هشام الهاشمي
كيف كنا ، وكيف أصبحنا
أود أن أتطرق لبعض من تفاصيل الحياة التي عشنا حلاوتها قبل أن يتم إحتلال العراق عام 2003. لكني هنا، سوف لا أتناول أي منجزات أو إخفاقات حكومية، بقدر ما هي مشاعر الفرد نفسه إزاء ما كان وما يحصل الآن بخصوص طبيعة حياته ومدى إستقراره وشعوره بالأمن والأمان. كنا نحن ابناء المحافظات نشعر بحقيقة وطنيتنا ووحدتنا عندما نتوجه إلى العاصمة الحبيبة بغداد (أم گلب الچبير) التي كانت تستقبلنا وتستضيفنا من كل صوب وحدب بغض النظر عن إنتماءاتنا العرقية والمذهبية والعشائرية، وكأننا نحن أهل بغداد!. نجول ونتجول ، نفرح ونغني بصوت عال، نسهر ونتمتع بأوقاتنا في أحلى نوادي النقابات في المنصور ومقاهي أبى نؤاس وغيرها ، ثم يعود بعضنا إلى مكان سكنه مشياً على الأقدام أحياناً حتى في ساعات متأخرة من الليل، لم يعترضنا رجل أمن أو عصابة أو مليشيا ليسألنا من نحن أو ماذا نعمل في بغداد ، أو ما هي طائفتنا أو قوميتنا ! كنا شيعة ونستأجر شقة في قلب الأعظمية، وكنا سنة ونستأجر بيتاً في قلب الكاظمية ! ، لم يراود أي منا الشعور بالخوف من مسألة الطائفية أو القومية، بل على العكس ، كنا نلمس كل الترحيب والمودة من سكان المنطقة التي نسكن فيها ولو لبرهة مؤقتة من الزمن . كنا ندرس في مدارس وجامعات البلد مجاناً، وكنا نتعالج في المستشفيات مجاناً ،
وكانت اسعار كل المنتجات تقدم لنا باسعار رمزية ، كلنا كان يتمكن من شرائها. كانت لدينا كهرباء، وكان لدينا ماء، وكان لدينا أمن وأمان ودواء، والأهم من كل ما ورد ، كان لدينا وفاء للوطن وللأصدقاء، لا تعنينا صغائر الأمور ولا يعنينا الصغار، كنا نشعر حقاً كبار، في كل بيت ودار . وإذا ما سافرنا يوماً خارج البلد للسياحة والإستجمام ، تظل اعين والدينا وأخوتنا وأحبتنا تنتظر بلهفة وصبر جميل موعد عودتنا بعد الرحيل!. كنا نشعر بالفخر والإعتزاز عند وصولنا لأي بلد في سفرنا لأن رجل الحدود يعلم تماماً من نحن ومن اين قادمون ، ولأنه يعلم جيداً كم نحن على بلده متفضلون ! كنا وكنا ، وچانت الأيام حلوة بلا كدر، تشعر بنفسك تعيش إنت بشر
وچانت الدنيا كريمة بكل قدر ،، شما تريد إنت تصيرلنك خبر
هذا هو الحال الذي كنا عليه ،، ولو أردنا أن نستعرض ما هو عليه حالنا الآن ، لتوقف القلم ولسال حبره من كثرة الدموع التي تبلل أوراق كتاباتنا ! بإختصار ، الوضع والحال الآن مخالف تماماً لما أوردته آنفاً ! كل ما كان جميل تشوهت صورته ، وكل ما كان لطيف تدهورت سمعته ! حتى أجبرني الحال أن أعبر عن مشاعري بصيغة شعر ، فأنا لست بشاعر، ولا يمكن أن أكون ، ولكن دعوني أحبتي أن اقول بعض الكلمات عن الماضي :
كتبت الشعر لا لكوني شاعرُ .. بل مغرم بالماضي ليس الحاضرُ
ماض مجيد عشتهُ يا حسرتي .. هيهات يا دنيا مثيل أبهرُ
كنا كرام القوم أياماً مضت .. وفي الشتات صرنا شيئاً منكرُ
قل لي بربك هل أنا متفلسفُ بهذه .. أم أن بلواي دعتني شاعرُ متذمرُ ؟!!
تقبلوا مني أطيب التحيات وخالص الإحترامات أخواتي الأحبة القائمين على إدارة مجلة الگاردينيا الرائعة الجميلة وفي مقدمتهم أستاذنا الحبيب الرائع الشيخ جلال جرمكا حفظه الله ، ولجميع القراء والمشاركين الكرام كل المودة والتقدير.
1049 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع