د.ضرغام الدباغ
لوحة فنان تختصر جوهر المشهد
نشر صديق لي وهو قائد في العمل الفلسطيني نبيل رشيد، أبو ياسر (رئيس جمعية حقوق الإنسان الفلسطينية)، نشر لوحة، جميلة كعمل فني هادف، ولكن الروعة فيها أكثر وأكثر، تمثلت بالمضامين الثورية التقدمية في اللوحة، وبتقديري هذه تستحق لوحدها أن نكتب عنها، ولتكن مادة للتثقيف الجماهيري، يشكر الصديق أبو ياسر عليها جزيل الشكر.
كنت على وشك إنهاء دراستي العليا(الدكتوراه) في جامعة لايبزغ، وذات مرة سألني أستاذي، هل إسرائيل دولة عنصرية ..؟ فأجبته فوراً ومن دون تفكير أو تردد ... طبعاً .. طبعاً إسرائيل دولة عنصرية .. وهناك قرار في الأمم المتحدة يدين الصهيونية العنصرية، وعشرات القرارات العالمية التي استخفت بها رئيسة وزراء العدو ذات يوم قائلة بالحرف الواحد :" إن قرارات الأمم المتحدة ليست دبابة تطلق علينا النار ".
لكن أستاذي لم يكن راضياً عن إجابتي قائلاً ، أنه يعرف بالطبع إنني معاد لإسرائيل لكوني عربي، ولكنه يريد أن نثبت بصفة علمية وقانونية ما يثبت عنصرية إسرائيل، وأشار لي إلى بعض المصادر للوصول إلى هذه الحقائق، ومنها :
ـــ في تحليل للاتجاهات الأساسية لإسرائيل، من المطلوب التعرف على الجوانب القانونية والنظرية الآيديولوجية التي تتحكم بالفعاليات السياسية والاقتصادية والعسكرية لهذا الكيان. إن الأفكار والنظريات الصهيونية السائدة في هذا الكيان، والذي تتحكم في فعالياته الخلفية للنظريات والأخلاقيات التي تتأسس عليها الدولة. وتسعى إسرائيل إلى تحقيق الأهداف النظرية للصهيونية.
ــ إن إسرائيل هي واحدة من الدول النادرة التي ليس لها دستور، وهذا يمنح الدولة الامكانية للقيام بأعمال غير ديمقراطية وكذلك عدم تحديد مساحة الدولةـ أو بالأحرى الخارطة السياسية. و " إسرائيل من الدول القليلة التي تطرح حدوداً جديدة تطالب بها. وهي في سياستها الخارجية تذهب إلى : أن على الدولة أن تناضل حتماً من أجل حدود تتناسب مع متطلباتها. والحرب والتفوق العسكري هي من الأساليب لذلك ليس هناك اعتبار لحقوق الشعوب الأخرى، والحرب والتصعيد هي ضمانة وحماية للحدود ". (1)
ـــ إن القوام العنصري الصهيوني لدولة إسرائيل ينعكس في سياستها الخارجية وفي تعاونها وتنسيقها مع الإمبريالية العالمية حيث تحولت إلى أداة مهمة في استراتيجيتها حيال الشرق الأوسط وفي سياستها الداخلية، فقد عرفت هذه الدولة وطبعت طابعها من حيث أنها خلقت مجتمعاً عنصرياً وجدت انعكاساتها في قوانين الدولة. وتلك هي بعضها:
ـــ الرفض المتعمد لتشريع دستور، هو تعمد تجاهل حقوق قوميات وأديان أخرى.
ــ وفي إسرائيل هناك 159 قانون ساري المفعول تمنح الطابع العنصري لهذه الدول ضد المسلمين والمسيحيين العرب. (2)
ـــ وتحرم القوانبن العنصرية، على غير اليهود، الكثير من الفعاليات والحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومن ذلك الزواج المختلط. وتمنحهم (حق) الاستيلاء على الأراضي بقوة (سلطة) الاحتلال، بل وإقامة المستوطنات على أراض مستولى عليها.
ـــ وكمثال على ذلك، أن إسرائيل وفي غضون 25 سنة الماضية، استولت على أكثر من 80% من أراض تعود للعرب وطردت مئات الألوف منهم خارج أرضهم وبلادهم، علماً أن هذه الدراسة والإحصاءات قديمة (في الثمانينات). (3)
ـــ تقوم الأسس الآيديولوجية للدولة على أسس عنصرية وطائفية، وهي تثبت مع مرور الزمن أنها دولة دينية ثيوقراطية. ففي 5/ تموز/ 1950، وفي 1/4/1952 شرعت إسرائيل قوانين لكافة اليهود في العالم وفيها تجيز ازدواج الجنسية، وتعد أي يهودي أينما كان هو إسرائيلي وإن لم يطالب ويحرز الجنسية الإسرائيلية ولا يقيم في إسرائيل. (4)
ـــ وتدل الحقائق التاريخية على أن الدولة المدعمة بقوة من الإمبريالية العالمية لم تتوصل إلى نظام سياسي واجتماعي فحسب، والتي هي صورة مصغرة من الدول الإمبريالية الكبرى، بل أداه استراتيجية مهمة لها منذ تأسيسها وحتى الآن.
ــ " والصهيونية هي تيار بورجوازي رجعي / يهودي، معادية في جوهرها للاشتراكية، متطرفة واستعمارية. وهذا التيار يدعم الدين ويخدم الإمبريالية والرأسمالية العالمية " لذلك " فإن الفعاليات الصهيونية هي جزء ثابت من الاستراتيجية الإمبريالية الشاملة، وتحقيق الخطط الصهيونية ممكنة فقط من خلال الاستراتيجية الإمبريالية " . (5)
ــ وفي عصرنا الراهن، فإن واحدة من المعايير في حركات التحرر الوطني في موقفها إزاء الإمبريالية وفي النضال ضدها كجزء من العملية الثورية الكبرى التي تهدف إلى تصفية الإمبريالية، فإن إسرائيل، وهذا جزء من طبيعتها، أداة مهمة في أيدي الإمبريالية لا سيما الولايات المتحدة لإضعاف الحركة الثورية العالمية وبصفة خاصة في الوطن العربي.
ــ وقد أنتجت إمبريالية الولايات المتحدة الأيدولوجيات الرجعية وتدعم موقف الرجعية والأكريليكية (Klerikalism) والشوفينية المتطرفة، وفي هذا المجال تلعب الصهيونية الدور الرئيس " إذ تنكر الآراء الاشتراكية العلمية وتقف من الاشتراكية والتحولات الاشتراكية والتقدمية على الدوام موقفاً معادياً " . (6)
ــ وقد كتب لينين عن هذه الأهداف العدوانية للشوفينية المتطرفة والقوى الدينية قائلاً : " في السياسة الخارجية، تجهد نفسها وتتسابق لكي تتفاهم مع حكومة إمبريالية من أجل تحقيق أهدافها النهائية " . (7)
ـــ وقد انعكس ذلك في تأسيس دولة إسرائيل من أجل خلق " دولة إمبريالية صغيرة " في الشرق الأوسط وإلى منبع رئيسي للصراعات المسلحة ولعدم احترام حقوق الشعوب، وعلى الرغم من أن إسرائيل قد قبلت في الأمم المتحدة وفق شروط وهي لم تفرض على أي دولة من الأعضاء. وفي ذلك لابد من ملاحظة بيان ممثل الحكومة الإسرائيلية أمام لجنة السياسية الدائمة في الأمم المتحدة بقبول قرار الأمم المتحدة في 29/ 11/ 1947 (حول الحدود وقرارها في 11/12/1948 حول تقسيم فلسطين واحترامها. (8)
ـــ هذه الملاحظة تكتسب أهمية خاصة تستحق الانتباه إذ يستخدم الرئيس نيكسون عبارة واجب(Aufgabe) وليس دور(Rolle)، فيما له علاقة بوظيفة إسرائيل، وهذا الواجب يكمن في أن إسرائيل ستقوم في المستقبل أيضاً بتمثيل مصالح الولايات المتحدة واحتكاراتها ودركي أمريكي في المنطقة، في علاقة تكاملية كل جانب يكمل الآخر، وهو ما عبر عنه وزير الدفاع الإسرائيلي ووزير الخارجية لاحقاً موشي ديان، حول " الارتباط المصيري " مع الولايات المتحدة ويؤكده عندما يكتب: " إن الحكومة الأمريكية قدمت مساعدات عظيمة لإسرائيل، لقد أرسلت لنا الأسلحة وقدمت الدعم الاقتصادي والعسكري، ولا يسعنا أن نفكر، كيف سيكون حالنا إذا كانت حكومة الولايات المتحدة لم تقدم لنا هذه المساعدات، ولا نستطيع أن نفكر ماذا سيكون حالنا لو أن الولايات المتحدة تتحول عنا في يوم من الأيام " . (9)
أحسن الفنان صنعاً، وأنار بلوحة معبرة بالألوان، جانباً لا ينبغي أن يغفل عنه، وأعني به الجانب الاجتماعي في الصراع العربي الإسرائيلي، هو في رؤيته الأصح صراع اجتماعي بين كيان شبه إمبريالي، وجماهير مناضلة فقيرة، وكادحة في بلدها، الجدار يفصل في الحقيقة كما أظهرت اللوحة (فيما أظهرت) التي لابد لها أن تنتشر وتعمم، الجدار يفصل بين طبقة المستغلين، بين الكادحين الذين يعبرون الجدار كل يوم للعمل اليومي في الأرض المحتلة.
في ظل 156 قانون عنصري يحرم علي الشعب الفلسطيني بأسره صاحب البلاد الشرعي وفق القوانين، الكثير من الفعاليات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، للإبقاء على طبيعة الموقف السياسي / الاجتماعي / الطبقي للقضية، المحتل إلى جانب تدميره لحقوق كثيرة، هو أيضاً بنفس الوقت ممثل للفئات الأرستقراطية والبورجوازية العليا (وحزبها) الصهيوني، الذي يحتل الأرض ويستعبد شعباً آخر، يقمعه، ويحرم عليه فرص الحياة.
هناك قاعدة علمية مؤكدة تقول " الشعب الحر لا يستعبد شعباً آخر " المجرم يرتكب جريمة مضاعفة أمام الأنظار والأسماع، ويعتقل المعتدى عليه بوصفه مجرم لأنه طالب بحقه، هذه قوانين أسوء من قوانين عصبة الأمم (Völkerbund) التي أجازت الاستعمار بوصفه (حق)، ولذلك تجد حصراً الدول الإمبريالية (وهي أمتداد النظام الكولونيالي)، هي من تساند إسرائيل ليس بوصفها أداة حربية مسلحة لمكافحة حركة التحرر الفلسطينية والعربية، بل وأيضاً الرأسمالية الاحتكارية تحمي بعضها بعضاً، والعدو الإسرائيلي جزء حيوي من الكيان الرأسمالي الاحتكاري وذيل صغير له في أرضنا العربية، الشأن الاجتماعي / الطبقي لا يجوز إغفاله مي موضوعة الاحتلال للوطن ومقاومته ...
ولكن متى تتعفن الأشياء ...؟ عندما تبلغ الذروة وليس من أفق بعد، أمامها، ستبدأ الذئاب الإمبريالية تنهش بعضها بعضاً. وهذا المريض الدائم الذي يتلقى عبر الأنابيب الأمصال والدواء، سوف يجد ذات يوم أن لا أحد بوسعه نجدته، وهذا اليوم لا أراه بعيداً ...
البيت لنا
الأرض لنا
القدس لنا
والأهم ..... الغد لنا
الخزي والعار وليس سوى العار لهم ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1: دييف: الجوهر الرجعي للصهيونية، موسكو 1975، ص55
2. لارني، م: الصهيونية الحقيقية والاختلاقات، موسكو 1980، ص141
3. بيلفايس، ك: الصهيونية الحقيقية والاختلاقات، موسكو 1980، ص152
4. لاديكين: الجوهر الرجعي للصهيونية، موسكو 1975، ص 98
5. إيرليش، في: الصهيونية الحقيقة والاختلاقات، موسكو 1980، ص112
6. إيرليش، في: الصهيونية الحقيقة والاختلاقات، موسكو 1980، ص112
7. Lenien, W.: Die Werke; Band 22; Berlin 1974; S. 144
8. بيلفايس، ك: الصهيونية الحقيقية والاختلاقات، موسكو 1980، ص152
9. لاديكين: الجوهر الرجعي للصهيونية، موسكو 1975، ص 98
1775 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع