من قال إن مسيحيي العراق وصابئته المندائيين كانوا أهل العراق الأصليين قبل دخول العرب المسلمين؟!! من هذا الذي يزعم أنهم ساهموا في بناء الحضارات القديمة والحضارة العباسية والعراق الحديث؟!! ألم يكونوا دوما طابور المستعمرين، وبالأمس طابور صدام؟!! فما لهم باقين عندنا، ولا يرحلون لبلدان الغرب من حيث أصلهم وفصلهم؟!!
هكذا كان تفسير عدوان القوة العسكرية، المؤتمرة مباشرة بمكتب السيد المالكي، حين قامت بتحطيم تمثال الكاردينال عمانوئيل دلي وبصاق مدير القوة عليه. وهكذا بالضبط ما كان خطاب أحد ضباط الغزوة الدينية الظافرة حين خاطب أحد المسيحيين الخائفين: " لم لا ترحلون لدى أقاربكم في السويد وأستراليا!"
بدأت حرب تطهير العراق من الأقليات الدينية بعد سقوط النظام الفاشي السابق مباشرة، وكان البادئون من عصابات جيش المهدي. والتحق بهم المتطرفون من سنة الموصل، ثم القاعديون. وخلال السنوات التسع المنصرمة جرى تهجير ما لا يقل عن ثلث مسيحيي العراق، إن لم يكن حوالي النصف، واغتيل قسس وكرادلة. وأحرقت ونسفت كنائس. ولا نزال نذكر مأساة كنيسة النجاة. وخلال سنوات حكم المالكي أعطيت الوعود بعد الوعود بحماية المسيحيين وأماكن عبادتهم، ولكن ها هي القوات المقيمة في المنطقة الخضراء والمؤتمرة مباشرة بأوامر مكتب القائد العام للقوات المسلحة تقوم هي بنشر الرعب بين المسيحيين وتحطيم تمثال أحد رموزهم، وذلك جنبا لجنب مع حملة منظمة ومنسقة، وفي وقت واحد، على مختلف النوادي الليلية في بغداد، واستعمال الهراوات وأخامص البنادق والشتم والتحطيم. فالحرب على الأقليات الدينية تجري يدا بيد مع الحرب على ما بقي من النوادي في بغداد، بعد أن تكفل مجلس محافظة بغداد من قبل، ومعه مجالس المحافظات الجنوبية والوسطى بتنفيذ المطلوب، في تطبيق الشريعة وأسلمة البلاد والعباد.
لقد سبق وأن كتبنا سلسلة مقالات عن الحملات الوحشية الغادرة على الأقليات الدينية في العراق. وكتب العشرات غيرنا مقالات مماثلة. وارتفعت أصوات المسيحيين بالاحتجاجات. وتنادت الشخصيات والساسة العلمانيون لوقف هذه الحرب القذرة التي لا تعني غير حرب تطهير دينية يعاقب عليها القانون الدولي.
تمثال رمز مسيحي حرام، ولكن محافظة النجف تسلمت قبل حوالي الشهرين مجموعة تماثيل من الشمع صنعت في إيران لرموز شيعية نجفية، دينية وغير دينية، لوضعها في متحف خاص. فلماذا يكون هذا حلالا في الدين ويكون التمثال الواحد لمسيحي حراما؟؟ أم يجب أن يتحول المسيحيون إلى مسلمين؟!!
نعرف ما جرى ويجري لأقباط مصر رغم أنهم قوة منظمة وعددهم يعتد به. ونعرف مصير المسيحيين في أفغانستان وباكستان ودول إسلامية أخرى. ونعرف أن مسلما يغير دينه للمسيحية محكوم عليه بالموت في غالبية الدول الإسلامية، بينما المسيحي المتحول للإسلام، وفي الغرب نفسه، يعيش في أمان. وها نحن أمام قصة إمام جامع المدينة الباكستانية الصغيرة الذي لفق حكاية حرق فتاة مسيحية صغيرة للقرآن، مما تسبب في سجتها وتعريضها للموت. وقد تم اكتشاف التلفيق الصفيق، واعتقل الإمام، وأطلقت الفتاة بكفالة، ولكنها مع ذلك معرضة للعدوان لو عادت إلى بيتها. فالمسيحيون في باكستان غير مرغوب فيهم.
حكومة المالكي غير محسودة على ديمقراطيتها الطائفية الأصولية. وهي لا تحسد على مدى حرصها على الحريات، وعلى سيادة القانون. وقد أعيد إنتاج الكثير من ممارسات النظام المنهار، بما في ذلك المعتقلات والسجون السرية والتعذيب لحد الموت. وهذا ليس افتراء، بل ما نطقت به شهادات كثيرة، وتقارير دولية وأميركية. ولا تزال الحكومة ترفض دخول المحقق الدولي في شؤون التعذيب للسجون. أما دعم الحكومة للنظام السوري والتفافها على العقوبات الدولية المفروضة على النظامين السوري والإيراني، فلهذا مجال آخر للحديث.
إن القوى والتنظيمات العلمانية والوطنية الديمقراطية العراقية مدعوة لبذل المزيد من العمل والنضال السلمي، وممارسة الضغوط، لحماية الأقليات الدينية، التي عانت ما عانت، وهي التي قدمت للعراق خدمات كبرى على مدى التاريخ.
ويا مسيحيي العراق والعالم الإسلامي: صمودا وجلدا... ولكم ألف تحية وتحية.
948 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع