بقلم: سالم إيليا
متحف ونصب تذكاري لضحايا الإرهاب في الموصل
لم يعد خافياً على أحد حجم المآسي التي تعرضت لها المناطق التي كانت تحت سيطرة "داعش".
وحيثُ أنّ مدينة الموصل بثقلها السكاني وأهميتها الجغرافية والتاريخية التي جعلها كثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد قد أصابها ما أصابها من ويلات سيطرة هذه العصابة المجرمة عليها ومن بعدها عمليات التحرير التي إستغرقت أكثر من تسعة شهور ثقيلة بتفاصيلها المؤلمة من حصارٍ قاسٍ وهجرةٍ جماعيةٍ وقتلٍ ممنهجٍ وجوعٍ وصل الى حد أكل الأعشاب البرية خلال سيطرة "داعش" أو أثناء تحريرها، وحيثُ لم يتبقى من معالمها الأثرية وصروحها العلمية ومعالمها الحضرية وبُناها التحتية وأحيائها السكنية ودور عبادتها لمختلف الأديان والطوائف التي يتميز بها إقليم نينوى بشكلٍ عامٍ إلا العدد القليل والتي أصابها أيضاً بعض الأضرار.
وتقف في مقدمة المآسي الأعداد الهائلة للضحايا المدنيين الذين لم يتم لحد هذه اللحظة حصرهم بشكلٍ كاملٍ ودقيقٍ، لكن الأنباء تتحدث عن عدد مَهُول يتجاوز عشرات الآلاف (أحد الأطباء الذين أعرفهم في المهجر قد فقد سبعة أفراد من أقاربه من درجات قربة مختلفة ما بين قتيل على يد داعش لرفضهم الإنتماء اليهم وبين ضحية نتيجة القصف).
لذا فمن الواجب توثيق هذه الفترة المظلمة من تاريخ المدينة من خلال متحف خاص ينتصب في محيطه نصب تذكاري يتم إختيار موقعه في الجانب الغربي من الموصل مطلاً على نهر دجلة ليكون على مرأى من الجانب الشرقي أيضاً (طال الجانب الغربي والذي يُطلق عليه بالأيمن النسبة الأعلى من الخسائر البشرية والعمرانية).
وليحتوي هذا المتحف على كل ما سجلته عدسات المصوريين الإعلاميين ووكالات الأنباء المحلية والأجنبية ومراسليهم وتسجيل وتوثيق المآسي بالصوت والصورة على لسان أصحابها وشهود العيان مع جمع الأدلة المادية كنماذج على الممارسات الهمجية للتنظيم المذكور ووضعها جميعها في قاعات داخل هذا المتحف وحسب تصنيفها (قاعة خاصة لعرض الصور والسلايدات، وأخرى خاصة لعرض الفيديوهات، وغيرها لعرض آلات القتل ـ ـ ـ الخ).
ولغرض تنفيذ هذا المتحف المهم، يجب تشكيل لجنة مهنية وحيادية متخصصة تتسم بالموضوعية تراجع كل صغيرة وكبيرة وتدقق المعلومة بشكلٍ لا يقبل التأويل أو التشكيك بها وتُحَدَد مهامها على الأسس التالية:
ـ جمع البيانات الدقيقة عن عدد الضحايا المدنيين وأسمائهم من الموصل/المركز ومناطقها التابعة لها إدارياً من أقضية ونواحي وقرى لكتابتها (حفرها) على جدار النصب التذكاري مع بيانات مقتضبة لتاريخ ومكان وسبب إستشهادهم وأعمارهم (قسم منهم قضى على أيدي داعش والآخرين بالقصف).
ـ ذكر الأرقام (الحقيقية) للنازحين والمهجّرين من أطياف ومكونات المجتمع الموصلّي ومناطقه الإدارية المجاورة وتخصيص قاعة خاصة لعرض معاناتهم وما أصابهم من ضرر ودمار وتهجير وقتل وسبي على أيدي هذه العصابة الدولية.
ـ توثيق الأعداد الكبيرة للنازحين أثناء عمليات التحرير ومعاناتهم في معسكرات الإيواء، مع ذكر البيانات الدقيقة للعائدين منهم الى بلداتهم وتواريخ عودتهم، وكذلك الأرقام الحقيقية لِمَنْ فضلوا المغادرة بشكلٍ نهائي لبيان الضرر الديموغرافي الذي تعرضت له نينوى بشكلٍ عامٍ، مع تسجيل قصصهم المأساوية على السنتهم والتي قد تكون في البعض منها أغرب من الخيال.
ـ جمع الأدلة المصوّرة عن حجم الدمار العمراني مع بيان مقدار الضرر للبُنى الخدمية الأساسية.
ـ تدوين كافة القوانين المجحفة التي فرضتها هذه العصابة الدولية على المجتمع الموصلي وقصباته بكافة أطيافه وشرائحه.
ـ تسجيل وتوثيق البيانات عن حجم الضرر التعليمي والتربوي (إيقاف التعليم بمختلف مراحله والتدمير الذي أصاب الأبنية التعليمية)، وحجم الضرر الذي أصاب الجانب الصحي ونتائجه الكارثية (تدمير المستشفيات والمراكز الصحية وقلّة الأدوية وإنعدامها للمرضى بالأمراض المزمنة كأمراض القلب والسكري والربو والسرطان ـ ـ الخ)، ومعانات السكان نتيجة إنعدام أبسط الخدمات وتدمير البُنى التحتية، وممارسات "داعش" القسرية خلال فترة سيطرتها على المدينة ومناطقها الإدارية.
ـ تخصيص قاعة لشهداء الجيش والقوات المسلحة والقطعات المساندة والمتجحفلة معها بكافة صنوفها ومسمياتها مع ذكر مناطقهم الجغرافية لتعزيز اللحمة الوطنية، وحيثُ إشترك العراق بكافة مدنه في عملية التحرير، بالإضافة الى تسجيل أسماء مَنْ أبلى البلاء الحسن في تقديم المعونة للمدنيين، وقد شاهدنا بعضهم عبر الفضائيات المختلفة التوجهات وهم يعرّضون حياتهم للخطر من أجل إنقاذ طفل أو إمرأة أو كبار السن.
ـ من الممكن شمول المحتوى الفني للمتحف بحملة إعادة الإعمار بصيغة المقارنة الميدانية المصورة للمناطق المدمرة قبل وأثناء التحرير وبعد إعادة إعمارها لتكون حافزاً للمعنيين على الإيفاء بوعودهم في إعادة إعمار الموصل بكافة صروحها وأحيائها.
ـ درج النشاط الإعلامي المميز بمشاركته الميدانية وفعالياته التي أسهمت بشكلٍ ملحوظ في تقديم الدلالة للممرات الآمنة وبقية التعليمات من خلال توجيه السكان عبر الإذاعات المحلية التي أوجدتها الحكومة أو عبر الفضائيات المختلفة خلال عملية التحرير، وتوثيق أسماء شهداء الصحافة والإعلام والمراسلين الحربيين العراقيين والأجانب، مع توثيق ما تعرضت له الكوادر الإعلامية من أخطار كبيرة أثناء تغطيتها للأحداث وتعزيز هذا التوثيق بالأفلام الناطقة (صورة وصوت).
إن هذا المقترح يقع ضمن سلسلة المقترحات المهمة الواجب دراستها والنظر فيها لتنفيذها ولو بعد حين لتذكير الأجيال القادمة بالمآسي التي حدثت، ولتكون تلك التوثيقات الرادع مستقبلاً لمنع وتفادي تكرارها، وأملنا كبير بتجاوز هذه المحنة لكل أهلنا في نينوى والمدن العراقية الأخرى التي تعرضت لسيطرة داعش.
4781 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع