظة بالموصل في خضم فرحة الانتصار العسكري وتحرير الموصل، إضافة إلى امتناع الكثير من أبناء الموصل ومناطق أخرى من محافظة نينوى من العودة خشية حصول عمليات انتقام وقتل بدعوى الثأر من أحفاد قتلة الحسين أو غير ذلك من الخزعبلات!!!
فرحة النصر العسكري يجب ألّا تنسينا أولئك الذين يرتدون لباس الثعالب الماكرة، الذين راحوا اليوم يدلون بتصريحات وكأنهم لم يكونوا السبب وراء مآسي العراقي منذ العام 2005 حتى الآن!
إن قادة في حزب الدعوة وحزب المجلس الإسلامي الأعلى، وهم يقودون السلطة التنفيذية، وهم ينفذون قرارات قاسم سليماني بالعراق، هذه القرارات التي لا تعبر عن مصالح الشعب العراقي، بل تجسد مصالح الدولة القومية الفارسية التي لها أطماعها بالعراق، قد أثمرت عن:
** تدمير محافظات غرب العراق وشماله، ولاسيما الموصل الحدباء وسنجار وتلعفر وبرطلة وبطناية وتلكيف وتلسقف .. وعشرات المدن الأخرى، إضافة إلى دمار الفلوجة وعموم الأنبار وصلاح الدين ومناطق من ديالى ..الخ.
** تشتيت سكان هذه المناطق وتعريضهم للقتل والتشريد والنزوح والهجرة بهدف تركيعهم وإخضاعهم لقرارات الأحزاب الإسلامية الشيعية المتطرفة وتلك المشبعة بروح الثأر والانتقام، وكأن هؤلاء البشر هم من قتل الحسين وصحبه!! إنها محاولة لكسر شوكة أتباع الديانات والمذاهب، ولاسيما أهل السنة، للفئة البغية الحاكمة، وهو أمر لا يجوز الابتعاد عن تشخيصه، لأنه يستهدف تدمير ما تبقى من لحمة الشعب!!
** من سيعود إلى مناطق سكناه السابقة سوف لن يزيد عن 30-50 % من مجموع سكانها، وهو أمر بالغ الضرر بالعراق وقواه العاملة والمنتجة ولاسيما الشباب منهم.
** إن المليشيات الشيعية المسلحة تمارس أدوراً مختلفة وترتبط بمصالح مع قوى مختلفة، منها من يرتبط بإيران، وهي التي تشكل القسم الأكبر من المليشيات المسلحة بالعراق، ومنها من يرتبط بقوى داخلية ذات مصالح سياسية واقتصادية خاصة بها، ولكنها لا تبتعد عن دول الجوار، ومنها عصابات قتل ونهب وسلب وفوضى، ولكن كلها تمارس الإرهاب وتجلب أشد الأضرار للوطن والشعب، وهي لا تخدم العراق بأي حال بل يحركها الجشع والانتقام والهيمنة على السلطة، وهي التي تشكل الجزء الأكبر من قوى "الحشد الشعبي"، في حين إن هذا الحشد يضم في صفوفه أيضاً عراقيون نجباء تطوعوا بناءً على دعوة الجهاد الكفائي للسيد علي السيستاني. وحتى اليوم لم يتحدث السيد السيستاني ولا من ينطق باسمه عن "حشد شعبي"، بل يتحدثون عن متطوعين، وهو أمر بالغ الدلالة.
** ولكن هذه القوى التي يجري الحديث عن كونها خاضعة للقائد العام للقوات المسلحة، والتي هي بالأساس في أغلبها ميليشيات مسلحة، تعود لقوى وأحزاب سياسية عراقية الاسم إيرانية الانتماء، وهي التي تطالب اليوم بالسلطة السياسية، كما شكل قادة تلك المليشيات أحزاباً سياسية أجيزت فعلاً!! ويؤكد هؤلاء القادة في بعض أحاديثهم عن انتصار أصحاب الحسين على أصحاب يزيد، والمقصود هنا ليس داعش، بل أهل السنة، قيس الخزعلي النموذج الأسوأ مع صاحبه نوري المالكي لهؤلاء البغاة!!
** وقد بدأت جماعات مختلفة تمارس عمليات الاغتيال والاعتقال والتعذيب في عدد من محافظات العراق والتي أشار إليها بوضوح بيان المنتدى العراقي لحقوق الإنسان، ومنها الاغتيالات بكربلاء والنجف وبغداد والاعتقالات في ميسان وبغداد، إنه الانفلات الأمني الذي تسعى إليه هذه القوى لتطيح برئيس وزرائها وتنصب غيره مكانه، لأنها إن دوره قد انتهى ليعود المالكي أو من يماثله ليخدم مصالح إيران مباشرة.
إن العراق بحاجة إلى تغيير جذري في السلطات الثلاث، إلى إبعاد كل الفاسدين الذين نهبوا البلاد وسبوا الشعب، وكل الذين ساندوا الإرهاب بمختلف السبل، إلى تغيير المفوضية العليا للانتخابات وقانون الانتخابات وفرض الرقابة الدولية على الانتخابات ...الخ، ليستطيع الشعب معالجة عواقب ما تسببت به قوى الإسلام السياسي الحاكمة بالعراق.
النصر العسكري يستوجب نصراً على الفكر الطائفي والفكر التكفيري والفكر الشوفيني والفكر الذي يميز بين أبناء الشعب على أساس القومية والدين والمذهب والجنس، النصر العسكري يستوجب استكماله بإزاحة ومحاسبة من تسبب بما حصل بالعراق خلال السنوات المنصرمة منذ الاحتلال الأمريكي وإقامة نظام المحاصصة الطائفية العدواني والتدميري. ِ
542 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع