بدري نوئيل يوسف
من حكايات جدتي ... السادسة والخمسين
البذور العقيمة
في احدى الامسيات حدثتنا جدتي: كان احد الرجل يسير بجانب البستان، وجد تفاحة ملقاة على الارض تناول التفاحة واكلها، ثم حدثته نفسه بأنه اتى على شيء ليس من حقه، فأخذ يلوم نفسه، وقرر ان يرى صاحب هذا البستان فأما ان يسامحه في هذه التفاحة او ان يدفع له ثمنها، ذهب الرجل لصاحب البستان وحدثه بالامر، أندهش صاحب البستان لامان الرجل، وسأله: ما اسمك؟ أجاب: ثابت
قال له: لن اسامحك في هذه التفاحة إلا بشرط، ان تتزوج ابنتي، واعلم انها خرساء عمياء صماء مشلولة.
اما ان تتزوجها وإما لن اسامحك في هذه التفاحة، فوجد ثابت نفسه مضطرا، يوازي بين عذاب الدنيا وعذاب الاخرة ، ويوافق على هذه الصفقة، وحين حانت اللحظة التقى ثابت بتلك العروس، وإذ بها اية في الجمال والعلم والتقوة، أستغرب كثيرا الرجل لماذا وصفها ابوها بأنها صماء مشلوله خرساء عمياء؟
سألها الرجل:لماذا ابوكِ قال أنك خرساء عمياء صماء مشلولة، أجاب بكبرياء: انا عمياء عن رؤية الحرام، وخرساء صماء عن قول وسماع ما يغضب الله و مشلولة عن السير في طريق الحرام. وتزوج ثابت بتلك المرأة .
ثم تابعت جدتي حديثها قائلة: في احدى الليالي رأى الدب في منامه أنه قد نجح في الحصول على ثلاث قطع دسمة من اللحم، وعندما استيقظ من نومه في الصباح ذهب للبحث عن هذه القطع، ثم سألت جدتي: مَن يعرف منكم هل يتحقق حلم الدب؟ توقع بعض الاطفال الملتفين حول جدتي لسماع الحكايات أن الدب سيجد قطع اللحم، والآخرين توقعوا أن حلمه لن يتحقق، قالت جدتي: بعدما خرج الدب للبحث عن قطع الحم وهو في طريقة داخل الغابة، شاهد من بعيد تيساً فاتجه الى ناحيته مسرعاً وعندما أحس التيس أنه لا مجال للهرب لم يرتبك وإنما اقترب من الدب وألقى التحية عليه، فسأله الدب: هل تعرفني !
أجاب التيس: طبعاً الكل يعرفك أيها الدب وبالأخص أنا، حيث إنني كنت مطرباً محبوباً في حاشية أبيك، فقال الدب: إذن أسمعني غناءك! بدأ التيس بالمأمأة بصوت عالي وسمعه الراعي فأتى جرياَ مسرعا وبصحبته كلاب الرعي، ضرب الراعي الدب بالهراوة فيما قامت الكلاب بعضه وبالكاد تمكن الدب من التخلص منهم والهرب .
تابع الدب سيره فصادف في طريقه خروفين، تمتم مع نفسه سوف آكلهما، نادى على الخروفين بالاقتراب منه، وبعد أن تأكد الخروفين أنه لا سبيل للهرب اتفقا على شيء فيما بينهما واقتربا من الدب وقالا له :
نحن سعيدان جداَ بأننا سنكون طعاماَ لحضرتك، وبدأ الخروفان في الجدال من سيكون أول خروف يأكله الدب، وأخيرًاَ اقترح واحد منهما الآتي :
بعد موافقتك أيها الدب المحترم سنتقاتل بقروننا والفائز سيكون أول خروف منا تأكله، تم اختيار الدب ليكون الحكم وتراجع الخروفان مسافة خمسين خطوة الى الوراء ثم ضربا معا الدب بكل ما أوتيا من قوة على جنبه بقرونهما، سقط الدب المسكين أرضاَ وعندما عاد الى وعيه لم ير للخروفين أثر.
بعد ساعات قليلة نهض الدب وتابع سيره وفي الطريق قابل بعيراَ فقال في نفسه: هذا أحسن شيء لأنه أكثر لحماً ودسماَ، بدأ الدب بالصياح بأعلى صوته: أيها الجمل قف لقد رأيت في المنام أنه يجب علي أكلك! رد على الجمل: تحياتي لك أيها الدب، سأله الدب : من أين تعرفني؟
أجابه الجمل: ومن لا يعرفك ! وبالأخص أنا لأنني ساعي بريد أبيك والآن أيضاَ أحمل لك رسالة من أبيك.
سأله الدب: أين الرسالة ؟
أجابه الجمل: الرسالة مكتوبة على حافري، وما إن جلس الدب القرفصاء ليقرأ الرسالة حتى رفسه الجمل في صدره بقوة وأبعده عنه بمسافة عشر، خطوات مما أفقد الدب وعيه، وقبل غروب الشمس بقليل عاد الدب الى وعيه وأدرك أخيراً كيف كان يجب أن يفسر حلمه .
اما الان سأحكي لكم حكايتنا اليومية:كان يا ما كان وعلى الله التكلان، أراد أحد الأمراء أن يتزوج فقرّر أن يجمع بنات المدينه ليختار منهن زوجته المستقبليّة، فسارعت الفتيات في التّحضير لحضور هذا الحفل الراّقي، وكانت هناك فتاة فقيرة هي ابنة خادمة بسيطة، وقد تعلّق قلبها بحب هذا الأمير، وكان يُخَيَّلُ لها أنّها ستكون زوجته المستقبليّة، فحزنت الخادمه العجوز لأنّ قلب ابنتها الفقيرة تعلّق بالأمير كثيرا، فأخبرت ابنتها عن قلقها وخوفها من تحطّم قلبها، فمن المؤكّد أنّ الأمير سيختار فتاة من الطّبقة الرّاقية.
فقالت الابنة: لا تقلقين يا أمّاه سأذهب ليس هناك ما أخسره، ذهبت الفتاة إلى الحفل، جاء الأمير وقال لهن: (سأوزّع عليكنّ بذوراً ازرعوها، والّتي تأتيني بعد ستة شهور وبيدها أجمل وردة سأتزوّجها) استلمت الفتاة البذور اسوة بالبقية وعاد الى منزلها، زرعت البذرة ولكن دون جدوى، مرّت ستة شهور ولم تنبت تلك البذرة، فقالت الأم لابنتها: (لا تذهبين للحفل أخاف أن ينفطر قلبك فأنت لم تحصدين شيئاً)، قالت الفتاة : (سأذهب يا آماه وآخذ معي البذرة، بالله عليك يا أمّي اسمحي لي أمتّع ناظريّ برؤية أميري عن قرب و لو للمرّة الأخيرة)، ذهبت الفتاة الى القصر وأمام الامير اصطفّت جميع الفتيات وبيد كل واحدة منهنّ أجمل الورود، إلاّ هي كانت تحمل بين يديها بذرتها الّتي أبت أن تنبت و لو وردة بسيطة.
فقال الأمير لابنة الخادمه لما رأى بيديها بذرتها الجافة: أريد أن أتزوّجك أنتِ، سألت الفتيات: كيف وهي لم تأتي إلاّ ببذرتها البائسة؟
أجاب الأمير: إنّ البذور الّتي أعطيتكنّ إيّاها بذور عقيمة لا تُنبِت ، فجميعكن كذبتنّ إلاّ هي كانت من الصّادقات ، وأنا أريد لمملكتي أميرة صادقة ، فتزوّجها الأمير وأصبحت هذه الفتاة الفقيرة ابنة الخادمة حاكمة فيما بعد،
العبرة : الصّدق يجمّل الانسان أكثر من لباسه ومظهره ، والكذب يقبح الانسان مهما كان جميل.
1212 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع