سيف شمس الدين الالوسي / بروكسل
شظايا فيروز
"و الحرب لو يعلمون لا تستعر نيرانها في أجواف المدافع بل في قلوب الناس و أفكارهم أيضا" ميخائيل نعيمة
لا تنتهي الحرب بوقف آخر أطلاقة أو بخروج المحتل أو بانتهاء عصاباتها، بل ستجر ذيول آثارها لعشرات السنين، وان ما نراه في ساحات المعركة من قتلى وضحايا ليس هم فقط، ولكن هنالك أضعاف منهم يسيرون على أرجلهم لكنهم قد قُتِلوا روحياً ونفسياً.
الحرب فقيرة من كل شيء إلا من الأدب فهي غنية فيه، وأن الأدباء والكتاب العظام قد دونوا ما يحدث فيها لتكون أعمالهم تاريخاً اجتماعياً وليست فقط قصة نقرأها ومن ثم نضعها في درج كتبنا أو نهديها لأحد ما، بل ستبقى تصدح أصوات ربما لم تجعلنا ننام بسهولة، وسنعاني من تلك الليالي البيضاء.
هنالك روائيون عظام قد كتبوا عنها وخُلِّدت أعمالهم وبدأت الأجيال تتلاقفها وتعيش مع شخوصها لتبقى عالقة في الأذهان، لقد كتب تولستوي عنها في رائعته "السلم والحرب"، وشولوخوف في روايته "الدون الهادئ"، ومكسيم كوركي في "الام"، يوري بونداريف "الثلج الحار" ولندع الادب الروسي جانبا ونذهب الى همنغواي "وداعاً للسلاح" ، رواية "الساعة الرابعة والعشرون" لقسطنطين جيورجيو، جورج اورويل في روايته "1984" وغيرها الكثير الذي يصعب علي حشر كل الأسماء بمقال واحد...
ومن بين تلك الأعمال العظيمة التي لاحت بالأفق الآن هي رواية جديدة للكاتب (نوزت شمدين) تحمل عنوان "شظايا فيروز" ،الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، والتي لن تقل في غناها الأدبي والتصويري عن تلك الأعمال التي ذكرتها، هذه الرواية التي ستكون تراث العراق ومرجعاً يعكس عن حقبة من أسوأ الحقب التي مر بها، حيث يصف بها تلك العصابة المجرمة التي تسمى بـ"داعش" عندما داهمت مدينة الموصل هذه المدينة الحضارية بكل مكوناتها، ينقلنا إلى الحياة الهادئة والمنسجمة بين أهلها وقراها ومدنها، لتعصف فجأة زوبعة عاتية آخذة بهم ولتشردهم وتحول الأنفس إلى هشيم سرعان ما تدب النار فيه فتحرقهم.
ينقلنا إلى محنة "الازيديين" تلك الطائفة الضحية التي عانت اشد ما عانته،" فيروز" بنت جميلة بسيطة يتيمة الأبوين وتعيل ابنتين، تقع بحب شاب مسلم من قرية مجاورة، لفهمها الحب بذراعيه كلفافة تبغ فحولهما الى رماد، ذلك الحب الذي بدأ من وراء كومة البصل الذي تبيعه على قارعة الطريق، حيث هناك كان يشتري منها دون ان ينبسا ببنت شفة.
تفقد فيرون كل شيء ولتكن "سبية"، تفقد فيها أختيها وتكون جارية عند اعتى مجرمي الحرب، يغتصبونها ويرمونها كقطعة زجاج، تحت هذا الضغط كانت تفكر فيه، أما "مراد" العاشق الطيب الذي اضطر لأن يتطوع بصفوف داعش ليس رغبة بتحقيق طموحه وإنما فقط لكي يهتدي لمكانها ويفكها من أسرها.
تنتهي الرواية دون أي حلول، تنتهي تاركة أبطالها يعانون صارخين بين سطورها عمّن يفك قيدهم، فيجعل من القارئ ان يشعر بالمسؤولية محاولاً ايجاد كلمة لكي ينقذهم فيها. وهوة القتل تتسع ومجرى الدماء ما زال جارياً، وهناك المزيد من الاغتصاب والقتل والترويع، يقول لنا "شمدين" إن الحياة ليست كما نريدها أو كما نريد أن نتخيلها، وليس دائماً الخير ينتصر، ولا يسمعنا "خودي" دائما. فها هو يمزج بين الواقع والخيال وشخوص حقيقية وأخرى مستوحاة، عندما تقرأ روايته تحس كأنك هناك على الأرض التي يتكلم عنها، تسمع صراخهم، تشم رائحة دماءهم.
إن هذه الرواية هي انعكاس عن حياة واقعية، فقد حاكت أعمال "اميل زولا" بواقعيتها، لقد خلدت هذه الرواية محنة الايزيديين وعكست معاناتهم بعد أن سُفِكَت دماؤهم وهُتِكَت أعراضهم، وهم معروفون بحفظ الشرف والعفة، فهو إحدى مقدساتهم لذلك عندما وصلت داعش أرادت أن تكسر اعز ما يملكونه وهو الشرف .....
"الشرف مثل هذه الزجاجة، قد يهشمه أي شيء لكن لا شيء يصلحه أبدا"
901 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع