د.صالح الطائي
إلى الشباب (3): لك وحدك أن تختار
تحدثا سابقا عن المعرفة والتفكير مطولا، وتركنا لك حرية التفكير، وحرية تحديد أنماطك المعرفية على هواك وقناعتك، وأعطيناك إشارات متنوعة، بأننا لن نعترض على ما ستختاره لنفسك من معتقد لأنك وفقا لمفاهيم العصر الراهن حر في خياراتك، وقلنا أن ثمة ملاحظات يجب الانتباه إليها قبل اتخاذ القرارات الحاسمة، فالتسرع يؤدي غالبا إلى الندم، وعدم التخطيط المسبق يوقع الفوضى التي تتعبك تداعياتها زمنا طويلا.
وخلال هذه الرحلة كنا على يقين أنك ستقبل بعض أفكارنا، وتهمل بعضها، وتنتقد بعضها، وترفض بعضها، وتسكت عن بعض، وتتفاعل مع بعض، وتستغرب من بعض، وتستهجن بعض، وتدهش من بعضها. وأن الآخرين من أقرانك سوف ينظرون إليها بنفس منظارك، ولاسيما منهم من لديه حساسية مفتعلة ضد الحديث الديني، ولهذا السبب تراني أوجزت كثيرا في حديثي عن الجانب الديني، لا إرضاء لهؤلاء، فأنا لا أساوم على عقيدتي، وإنما لأن كل النتائج الحسنة التي ستخرج بها من هذه التجربة، سواء كان الحديث عنها دينيا أم حداثيا، سوف تصب في نهاية المطاف في ينبوع الدين، فالدين ليس القيمة العليا في حياة الإنسان فحسب، وإنما هو الميزان المعياري الذي يحكم بين الحرية والعبودية، والطاعة والتمرد، والسلام والعدوان، والقبول والرفض، والعدل والانحراف، والاستقامة الاعوجاج، والأهم أنه يحكم بين الإنسانية والتوحش، ولذا تجد كل ما يمت إلى الإنسانية مختزلا في الدين، وكل ما يتصل بالتوحش بعيدا عن جوهر الدين.
ولذا سأتوسع في هذا المبحث في تناولي الكلام عن الرؤية الدينية لخلاصة بعض ما سبق وناقشناه من قبل، مع أني على يقين تام أن هذا الموضوع سيلقى رفضا عند البعض أكثر من غيره من المواضيع، ولاسيما عند الذين يتحسسون من أسلوب التحدث وفق المنهج المنبري أو ما يسمونه (الأسلوب الروزخوخي) والتي هي تسميات تشير ضمنيا إلى الحديث في الجانب الديني عموما.
من هنا ستكون بداية حديثي عن العقل في الإسلام أي في الكتاب والسنة النبوية، فالمعروف أن الدراسات التي تناولت العقل في الإسلام سواء في القرآن الكريم أو السنة النبوية أو أقوال الأئمة والعلماء والمحدثين كثيرة جدا. وهذا بحد ذاته يعني أن الإسلام دين عقل، وهو ما دفع علماء الشيعة إلى اعتبار العقل أحد أدلة استنباط الأحكام الشرعية.
إن من أهم الحقائق التي يجب علينا معرفتها أن الإسلام مثلما قال (أنور الجندي) في كتابه (الإسلام والعالم المعاصر): منهج وليس نظرية. منهج متكامل يستهدف بناء المجتمع الرباني في الأرض، ولذلك عني بوضع تعاليم جامعة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية، أفرغت في صيغة كلية وأصول عامة وبذلك أتيح لها صفة الخلود والبقاء.. وقد عنى الإسلام بأن يكون منهج حياة ونظام مجتمع، ولذلك عمد إلى: أولا: تحرير الفكر من الوثنيات والمادة. ثانيا: تحرير الإنسان من العبودية. ثالثا: تحرير البشرية من قيود العنصرية والمادية والإباحية.
إن الإسلام ـ وهذه حقيقة يخشاها الدنيويون لم يكن في أي يوم من أيام تاريخه الطويل عقيدة مادية، تقاس وفق مقاييس المادة، ولا عقيدة روحية تتصل بالرؤيا والمعجزات والخوارق، وإنما هو تواشج ناعم بين المادية والروحية، وهي حقيقة حاول البعض تجاوزها نظرا لخطورتها على نظرياتهم.
إن عدم استيعاب البعض لهذه الحقيقة، حولهم إلى شخوص مشاكسين، تصدوا للمشروع الديني عن طريق التهكم بالأطروحة الدينية، باعتبار أنها لا تتماشى مع التطور العلمي، ويكاد هذا التركيز أن ينصب على هذه الجنبة تحديدا، وكأنه اجترار للتجربة الأمريكية الأوربية، بغية إعادة ترتيب نظرية المعرفة الإسلامية، والخروج بنتيجة تدعي أن نظرية المعرفة الدينية تنضوي على معارف وأقوال وأحكام ورؤى، كذبتها التجارب العلمية الحديثة والأبحاث المتطورة، وهي التجربة التي نجحت مع الفكر المسيحي، وأدت إلى تحجيمه وركنه في زوايا الكنائس، بعيدا عن الحياة العامة، وبالتالي أتيحت الفرصة للرؤى المشاكسة لتجول وتصول دونما رقيب، فولدت كل تلك النظريات التي تحدثنا عنها وأهمها العلمانية واللادينية.
فالمعروف أن نظرية المعرفة المتداولة اليوم في الجامعات الأمريكية والأوربية تتلخص بكونها نتاج كل النظريات التي اختلفت مع الكنيسة تاريخيا، والتي أصبحت فيما بعد تمثل التيارات العلمانية، بالرغم من كون الخلاف الأول نشأ بين رجال الكنيسة ومشروعها من جانب، ورجال العلوم التطبيقية ولاسيما علماء الفيزياء من جانب آخر. فعلماء الطبيعيات مثل (كوبرنيكس) و(كاليلو كاليلي) ومن دعمهم فيما بعد من علماء المنهج الوضعي من أمثال (فرانسيس بيكون) وعلماء الإنسانيات والاجتماعيات الذين اخضعوا الظواهر الاجتماعية إلى التجريب، كل هؤلاء استندوا إلى آخر الابتكارات العلمية للتحدث عن كروية الأرض ودورانها ومركزها في الكون على خلاف ما كانت تطرحه الكنيسة، التي ادعت أن الرب هو الذي اخبرهم أن الأرض هي مركز الكون. وثقوا أن الرب بريء من هذه التهمة!.
ثم لما ثبتت صحة الآراء العلمية، ومنها أن الشمس هي المركز وان الأرض تدور حولها، وثبت خطأ الروايات الدينية المتداولة، حدث الانشقاق لا بين العلماء والكنيسة فحسب، بل وبينها وبين المجتمع أيضا، مع إدانة كنسية كبيرة للعالم (كوبرنيكس) واتهامه بالإلحاد، مقابل إدانة كبيرة للفكر الديني ونظرية المعرفة الدينية، التي لم تنجح في الثبات أمام النتائج العلمية الحديثة، واتهامها بالتخلف، ومن ثم التشكيك بصحة مصادرها من خلال الإدعاء أن تلك المعلومات لو كانت من الرب لما انهارت أمام العلم. وهذا تسبب بدوره بفقدان ثقة الجماهير بالكنيسة، وبأقوال الرب؛ التي استندت إليها الكنيسة في صراعها مع الماديين.
من هنا جاء سعي البعض في مجتمعاتنا الإسلامية لإعادة تجربة هذا الصراع مع الإسلام، وبالذات مع نظرية المعرفة الإسلامية، على أمل تحقيق النتائج نفسها والوصول إلى مرحلة تحجيم الدين، وركنه في المساجد بعيدا عن الحراك المجتمعي. لكن النتائج التي توصلوا إليها كانت مخيبة لآمالهم، لأن الدين خرج من هذه المنازلة وهو أقوى وأكثر ثباتا، ولذلك أسبابه ومسبباته ومنها الاختلاف بين المنهجين الإسلامي والأوربي، حيث جوبه المنهج الذي سعوا إلى تطبيقه في العالم الإسلامي بعدة قوى شرسة، صمدت أمامه، وزحزحته عن مواضعه، وبقيت ثابتة، ومنها:
•أن القرآن كان محكما، لا توجد فيه ثغرة علمية تسمح لأي عالم أن ينفذ من خلالها.
•أن الذين دخلوا في صراع مع الإسلام لم يكونوا علماء جادين أصلا كما هم الأوربيون والغربيون، ولكن هؤلاء، استغلوا أعظم ما يملكونه وهو ملكتهم الأدبية ليلعبوا بالكلمات على هواهم فيجعلونها قريبة من فكر الشباب، ومن هنا تقبلها بعض الشباب وصاروا يستشهدون بها في نقاشهم العقيم.
•أن النتائج العلمية لعلوم اللسانيات والاجتماعيات والطبيعيات والرياضيات والإنسانيات جاءت كلها متطابقة مع رؤى القرآن، أو قريبة منها.
جدير بالذكر أن الصراع مع الكنيسة كان قد ابتدأ في القرن السابع عشر، ولكنه لم يتبلور خلال القرون الثلاثة الأخيرة ليصل إلى مرحلة النتائج القطعية، لأن الكنيسة من جانبها وظفت التقدم العلمي لدعم منهجها في بعض المفاصل، فحصلت على دعم كبير، ولاسيما من العلماء المتدينين؛ الذين سخروا علومهم لدعم الموقف الكنسي ضد المناوئين.
يعني هذا أن الصراع المفتعل بين الإسلام وبعض النظريات المعاصرة التي أطلقها بعض المسلمين، الذين تأثروا بالمشروع الغربي، والتي آمن بها بعض الشباب، إنْ كتب لها الفوز في هذا الصراع، وهو أمر محال عقلا، فإنها لن تعطي أكلها إلا بعد قرون طويلة، وبالتالي سيبدو الشباب الذين اعتنقوا هذه الرؤى مجرد شباب طائشين شاذين عن مجتمعاتهم، وينظر إليهم بعين الشك والريبة، وحتى هم سيشعرون من جانبهم بخيبة كبيرة حينما لا يلمسون مخرجات لحراكهم على أرض الواقع، تسبب لهم حرجا لا ينتهي.
إن الناشطين المسلمين الذين تبنوا واجهة الصراع مع نظرية المعرفة الإسلامية، استندوا بعد فشلهم في توظيف العلم لتسقيط الإسلام إلى أمور ثانوية، هي أقرب إلى الروحانيات منها إلى الماديات العلمية، بل هي واقعا تكاد تكون في غاية البعد عن الماديات والعلوم الأخرى، بما يعني استحالة إجراء المقارنة بين المنهجين، ومن ذلك استنادهم إلى موضوع الأطروحة المهدوية، الذي جاء في كتاب (إشكاليات المجتمع العربي قراءة من منظور التحليل النفسي) لمصطفى صفوان قولهم حوله: "المفهوم الحقيقي للمهدي المنتظر يتمثل في إقامة العدالة وطرد الأشرار، هذا على مستوى الأسطورة الدينية، لكن الديمقراطية ترفض كل هذه الأمور الخرافية، وتشدد على التغيير انطلاقا من الفرد وصولا للحاكم والسلطة"
حيث وصفوا الأطروحة المهدوية بأنها (أسطورة دينية) دون أن يذكروا دليلا ملموسا واحدا يدل على ذلك، بل إن حديثهم عن عالمية أطروحة المنقذ بالرغم من كونه مقتضبا، جاء على خلاف ما أرادوا، فدعم الأطروحة، وعقلنها بدل أن يوهنها أو يؤثر على بريقها.
ثم وصفوا المعترض على هذه الأسطورة مثلما أسموها بأنه منظومة (الديمقراطية)، والخلاف واسع جدا بين المنهجين بما لا يسمح لأي مقارنة أو مقاربة ممكن أن يتم التوصل من خلالها إلى حل مقبول ومعقول، فالديمقراطية ذاتها لا زالت تتلقى الصدمات الحادة في مناطق كثيرة من العالم ولا زال التشكيك بجدواها فاعلا.
ومثلها كان حديثهم عن (الثقافة الدينية) في قولهم: "لا نجد في الثقافة الدينية مجالا للذاتية الفردية تتحرك فيه بحرية، إثباتا ونفيا، رفضا وقبولا، شكا وإيمانا. الذاتية ذائبة في الجماعة/ الأمة. خروجها إلى دين آخر أو إلى اللاتدين، إنما هو خروج من الأمة ذاتها. وبما أن اللاتدين نزعة طبيعية في الإنسان كمثل التدين، فإن هذه الثقافة إذ ترفض الذاتية والحرية الشخصية في التعبير باعتناق دين آخر أو باللاتدين تبدو وكأنها تحارب الطبيعة ذاتها".
فهذه الأقوال تؤكد أنهم يراهنون على المصطلحات التي تشوش على وعي الناشئة أكثر مما هي موارد علمية ثابتة يمكن الاعتماد عليها في تحصيل نتائج مقنعة، فضلا عن اتكاءهم على المنظور الديني لإثبات العكس، مثل اعترافهم بنزعة التدين لدى الإنسان، التي أضافوا لها نزعة اللاتدين لتكون قرينة، مع أن الإسلام لا يعترف بهذه النتيجة، فهو يؤمن أن الإنسان يولد وهو يؤمن بالله بالفطرة، بمعنى أن نزعة التدين إذا جازت التسمية تولد مع الإنسان، فلا هي نزعة كما أرادوا تصويرها، ولا مجال لتواجد الضدين الدين واللادين سوية.
لقد فات هؤلاء أنه منذ أواسط القرن الثامن عشر الميلادي والعالم الإسلامي كله كما قال الدكتور طه جابر العلواني في كتابه (الأزمة الفكرية المعاصرة؛ تشخيص ومقترحات وعلاج) مقلتع النوافذ والأبواب في وجه الفكر الغربي، والمنهج الغربي، والثقافة الغربية، والعلم الغربي، والحضارة الغربية، والفنون والآداب والأذواق والتقاليد الغربية بدرجات متفاوتة، فمنذ أن بدا الغربيون ينشئون كنائسهم التنصيرية وبجوارها أو بداخلها مدارسهم التعليمية في بيروت والقاهرة وبغداد والموصل والإسكندرية واسطنبول والحصون الإسلامية تتهاوى الواحد بعد الآخر. لكن ما النتيجة؟ ماذا حققوا بعد هذا الجهد الكبير؟ هل تمكنوا من محو أو تخريب نظرية المعرفة الإسلامية، أو نجحوا في تحجيم الدين، أو محوا الموروث الجمعي؟ أنا بالتأكيد لا أنكر أثر كل ذلك، ولكنه بالتأكيد أيضا لم يكن كما توقعوا بل لم يصل إلى 10 % مما كانوا يأملون الحصول عليه. ونجاح الإسلام في مواجهة هذا الغزو الفكري يثبت أن موضوع مصادرة الإسلام أو تحجيمه أو ركنه في غياهب المجهول أحد أكبر المستحيلات.
وكم دهشت من رأي الدكتور العلواني الذي ذهب فيه إلى أن هذا الغزو الثقافي، نجح في محو الشخصية الإسلامية بسبب انهيار مقوماتها الأساسية العقلية والنفسية. ومصدر دهشتي أن الدكتور نفسه عدد بعضا من هذه المقومات من خلال قوله: فالمقومات العقلية مبنية عند الإنسان المسلم فضلا عن الموهبة والاستعداد والوراثة والقدرة والملكات الثقافية والمعرفة والتصورات والفكر والتأملات والخبرات والتجارب والدراسات والتحليلات". ولا أعتقد أن أحد يتفق معه أن كل هذه المقومات انهارت بسبب الغزو وإلا لكان الإسلام قد انهار معها ولم يعد له وجود. نعم تأثر بعضها بالغزو ولكنه لم يسقط، فضلا عن صمود الكثير منها وعدم تأثره بالغزو. إن كل ما يمكن أن تقدمه مثل هذه الآراء السوداوية أنها توظف من قبل أصحاب المشاريع الخاصة لخداع الشباب وتصوير الإسلام لهم بأنه متهالك وسرعان ما سينهار قريبا وأن عليهم أن يبحثوا عن بديل حضاري معاصر يتخذونه عقيدة تدخل في محور هوية جمعية تمنحهم القوة وتساعدهم على الصمود.
خلاصة ما أريد قوله هو أن الإسلام باق إلى الأبد وانه مرشح اليوم ليكون أكبر قوة كونية، هذا ما دلت عليه الدراسات التخصصية في مختلف أرجاء العالم، ولاسيما بعد تنامي أعداد المسلمين في العالم الغربي، وان نظرية المعرفة الإسلامية التي صمدت كل هذه المدة لها قدرة الصمود إلى الأبد ولها قدرة التحدي ومجابهة الأفكار المنحرفة، وأن المصادفة أو الخدعة أو الغفلة التي وقع بعض الشباب في شباكها سوف تفتضح قريبا طالما أن العلماء قبل غيرهم كانوا سباقين في إثبات صحة نظرية المعرفة الإسلامية وصحة المنهج الإسلامي. ودعونا نتحدث قليلا عن هذا الجانب.
واقعا أنا لا أجد أجمل من المصادفة، إلا المصادفة التي تقود إلى الحقيقة، وخلال مراجعاتي الفكرية العميقة والطويلة، صادفتني الكثير من الحالات، التي تحدث فيها علماء مبرزون عن المصادفة؛ التي قادتهم إلى الحقيقة، وأنا أركِّز هنا على العلماء تبعا لما جاء في الآية في سورة فاطر: {إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ}. ومن قصص هذه المصادفات قصة وردت في كتاب (العلم يدعو للإيمان) عن طبيب التشريح الملحد؛ الذي أجلس ابنته الصغيرة في حضنه، فسرح نظره في هيئة أذنها، ولأنه طبيب تشريح، أخذ يستعرض تكوين الأذن علميا ابتداء من موضعها على جانب الرأس إلى الصيوان إلى الطبلة إلى عظام السمع والسائل السمعي وأعصاب السمع وصولا إلى الدماغ، وحينها قال: أيعقل أن يكون كل ذلك قد خلق اعتباطا؟ أيمكن أن تكون بهذا الكمال من دون صانع مقتدر؟ فآمن بالله تعالى وأصبح مسيحيا مؤمنا، وقد جاء إيمانه بسبب مصادفة جميلة.
والثانية قصة عالم البحار الفرنسي (جاك كوستو) الذي كان قد قرأ بالمصادفة آية في سورة الرحمن: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ . فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ثم أتيحت له الفرصة ليرى كل ذلك رأي العين
كان (جاك كوستو) عالم البحار والمحيطات والمخترع الفرنسي الشهير، قد ولد سنة 1910 وعمل في مجال علم البحار والمحيطات والأحياء البحرية والتقنيات الاستكشافية والتصويرية لأكثر من ستين عاماً.
وفي قمة عطائه، وبعد عودته من إحدى رحلاته التي رأى خلالها السر الكبير، وقف على منصة المؤتمر العلمي البحري العالمي في أكاديمية العلوم بمدينة باريس، أمام حشد كبير من العلماء والباحثين من كل دول العالم عام 1977م، وقال بكل جرأة وشجاعة: أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، إنني اكتشفت وجود برزخ وحاجز بين البحرين حين يلتقيان في نقاط التماس، في كل بحار العالم ومحيطاته، وهو عبارة عن بحر ثالث يختلف عن البحرين الملتقيين، فمثلا في مضيق جبل طارق ملتقى البحر المتوسط بالمحيط الأطلسي وفي مضيق باب المندب ملتقى البحر الأحمر بالبحر العربي والمحيط الهندي، وجدت وشاهدت ذلك البرزخ والفاصل والحاجز بين البحرين شاهدته بنفسي وصورته وتفحصته وتجولت في أطرافه وأعماقه، انه بحر آخر متفرد ومنفصل عن البحرين ببيئته وجوه ومائه وملوحته وأسماكه وحيواناته ونباتاته البحرية، وحرارته وضغطه وصفاته الفيزيائية والكيميائية، لا يشابه أيا من البحرين.
إن هذا البحر الذي أشار إليه القرآن بوضوح، له خصائصه التي يتفرد بها عن البحرين، وهذا التفرد الذي قدّره الله سبحانه في كل شيء، في الملوحة والكثافة وفي الأسماك وفي درجة الحرارة، بل الأمواج والأسماك لا تدخل هذا الفاصل أبداً.
وكان من المتوقع أن نجد اختلاط البحرين وامتزاجهما وتشابههما، حسب نظرية الأواني المستطرقة المعروفة، ولكننا وجدنا الحقيقة غير ذلك.. فمن علم محمدا (صلى الله عليه وآله) تلك الحقيقة العلمية الحديثة التي تعرفنا عليها واكتشفناها اليوم.. انه الله.. الله سبحانه. فكان اطلاع العالم على هذه الآية المباركة عن طريق المصادفة سببا في إسلامه.
والقصة الثالثة عن مصادفة جميلة ثالثة بطلها عالم فضاء اسمه (كارنار) وهو من أبرز علماء الفضاء الأمريكان. لم يتمالك نفسه عندما قاده علمه إلى شاهد جديد في الفضاء ليبلغه أن الإسلام هو دين الحق، وذلك عندما أثبت أن الأشعة الكونية بالغلاف الجوي بالأرض أخطر بكثير من الأشعة النووية، وأنه لا يمكن اختراق هذه الأشعة من قبل المركبات الفضائية إذ تتعرض للحرق، إلا عن طريق نافذة واحدة في هذا الغلاف، والتي تم اكتشافها تحت مسمى شباك (وان ألان)، ليكتشف كارنار بعد ذلك عن طريق المصادفة أن الشباك أو الباب مذكور في سورة الحجر: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ . لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} ليعلن إسلامه على الفور مضحياً بوظيفته في وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا).
والمصادفة الجميلة الأخرى وقعت مع أول رائد فضاء روسي هو (يوري كاكارين) الذي كان قد سمع عن طريق المصادفة الآية في سورة الرحمن: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ . فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ . فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}وفهم معناها، ثمن لما أطلق إلى القمر وصلت مركبته إلى مكان جابهتهم فيه كمية من شظايا معدنية ودخان كثيف، فتذكر الآية وأطلق صرخته الخالدة: الآن آمنت بالله. حيث قادته المصادفة إلى الإيمان.
أنت لابد وأن واجهتك الكثير من المصادفات التي لم تلتفت إليها أو لم تنتبه إلى أهميتها والآن يمكنك تذكر بعضها والوقوف عندها وستجد أنها ليست مصادفة بقدر كونها آية من آيات الله تعالى، أرسلها إليك لأنه يحبك، أما تلك الدعوات التي تحاول إغوائك وإغرائك فإنها آيات شيطانية فأحذرها لتنجوا من العذاب.
1698 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع