الطفولة المعممة والطفل مشاكس

                                                        

                              د.صالح الطائي

الطفولة المعممة والطفل مشاكس

إن الطفل في داخلنا إذا لم يُشبِع غرائزه، ويُرضِي مطالبه، يبقى مستفزا، يترقب الانفلات والانعتاق من سجن الحشمة والوقار، نزِقا متمردا متوحشا إلى درجة الضغط على هيبة المرء ووقاره، فيوقفه أحيانا في مواقف ما كان ليقف فيها لو كان بكامل وعيه.
والطفل مشاكس بطبعه إلى درجة أنه يرفض أن يَكبُر، فيبقى على حاله مهما تقدم  الإنسان بالعمر. وهو لا يهتم لمنصب الإنسان ومركزه، فهو نفسه، بعبثه نفسه، بفوضاه نفسها، بتمرده نفسه، تجده لدى العالم والجاهل، والمتعلم والأمي، والمؤمن والكافر، والمعمم والأفندي، والرئيس والمرؤوس.
وأنت مهما أوتيت من قوة، تتمكن من خلالها من كبت جماحه حينا من الدهر، إلا أنه لابد وأن يترجم تمرده بفعل نزق يصدر عنك، أو قولٍ متهورٍ يبدر منك، ولذا أجد من الضرورة بمكان أن لا نتجاهل وجوده في حياتنا، وان نطلق له العنان أحيانا، ليكون تحت سيطرتنا، وحينها ممكن أن يُدخل الفرح والسرور إلى حياتنا.
وثق أنك لن تندم إذا ما فتحت له كوة ليطل منها عليك، ولكنك ستندم كثيرا إذا لم تفعل ذلك! ولنا فيمن سبقونا أسوة حسنة، فمن المفارقات الغريبة في حياة الشاعر المرحوم السيد مصطفى جمال الدين أنه لبس العمامة في مقتبل العمر، وتحديدا في مرحلة الطفولة، وهو الأمر الذي تحدث عنه بقوله: "في سن الثالثة عشرة، وبعد سنتين من دراستي الدينية، لبستُ العمامة، طفولة معممة، مبتعداً من نزعة اللعب والمرح والانطلاق، هكذا يمكن وصف الحالة وخاصة، أنني كنت أصغر من يرتدي العمامة من بين أقراني في الحوزة، ربما لهذا السبب ظلت طفولتي مؤجلة دائما، وراحت تعاودني في غير أوانها في الشباب والكهولة، وحتى الشيخوخة، تعاودني في صور شتى، فتارة تعاودني بالنزعة للمرح ومداعبة الأهواء، وطورا في نفحات الغزل؛ التي قد تبدو غريبة عن رجل دين وقور".
ولقد تأكد لي من خلال التجربة أن مشاكسة الطفل بداخلنا قد تكون السبب في غرابة سلوك بعضنا؛ الذي يستهجنه الآخرون، مع أنها حالة طبيعية جدا، ولا يخشاها إلا من يعاني عقدة الكبت أو الكِبر، إذ لا ضير في أن نرتكب بعض الحماقات من أجل متعة بريئة مؤجلة، لا زالت تلح علينا منذ زمن بعيد، فالمتع المؤجلة إذا ما تحققت بحلم طفولي، سوف تكون بالتأكيد أكثر متعة من غيرها من المتع التي نخطط لها بعقل وحكمة وهدوء.
معنى هذا أننا بحاجة إلى محطات من الفرح يجب أن نُدخل أنفسنا إليها عنوة، بين حين وآخر، لكي نستطيع مقاومة الضغوط الحياتية المستمرة، فالحمق ممكن أن يحمي الإنسان أحيانا من الانهيار تحت مطالب الحياة وقسوتها، ولذا أدعوكم ونفسي إلى تحرير الطفل من محبسه في داخلكم ليلهو، وحينها سوف تشعرون بسعادة غامرة انتم بأمس الحاجة إليها، فالطفل في داخلكم يستحق العناية والحب بنفس درجة حبكم لأبنائكم وأحفادكم لأنه يمثلكم انتم قبل غيركم، فدعوا طفلكم الحبيس يمرح إذا ما طلب اللعب، وستشعرون بفرح مثل فرح الطفل بثدي أمه.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3338 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع