بقلم: د. منير موسى
أنسام الرِّهام ديوان شعر كامل
{ من خلال قراءتي لقصائد منير موسى باللّغة الإيطاليّة، أقول: إنّه إنسان مليء بالحبّ، يرى في كلّ الأشياء حبًّا. شاعر الحبّ غير المحدود، الحبّ الإنسانيّ، الحبّ للطّبيعة والتّفاعل معها، إنّه مليء بالمحبّة، وهو شاعر جدير بالتّرجمة. أريد أن أزور الأرض المقدّسة، أريد التّعرّف على ناسها}
رأي الشّاعرة والنّاقدة الإيطاليّة المعاصرة
ميلينا ميلاني
مجلّة جازيتينو دي فينيتسيا
*
{أشعار منير موسى تصوير للمعاناة البشريّة في شتّى صورها بقالب شعريّ رشيق. وهي تعبير عن الكرامة الإنسانيّة والسّعادة. وقد اكتسبت صفة العالميّة، عندما ترجمت إلى اللّغة الإيطاليّة}
د. صلاح محاميد/ صحيفة ألتو أديدجي- إيطاليا
شعوب الأرض
يا شعوب الأرض آخي واستنيري
واجنحي للسّلم، موسيقى العبير
اتركي شرّ الحروب، ظلمها
نادمي الفجر بقلب وضمير
عطر أشواق، شموس كوننا
انشروا الحقّ وباقات الزّهورِ
جبال الجليل
فجر ناصع ناهض من أحلام اللّيل البيضاء
مشرق معانق زهْوَك، شمّاء أنت خضراء
متّشحة بالسّرّيس والسّنديان والرّيحان
شغف الأيائل وسحر الأصيل
عذوبة
في تفتّح أزهار شجرة الحنّاء
الحانية عليها أزهار اللّيمون
في فوح رحيق وردة الرّيحة وزهرة الكالونيا
المغروسة في حديقة الدّارعذوبة الطّبيعة
*
في محبّة الجار للجار، في السّلام بين الأنام
في أخوّة الشّعوب، حياة العذوبة وعذوبة الحياة
حضارة
تقدّم العلم، تقدّمنا، وصار شعارًا للمناصب والزّعامات والكبرياء
وضاع أساس الثّقافة، ولا زلنا نزحف زحفًا
نحو الرّقيّ بدون النّضارة، خسارة حضارة...
*
مكتبة البيت أشرطة شتّى، تجارة تكتسح الأسواق
نسينا الكتاب، معلّم الآداب، فأين الشّطارة؟ حضارة
*
الشّغل الشّاغل تغيير موديل السّيّارة
وأخبار البورصة وسعر الدّولار
وأصبح الجار لا يعرف جاره، فأيّة مهارة؟ حضارة...
*
في الصّيف منتزهات، في الشتاء عمّادات
قصف، رقص عشوائيّ، أضواء، مشروبات
موسيقى وموديلات، والنّفس أمّارة، حضارة...
*
تركنا الفضائل، ومآثر الأجداد، وصرنا نعرج عرجًا
في أفضل العادات، تسيّست المحاضرات والنّدوات
تحكّمت الغايات والتّحزّبات، عُمنا على شبر ماء
بطرنا بالشّهادات، استعرت حروب المراكز والسّيادات
باسم التّقدّم باسم الوطن، حضارة...
*
تقدّم العلم، تقدّمنا بسرعة الطيّارة، فلا تكفي العبارة
*
وتحنّ النّاي للنّهوند وتقاسيم القيثارة
وتزقزق العصافير على أوتارها
وتتابع عزفها، ويسقط الزّيف، وتخضرّ الحضارة
بلادي قصيدة
قال المغنّي: أنا من دفقة المحيطات بحر مرجان، وخليج ياقوت
ومن ضحكة الأنهار شلّال وسيل زاخرُ
*
أنفاسي اخضرار العشب، ومن الورود ألحاظي
وطيبي من غار الوطن، ونشيدي أفراح شعبي
وحبّي كلّ الشّعوب
*
أنا بعض من الزّواحف والطّيور
وخيط من شعاع الشّمس والنّور
ولحن في معزوفة الرّيح والقمح، ما أضعت جذوري
*
وقال المغنّي: أنا من مواويل الحصاد موّال حنين
غصن موشّحة ربيعيّة، دمعة من قطرات المطر
وجناح ريح
*
أنا بسمة الرّبيع وشوق الخريف
وبعض من سمار القمح وجهي
تسكن عينيّ البساتينُ، وجسمي أحرف، كلمات وآه
وبلادي قصيدةّ
صار دكتورًا
صار دكتورًا، ومزّق البطاقة
صحب الشّقراء، وسار تيهًا
مشكّكًا في أبناء جلدته
شائحًا عنهم معقّدًا ناسيا فوكلور التّحيّة
*
هاربًا من محيطه وفي جيبه مال الأراضي
وما تعب، ومن يناديه باسمه
فعنده ما من جواب
*
لِمامًا يزور مَحتِده، عشق الغليون زمنًا
إنّه مثقّف وطنيّ في زمن
تداعى به زيف الوطنيّة
*
صار دكتورًا، ومزّق البطاقة
Venusفينوس
عندما غنّيت لسندس السّوسنة
في ديوان نجمة الصّبح
ما كنتِ بعيدة عن رؤاي
ولمّا أشرقتِ من بين أزهار الغلس الحالم
بان لعينيّ ذاك الشَّعر الغِزلانيّ المائج
جوقات الحساسين لا تبرح الأشجار
حول الدّار، عصافير الخُضاريّ
على نافذتك، تتعلّم الغناء وتزداد جمالًا
*
عندما رنوت لقبة السّماء
الزّرقاء العجيبة الخلّابة
قلت، سبحان الخالق الخلّاق
كوكب الصّبح يتلألأ ، ويشعّ
مزهرًا على الكون، وتكون فينوس
* فينوس هي ابنة الشّاعر
دوني
الغزال السّابح
خصال شعره عسجديّة رقراقة
وجه الملاك بعينيه السّاحرتين
الصّمعاويْن، فيهما غناء الهزارات
وجرأة الغضنفر المزهوّ
دوني شقائق النّعمان
والزّقوقو أماليد السّنديان
نفحات ورود، زنابق، عصافير وأشجار الجليل
* دوني هو أدونيس ابن الشّاعر
هُويّتي
حرّية الأزهار والعصافير، حرّيّة البحر والقمر
والكواكب السّيارة حرّيّتي، وكلّ شعوب الأرض هويّتي
*
لست منتميًا لحزب، لجماعة
ولا لعادات القبائل
لست فئويًا وعبدا، لست غِرًّا وفَدما
*
أبناءَ البلد الواحد، إخوة وجيران العمر
ذقتم الشّقاء ومُرّ الحياة معًا
من ذات النّبع تنهلون، اتّحدوا في الإنسانيّة
باقة ورد فوّاحة، مدماكًا في صرح الحضارة
*
لنا الشّمس جميعًا، المطر والسّنابل
عذاب حبّ الحياة وعذوبتها
*
حرّيّة البحار والأنهار، اللّيل والنّهار حرّيّتي
وكلّ شعوب الأرض هُويّتي
بالونات
أمقت الزّيف، الادّعاء والكبرياء
والبالونات المنفوخة بالعلم، الشّحم والدّولار
وبريق الحضارة الزّائفة والقذارة المتلفّعة بالجمال
تغريد
عندما يغرّد العندليب على كرومنا الخضراء
ترقص جوقات الفراش جاذلة
*
عندما يغنّي العندليب بين كروم الكرمة
لايفتح غير منقاره الصّغير المنمنم
وسلّمه الموسيقيّ عجيب
*
عندما يغرّد مطربو المنتزهات
على رائحة الكحول السّافحة
لا تسمع غير صخب، ضجيج وصياح
وأغان تافهة ساذجة
تصاحبها رقصات عشوائيّة مختلسة
*
عندما يغرّد مطربو الأعراس
تهرب جميع العنادل
ونحتاج جميعًا لفحص في الأذواق
وكشف لدى طبيب الأذنين
*
عندما يغنّي البلبل على الدّوالي المائسة
لا يفتح غير منقار حلو، يُسمع صوت الحرّيّة
الكرة الأرضيّة
ليت الكرة الأرضيّة تبقى تتلألأ
بفرحة كأس العالم، ليت شعوب الدّنيا
ترقى للسّلم، وتعشق سحر الكون الحالم
وتسير بحب الحكيم العالِم
العالَم الحالم
احفظوه، ايّها المفكّرون الحكماء
من هفوة العلماء ونقمة المُسيّسين المهووسين
لا تسمحوا للظّلام أن يغرق هذا العالم
الرّومانسيّ الفتّان، قفوا بوجه الأعاصير
كي تبقى أحياء الأرض، كي يحيا الإنسان
*
الأسلحة النّوويّة لكم بالمرصاد
فافتحوا عيونكم، واحذروا
نور
كثيرة هي دور العبادة المزخرفة الشّاهقة
المطاوِلة عَنان السّماء، كثيرون هم الملحدون
قليلون هم المصلّون
الدّين ليس للفِرق، الشّيع والطّوائف
ليس للأنانيّين المتعصّبين، للمتّضعين، لا للمتكبّرين
متزمّت فئويّ أعمى، ربّما تشتمني
ويبقى الحقّ، النّور والمحبّة
براعم الكرز
براعم الكرز تتمايل لامعة في شمس آذار
أزهار اللّيمون ترسل رحيقها المتضوّع
مع النّسائم الباردة ، جوقة النّحل ترسو
على فروعها
مَن أنصع بياضًا، تلك البراعم، أم قلب الإنسان؟
وجدان
عندما تكبر النّفس، يرتقي الشّعب
فوق كلّ الطّبقات الرّاقية
يتحرّر من العبوديّة، ولا يُشترى فيما بعد
يحطّم قيود الجهل، ويشرق نور الحرّيّة
في قلبه، في وجدانه
ديمقراطيّة
ربما يُعجب في كلماتي نصف الجمهور القارئ
ويشيح عنها العالمون بكلّ شيء
مدمنو السّلافة المرقرقة
الضاحكون ضحكة وطنيّة
*
أكتب لحاملي المعول والكتاب
للعمّال والفلّاحين
المنشدين للسّنابل، للبسطاء المتّضعين
للمشرّدين من أبناء شعبي
وكلّ الشّعوب
وادي المجنوني
ودّعت الشّلّال الأزرق في وادي المَشتى
وادي المجنوني الرّقراق بعطر السّريس
الفيجن، الزّعتر والميراميّة بطيب الرّيحان المنفوح
من أرض المُغراقة، الجبيلات، النّزلة والنّواسيّة
ومن زيتون بو صرار، وعانقت فجر الصّيف
وانبلاج أعاجيب النّهار والقمح العسجديّ
والذّرة اليانعة المغرّد عليها الخُضاريّ
في المناصير والزّعارير، في السُّتّريّات والعسّافيّات
في بو سُنّيري وأرض الكلب
بشعاب الوعر وأرض السّهل
وقفت، نظرت، رنوت، وتامّلت البساتين والحقول
طيور جذلى، زنابق وثمار، عصافير وأشجار
وفي بعض بقاع العالم حرب ودمار، ورد وقتاد
عوسج وغابات بنفسج ومشاريع سلام
لكن، يبقى جمال الكون، والعالم رومانسيّ حالم فتّان
*
تجاوزت السّياسة، الحمائليّة والعداوة
واحترفت عشق الحياة
تجاوزت واشنطن وموسكو والقارّات السّبع
حرّيّة، ديمقراطيّة، اشتراكيّة، كلمات في الكتب، لا غير
خنقتها الأثَرة والأطماع، شعوب ضحّت، جاعت
غافلها زمن الشّر، عادت تبحث عن ذاك الحقّ
وذاك العدل، لا شرق، ولا غرب
رأس المال هو الإنسان، والنّاس سواسية إخوان
في القوميّة، الجنسيّة والدّين
للإنسان الحرّيّة والخير، الغِلّة، أسماك البحر
طيور وحيوانات البرّ، المَحار والمُرجان
الأودية والأنهار، كلّ صباح مشرق
الكواكب وهدوء اللّيل
للإنسان الكون الواسع كلّ الدّنيا
تحيا الأخوّة، عاش الحبّ
عاشت كلّ شعوب الأرض!
مشاهير
معروفون مجهولون، يحبّون النّاس
توّاقون للنّفوذ والسّلطان، يشار إليهم بالبَنان
*
مشاهير الرّجال، منهم الأفذاذ
العلماء، العظماء والأنبياء
*
مشاهير الرّجال فوق المادّة والصّغائر
لا يتقنون جمع المال
المهذّبون
المهذّبون الرّاقون وطنيّون جدًا
في المأكل والمشرب يتفنّنون
في تسريحة الشعر يتأنّقون
في التّبختر، الكلام والسّلام
فأين من عطفهم المعدَمون؟
خمسون
خمسون ألف رأس نوويّ لمن؟
يتغلغل في جسم الكرة الأرضيّة
تترصّد لهذا العالم الصّاخب بروعته
الرّائع بصخبه، لك أنت في عزّ أحلامك
*
لمن كلّ هذا، أيّها السّاسة والعلماء
أيّها الرّؤساء والجنرالات؟
ألهذا الكوكب المشرق؟ لهذه الطّبيعة الأخّاذة؟
للأزهار والنّحل والفراش؟ لسحر الجمال، لبراءة الأطفال؟
للنّسائم المنعشة، الرّذاذ، النّدى وأهداب الفجر؟
خمسون ألف رأس نوويّ، قفوا، تأمّلوا، واعتبروا
اقذفوا بها إلى البحر، واصغوا لأصوات الطّيور
عند انبلاج الصّبح في خمسين ألف حديقة جديدة
إنسان العصر
لك هذا الكون الموشّى بالنّجوم البلّوريّة، لك القمر والنّجوم
هذا البحر الواسع بحر اللّآلئ الأزرق المعطار
العميق الأسرار
*
لك كلّ هذه الجبال الشامخة المخضوضرة
وغابات الأغاريد الورديّة العطرة
ومَماريع الأرض
*
لك النّهار السّاطع وشمس الحياة
فماذا تريد بعد؟ لماذا تغرز جسم الكرة الأرضيّة بالصّواريخ؟
لماذا تحرق الحقول والكروم وأخاك الإنسان؟
أين العلوم والفلسفات؟ اعلم، عدوّ نفسك أنت
والإنسانيّة، وسليب الرّحمة والمحبّة
فحص
كثيرون هم الجُناة والمتّهمون، لكنّ الأبرياء أكثر
من يصفح عنهمء؟ من يفحص براءة المذنبين؟
الوحوش المتحضّرة
(حينما كانوا يقصفون الصّبيّة بيروت-عقدتهم-بوحشيّة)
حينما تقصفون المدن الآمنة
الحالمة بالشّمس والحياة في رابعة النّهار
في سكون الليّل المضاء بأحلام الأطفال
حينما تهدمونها، تنسون مدنكم وأولادكم
- يا طغاة - وقيمة الإنسان ومعنى الحياة؟
أيّتها الوحوش المتحضّرة، نعم، ستخافين من الغد
سماء النّجوم وأرض الكُلوم
خليلة ضحكات النّجوم حرمتِني من وَدَق سجيمِ
عاثوا منتهزين وجومي، أمطاري في حال الحجيم
الحقّ هدروا في تخومي، وربوعي بالخضِر العميم
بحرابهم أردتهمُ كلومي، نكثوا عهد الخِلّ الحميم
فأنت تُؤْمي في الحلوم، من فاغ غابرنا فغيمِ
حصافة
إذا كنت مداهنًا، تكاثر المُغرضونا
لكن إلى أحبان، فالخيبة يجرجرونا
على الضّمير تساوم؛ كي تشرئب وتهونا؟
منفعة وصلافة؛ كي تشتري الشّجونا؟
أبقَى لك ابن شعبك، قد رغته مَهينا
تعرى بلا ثياب، وقد تباكي السّنينا
4206 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع