هل هو نظام عالمي جديد؟

                                                  

                        د. منار الشوربجي

هل هو نظام عالمي جديد؟

التقارب الروسي الصينى لا يعني بالضرورة أننا صرنا إزاء عالم ثنائي القطبية ولا حتى ثلاثي القطبية، وإنما الأرجح أننا بصدد تحولات دولية قد ينتج عنها بروز تجمعات إقليمية كبرى تعزز مكانتها من دون أن تطمح دولها منفردة لما هو أبعد من النفوذ في إقليمها.

المتابع لمجريات الأمور على الساحة الدولية يلحظ بروز تحالفات إقليمية جديدة تسعى إلى موازنة الدور الأمريكي، أو على استعداد للحركة مع الولايات المتحدة أو من دونها إذا لزم الأمر.

كان لافتاً في الآونة الأخيرة ذلك التقارب الواضح بين روسيا والصين والذي كشف عن نفسه في صور مختلفة كان آخرها البيان المشترك بخصوص تجربة الصاروخ البالستي التي أجرتها كوريا الشمالية، وقد توثقت العلاقات الروسية الصينية في الفترة الأخيرة على نحو وصفته وكالة الأنباء الصينية بأنه دخل بتلك العلاقات اليوم «لأفضل مراحلها على مر التاريخ».

على سبيل المثال، وقعت الدولتان العام الجاري اتفاقاً يقضي بتدفق الاستثمارات الصينية إلى روسيا بمقدار 11 مليار دولار، بهدف مساعدة الاقتصاد الروسي المتعثر.

أما روسيا فقد عززت من تبادلها التجاري مع كوريا الشمالية، مما يدعم موقف الصين، وروسيا والصين ذكرتا في بيان مشترك لهما أنهما تسعيان إلى أن تكونا معاً حجر الزاوية في تعزيز السلام العالمي.

وحين قامت كوريا الشمالية بإجراء تجربتها الأخيرة للصاروخ البالستي، الذي يقول بعض الخبراء إن بإمكانه أن يصل لولاية ألاسكا الأميركية، عقد الرئيسان الروسي والصيني لقاء موسعاً تناول قضايا مختلفة كان على رأسها الموقف في شبه الجزيرة الكورية، وهو اللقاء الذي أعقبه بيان مشترك أصدرته وزارتا الخارجية بالبلدين يعلن دعمهما لخطة «صينية لوقف التصعيد المتبادل» بين كوريا الشمالية من ناحية وكل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.

بمقتضى تلك الخطة، تطالب روسيا والصين كوريا الشمالية بوقف تجارب صواريخها البالستية، بالتزامن مع تعليق كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تدريباتهما الصاروخية.

مثل تلك الصيغة تغير بالتأكيد من توازن القوى وآليات التفاعل الدولية بشأن كوريا الشمالية، فهو يسعى للحد من النفوذ الأميركي في الإقليم، وهو ما كان واضحاً من إشارة البيان نفسه إلى أن الولايات المتحدة تستخدم الأزمة الكورية كمبرر للتوسع في بنيتها التحتية العسكرية في منطقة آسيا بما يهدد توازن القوى في الإقليم، وأضاف أن نشر ذلك نظام الدفاع الصاروخي يضر بشكل خطير بمصالح الأمن الاستراتيجي لدول المنطقة بما فيها روسيا والصين.

يأتي التقارب بين البلدين في ظل توتر علاقة كل منهما بالولايات المتحدة، فالعلاقات الروسية الأميركية وصفها الطرفان بأنها أقرب لمستوى الصفر، في ظل تحقيقات جارية داخل الولايات المتحدة بخصوص اتهامات لروسيا بالتدخل في الانتخابات الأميركية، فضلاً عن العقوبات المفروضة أصلاً على روسيا بعد ضمها لجزيرة القرم من ناحية والتوتر الحادث بينهما بشأن سوريا من الناحية الأخرى.

ليس واضحاً ما إذا كان لقاء الرئيسين على هامش قمة العشرين سيحدث تحولاً حقيقياً في أي من ذلك.

أما الصين، فرغم اللقاء الودي بين رئيسي البلدين بعد تولي ترامب إلا أن التوتر صار هو عنوان العلاقات في الشهرين الأخيرين، ومنذ أسبوع، تحركت سفن وطائرات حربية صينية لتحذر الولايات المتحدة، حين أبحرت إحدى سفنها الحربية على مسافة أقل من 12 ميلاً بحرياً من جزيرة صناعية أنشأتها الصين في بحر الصين الجنوبي.

والقانون الدولي يحدد المياه الإقليمية للدول بحد أقصى 12 ميلاً بحرياً، الأمر الذي جعل الصين تعتبر الواقعة عدواناً على سيادتها، وتلك ليست الواقعة الأولى منذ تولي ترامب، إذ سبقتها واقعة مماثلة في مايو الماضي.

أكثر من ذلك، وفي اليوم نفسه الذي انطلقت فيه قمة العشرين، التي يفترض أن يلتقي فيها ترامب بالرئيس الصيني ليدعوه للضغط على كوريا الشمالية، طارت مقاتلتان أميركيتان فوق بحر الصين الجنوبي.

وفى المرات الثلاث كان الرد الصيني يعتبر تلك التحركات العسكرية الأميركية استفزازية وتهدد سيادة الصين وأمنها.

من شأن ذلك التحالف الصيني الروسي أن يحد بدرجة كبيرة من الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة ليس فقط بخصوص كوريا الشمالية وغيرها، وهو ما كان واضحاً في رفض كل من روسيا والصين فرض أية عقوبات جديدة من مجلس الأمن على كوريا الشمالية ورفض اللجوء للخيار العسكري.

إذا كان التقارب الروسي الصيني يسعى إلى موازنة الدور الأميركي، فإن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى مواجهة تراجع أميركا في ملفات دولية مهمة، فعشية قمة العشرين، تم الإعلان عن اتفاق للتجارة الحرة بين اليابان والاتحاد الأوروبي ينص من داخله على احترام اتفاق باريس للمناخ، وهو ما بدا أنه خطوة واحدة ترد على قرارين لترامب، أي إعلان انسحاب بلاده من اتفاق باريس ورفضه اتفاق التجارة الحرة الباسفيكي الذي كان قد وقعه أوباما.

باختصار قرر حلفاء أميركا التحرك في مسارهم المتفق عليه، مع الولايات المتحدة أو من دونها، بينما سوف يستفيد خصوم أميركا من الفراغ الذي ينتج عن تراجعها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

610 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع