حسن ميسر صالح الأمين
(أقوال من أجل الموصل في محنتها ومستقبلها - 16)
مصباح وهاج مُضيء ، يشعُ نورًا وعلمًا ويفيضُ عطاءًا وصدقًا ، يقطرُ الإخلاص والوفاء من مُحّياه ، ملئُ جبينه تقوى وعلم ودين وخُلق ، أبن بار للموصل وأهلها ولأبنائها وطلابها وطالباتها ، إذا حل في مكان زاده عطرًا وفاح المسك بقدومه وإذا غادر بقي المسك والعطر فواحًا بعبق حضوره ، عشق التدريس والمدارس وتنقل في أكثرها ، زرع العلم في أدمغة شبابها وشاباتها وغرس فيهم كل القيم والمبادئ الأخلاقية ، والد لطلبته وطالباته وقدوة لهم في الجد والإخلاص والمثابرة ، قدوتي وأستاذي ومعلمي الأستاذ القدير (عصام عبد يحيى) ، مواليد الموصل ، محلة شيخ ابو العلاء عام (1946) ودرس في مدارسها وأنهى دراسته في الأعدادية الشرقية للبنين .
كانت له محطات وإهتمامات بعد الدراسة الأعدادية وقبل المرحلة الجامعية تستوجب الوقوف عندها والإشارة إليها منها (إهتمامه الكبير بمتابعة وسماع اخبار العدوان الثلاثي على مصر عام (1956) وهو بعمر غض حيث كان يتابع محطات الاذاعة التي تبث أخبار الصراع الى ما بعد منتصف الليل وكذلك مشاركته في المظاهرات الحاشدة التي انطلقت في شوارع الموصل استنكارًا للعدوان الثلاثي ودعمًا للمقاومة الباسلة في بور سعيد مع تلاميذ المدارس الابتدائية التي كانت تتخلل الحشود المتظاهرة ، وعند اعلان ثورة (14 تموز 1958) كان بصحبة والده رحمه الله حاضرًا عندما أحتشد الآلاف من أهالي الموصل أمام مكتب المحاميين (قاسم المفتي وغربي الحاج احمد - رحمهما الله) في منطقة البريد القديم وسماعه للكلمات الحماسية التي أُلقيت وقتئذ وبعدها واكب المظاهرات الحاشدة التي انطلقت من هناك الى حديقة الشهداء ، واكب وشاهد بأم عينيه وهو في سن الثالثة عشر من العمر ما جرى في أحداث حركة الشواف التي انطلقت صباح يوم الاحد (8/اذار 1959) وما رافقها من كوارث ، حيث سحل الجثث في الشوارع وحرقها وتعليق البعض منها على أعمدة الكهرباء ، شارك في تشييع شهداء الجيش العراقي بدموع منهمره حزنًا وألمًا على الشهداء الذين تم اعدامهم في ساحة ام الطبول في (25 آب 1959) والذي جرى في الموصل ولا يزال يذكر ما كان يرددوه المتظاهرون من شعار وهو ( الله أكبر يا عرب شباننا جتلوها) ، شارك مع الآلاف من شباب مدينة الموصل في المظاهرات الحاشدة التي جرت في بغداد في (8 اذار 1963) بمناسبة مرور (شهر على ثورة 14 رمضان ) وسقوط الزعيم الأوحد عبد الكريم قاسم ، وغيرها الكثير ولا مجال لذكرها .
تخرج من جامعة الموصل ، كلية العلوم ، قسم الفيزياء (الدورة الاولى) سنة (1968) ليباشر مهامه الوظيفية التدريسية عام (1969) مدرسًا لمادتي الفيزياء و الرياضيات في متوسطة الجزيرة في تلعفر حتى اذار (1970) حيث تم نقله للعمل في متوسطة الحرية للبنين في الموصل ، ولأسباب خاصة ترك الدوام وغادر العراق عام (1970) حتى عام ( 1973) حيث صدر امر وزاري بإعادة تعيينه كمدرس (بناءً على طلبه) بعد أن تم تخييره بأية وظيفة أخرى وباشر عمله في متوسطة بادوش منذ نقلت خدماته عام ( 1975) الى اعدادية المستقبل والى نهاية الثمانينات وكان في الوقت ذاته محاضرًا في عددٍ من مدارس البنات في الموصل منها (متوسطة الحرية , متوسطة الجزائر المسائية ، متوسطة البعث (المتميزات) , اعدادية خديجة الكبرى ، اعدادية الاندلس ، اعدادية قرطبة ، اعدادية بلقيس ، اعدادية الزهور) .
اشترك بدورة مكثفة خاصة بماده الحاسوب في جامعة الموصل ولمدة ثلاث أشهر وبسبب خلفيته العلمية ومتابعته العلمية اصبح مؤهلًا لتدريس مادة الحاسوب في المدارس الأعدادية ، إضافةً لمشاركته في العديد من الدورات المقامة الخاصة بمواضيع (الرياضيات المعاصرة ، مشروع استكمال تدريب المدرسين بالمراسلة ، الفيزياء ، قادة الأجهزة التربوية ، الحاسوب) والتي كانت تعقد داخل المحافظة وخارجها في (وحدة الاعداد والتدريب في تربية نينوى ، التعليم المستمر في جامعة الموصل ، معهد التدريب و التطوير التربوي في وزارة التربية) ، وكذلك مشاركته في المؤتمر العلمي الثاني في اتحاد الطلبة و الشباب عام (1986) ، ومشاركته في تقييم ومناقشة بحوث المؤتمر العلمي لطلبة الأعداديات عام (1990) .
إضافة إلى العديد من النشاطات التربوية ذات العلاقة بالعملية التدريسية في الموصل وتطويرها وإعداد التدريسيين منها (اقامة العديد من الدورات لمدرسي الفيزياء في الفيزياء العملية ، مشاركته في عمليتي التعداد السكاني للأعوام (1977 ،1987) ، مشاركته في إعداد المعلومات الاحصائية الخاصة بزوجات شهداء معركة القادسية في جنوب الموصل في دراسة خاصة بناء على طلب ديوان رئاسة الجمهورية ، عضو مركز فحص الدراسة المتوسطة من عام (1982 الى 1993) .
تدرج وحسب الإستحقاق في العنوان الوظيفي وتم تغيير عنوانه الوظيفي من مدرس الى مشرف اختصاصي تربوي ، ثم اختصاصي أول ، ثم اختصاصي أقدم في عام (1997) .
شغل المناصب التالية (معاون مدير مركز فحص الدراسة الاعدادية ، عضوية اللجنة الفرعية لإدارة الامتحانات الموحدة للصفوف غير المنتهية وكان حلقة الوصل بين هذه اللجنة ومراكز الفحص المنتشرة في مركز وخارج مركز المحافظة وحتى الإحتلال في (2003) ، وعقب أحداث عام (2003) كان عضوًا في اللجنة المشكلة من خيرة رجالات التربية ومخلصيها والتي أخذت على عاتقها العمل على الإسراع بإعادة الدوام إلى مدارس محافظة نينوى بعد إنهيار مؤسسات الدولة ومنها المديرية العامة للتربية ، حيث تم حرق مبنى المديرية ولكن بقدرة الله وعنايته لم ينال الحريق من أضابير المنتسبين ولا ارشيف نتائج الامتحانات العامة ، كأن حب العلم ومنزلة التعليم وقدسيته لدى أهالي نينوى والموصل هي التي كانت وراء نجاح اللجنة في عملها وبإمكانيات شبه معدومة ولا تكاد تذكر ، وقد شَهِدَ القائم بأعمال وزير التربية وقتئذ في أحد اللقاءات معه بأعمال هذه اللجنة حين قال موجهًا حديثة للجنه (أنكم في الموصل قد قمتم بإحراجنا في عودة الدوام الى المدارس وإستمرار السنة الدراسية (2003 - 2004) وعدم الغائها . تولى منصب مدير الامتحانات وعضوية اللجنة الفرعية للامتحانات العامة عام (2003) ، ثم منصب مدير الامتحانات وعضوية اللجنة الفرعية للامتحانات العامة عام (2003) ، ثم مدير قسم التخطيط وكالة بالإضافة الى مديرية الامتحانات عام (2005) ، ثم معاون المدير العام لتربية نينوى منذ عام (2005) وخلال هذا المنصب تم تكليفه بمهام مدير عام التربية لفترة محددة عام (2006) ثم تكليفه بالمهام ذاتها مرة ثانية في شهر آب عام (2009) ولغاية احالته على التقاعد لإكمال السن القانوني في نفس السنة .
شهدت حياته الوظيفية وعلى طول سنوات خدمته التي تجاوزت (40) عامًا على العديد من المكافئات والجوائز التقديرية لجهوده المخلصة وعلى أكثر من (100) كتاب شكر وتقدير .
امتلكني شعور كبير بالسعادة والسرور وانا اكتب عن من علمني حرفًا وملكني عبدًا وهو الأستاذ الفاضل عصام (استاذي وقدوتي ومعلمي) الذي تشرفت بان أكون احد طلابه في أعدادية المستقبل ونهلت منه مادة علم الفيزياء ، اخذنا منه الكثير واقتدينا به اكثر في حياتنا العملية ، علّمنا ما افادنا به وقدم لنا خدمة جليلة كانت نبراسًا مضيئًا للدرب فيما بعد ، غمرنا بعطفه وحبانا برعايته ، كان لجميع الطلاب نِعم الأخ ونِعم المربي ونِعم الموجه ونِعم المرشد ونِعم الأستاذ ، كيس ، فطن ، صبور ، هادئ الطبع ، نصوح ، متواضع إلى حد كبير ، يسمع للجميع ويعطي رايه السديد في أي مشكلة أو صِعاب ، محبوب من جميع طلابه وزملاؤه المدرسين ، علمّنا معنى التنافس وكيفية التغلب على الصعاب وطريقة الإرتقاء في الدراسة وحصد الدرجات ، كانت المادة التي درسناها على يديه وقتئذ غاية في الصعوبة ولكن أسلوبه التدريسي جعلها المادة الأبسط والأسهل ، وجعلنا نحن طلبته لا نحب مفارقة دروسه ، وما زلت اذكر يوم أتخذ مدير المدرسة آنذاك (الاستاذ ابراهيم محل حمادي) قرارا بإبعاده عن تدريس مادة الفيزياء ليتفرغ لإلقاء المحاضرات في مدارس أخرى ، فما كان مني إلا إصطحاب مجموعه من الطلبة والتوجه للإدارة والنقاش الذي طغت عليه العصبية والتوتر مع المدير حينها ومن ثم التوجه إلى مديرية التربية وتقديم شكوى هناك والإصرار على عدم الدوام ، بل وقدمنا طلبات نقل إلى مدارس اخرى وبقينا مصرين على ذلك إلى أن تم العدول عن القرار بعد تدخل أولياء الأمور وأشخاص من مديرية التربية وعدنا للدوام بعد (4) ايام من الإنقطاع .
كان نِعمَ الشاهد على ما حل بالموصل وأهلها إذ آثر البقاء فيها ولم يغادرها رغم قسوة ما جرى عليها فيما ولت من ثلاث سنين عِجاف ، وكان قريبًا من هول مصابها ، وأمضى معظم تلك الفترة في داره يراقب الأحداث ويتتبع مجرياتها ويتأمل سرعة زوال الخطر الذي لحِقَ بها ، مستغرقًا في الصلاة و قراءة القرآن والدعاء لها ولأهلها بالنجاة والخلاص وكذلك مطالعة الكتب لمختلف التخصصات ، ويئن حزنًا على تلاميذها وطلابها وهم جليسوا البيوت ومبعدين عن المدارس والتعليم ، فما إن تنفس الصعداء وأدهشته مناظر الدمار الذي خَلّفها الدواعش الأنجاس وما لحق بالموصل من قتل وتدمير للبنى التحتية وما رافق عمليات التحرير ، ومن ثم ما شاهده من إندفاع شبابها وشاباتها للعمل التطوعي وشغفهم بالعودة إلى مقاعد الدراسة ومواصلة العلم والتعلم ، إلا وأنبرى ليأخذ دوره التربوي في التوجيه السليم في واحدة من أصعب المراحل وأشد الأوقات وأحلك الظروف ، فقال في كلمات وجهها لشباب وشابات الموصل ومن خلالهم لكل من أصيب بالإحباط واليأس بعد تلك الظروف العصيبة والأليمة ما نصه (ستنهض الموصل من بين الأنقاض بإذن الله ثم بهمة وسواعد وفكر وإبداع أبنائها وبناتها الذين تعايشت معهم كطلبة لمدة تجاوزت (40) عامًا ولا زلت أتعايش معهم ، لقد كنت وما زلت على يقين بأنه إذا ما أتيحت لشباب وشابات الموصل ، الفرصة المناسبة وبإدارة الحكماء من أهلها فسيجعلون من مدينة الموصل منارة متميزة في الشرق الأوسط يتسابق اليها العلماء والفنانون والأدباء من مختلف أنحاء العالم ، أنا لا أتحدث عن حلم بل عن واقع سيتحقق بإذنه تعالى لأني أعرف يقينا مدى تعدد وتنوع كفاءات شباب الموصل الذين هم متميزون أينما وُجِدوا في مدن العالم ولهم مكانتهم الرفيعة بعملهم واخلاصهم وذكائهم فلهم كل الحب والاعتزاز والفخر وكلمتي لهم مدينتكم تناديكم يا خير من أنجبت نساء الموصل) .
لقد أخترت مقولته كما في الصورة أدناه وهي عبارة عن فقرة مجتزأة من كلماته أعلاه ، أضعها أمامكم سادتي الكرام متمنيًا أن تنال رضاكم وأن تأخذ صداها كمقولة وحكمة صادرة من رجل نبيل وأستاذ قدير ومربٍ فاضل يُكِنُ كل الحب لمدينته وأهلها ، وأرى فيها حكمة بالغه ودافعًا معنويًا كبير للشباب والشابات من اهل مدينتي العزيزة الموصل الحدباء على الإستمرار وبدافعهم الوطني والغيور على مواصلة خدمة الموصل وأهلها من خلال اعمالهم التطوعية التي يشهد لها الجميع والتي أنبرى لها شباب الموصل وشاباتها الأصلاء والمتمثلة بحملات التنظيف وإزالة الأنقاض وحملات المكتبة المركزية وجمع الكتب وإقامة المهرجانات وغيرها .
يحدوني الأمل السعيد بمشاركتكم وتفاعلكم مع المقولة ومضمونها وإبداء رأيكم السديد بخصوصها وتقبلوا وافر الإحترام والتقدير.
حسن ميسر صالح الأمين
18/9/2017
والمقولة هي :
إذا ما أتيحت لشباب وشابات الموصل ، الفرصة المناسبة وبإدارة الحكماء من أهلها فسيجعلون من مدينة الموصل منارة متميزة في الشرق الأوسط يتسابق اليها العلماء و الفنانون والأدباء من مختلف أنحاء العالم .
الأستاذ
عصام عبد يحيى
* لقراءة المقال ومتابعة التعليقات على رابط المقال في الفيس بوك :
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=10213587965634683&id=1269245661
3278 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع