د.صالح الطائي
حديث صريح في تقرير مصير الأكراد
يتوزع الأكراد في مناطق محددة من العراق وسوريا والأردن وتركيا وإيران، في مناطق متجاورة تلتقي مع بعضها لتكون حاضنا جغرافيا وتاريخيا، يبدو ظاهرا وكأنه وحدة واحدة، لمكون واحد. وعلى مر التاريخ كان هذا الحاضن الجغرافي مصدر قلق للدول التي يتقاسم الوجود معها، ومنبع صراع دموي طويل، وقد تسبب ذلك في هدر طاقات وقدرات وموارد وإمكانيات، فضلا عن العداء والكراهية التي زرعها بين المكونات، وهي كلها عوامل تدعو إلى وضع حد لهذا التهاتر الدموي المستمر، كأن تكون دعوة مشتركة إلى الاستقلال، أو بناء كيانات تكون لها هويتها الخاصة التي لا تشارك الأصل الذي انشقت عنه بأي سمة كانت، مثلما يحدث اليوم في العراق، حيث يطالب الأكراد بالانفصال، وتأسيس دولة كردية مستقلة. وحتى وإن لم يعلن ذلك الهدف (الاستقلال الكامل) في الخطاب اللحظي جهارا، فإنه أحد أهم الأهداف على المستوى المستقبلي البعيد نسبيا.
لقد تعرض مشروع الاستقلال الكردي المعلن في شمال العراق حاليا إلى الكثير من الاعتراضات وعلى كل المستويات، ابتداءً من المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) مرورا بالدول العظمى أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا، وصولا إلى جامعة الدول العربية وبعض البلدان العربية، وتمركزا في الحكومة العراقية وبعض الأحزاب السياسية العراقية. بعضهم يطالب بإلغاء الاستفتاء وبعضهم يطالب بتأجيله والآخر يعلن عدم شرعيته، وآخرون يرون أنه جاء في وقت غير مناسب، وهناك من يرى أن الكرد أنفسهم غير مؤهلين للتمتع بهذا الامتياز!
إن رفض إجراء الاستفتاء أو المطالبة بتأجيله ليس الحل الأمثل لمشكلة تاريخية متجذرة، تهم عدة بلدان، ومساحة جغرافية واسعة، ووجود بشري كبير يُقدَّر بالملايين، فالرفض ليس أكثر من ترحيل للمشكلة لا أكثر في جزء من هذا التكوين، وهذا يعني أن إمكانية انطلاق دعوات مشابهة لدعوة القسم العراقي؛ في سوريا أو تركيا أو إيران أمر محتمل غير مستبعد، بما يعني أن تجدد عيش حالة الترقب والتوجس والخوف غير مستبعد بالمرة، وقد تتفق منطقتان أو أكثر لإعلان الاستقلال مما يخلق مشكلة في أكثر من بلد، وبالنتيجة أجد أن ليس العراق وأكراده معنيون بهذه المشكلة فحسب بل العالم كله معني بها لما تمثله من خطر على السلم الدولي.
إن العالم لم يعد كما كان عليه، والقيم والمفاهيم والمصطلحات تتغير يوميا وكأن العالم يسعى وراء سيرورة جديدة تختلف عن كل مناهجه القديمة، حتى البلدان لم يعد لها ذلك الألق التاريخي في النفوس، وهو ما دفع شرائح محدودة من أبناء شعوبنا يُعَوَل عليها أن تسهم في البناء والإعمار إلى الهجرة ومغادرة البلدان، وكأنه هروب منظم في ساعة العسرة، وأن تبقى بعض المجاميع البشرية عالقة في مشروع تاريخي من مشاريعها، سبق وأن طرح أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة مثل جمهورية مهاباد التي كانت المدعومة سوفييتياً والتي أُنشأت عام 1946 ودامت أقل من عام واحد. وجمهورية كردستان الحمراء ذاتية الحكم التابعة لأذربيجان، والتي تأسست في بداية عهد لينين عام 1923 وانتهت عام 1929، فذلك يعني أن هذا المكون ونتيجة الظروف التي تعرض لها ليس مستعدا لمشاركة العالم في ثورة تغيير المفاهيم، وعلى العالم أن يبادر من جانبه ليشارك هذا المكون ليس بمساعدته على الانفصال أو الانفصال أو خلق المشاكل، وإنما من خلال عقد مؤتمر دولي توافقي ترعاه الأمم المتحدة وتشارك فيه جميع الدول ذات العلاقة مع ممثلين للأكراد في الدول ذات العلاقة لرسم خارطة طريق تخرج باتفاق يرضي جميع البلدان ويضمن حق الكرد في تقرير مصيرهم. أما إبقاء حالة التشرذم وحافة الخطر قائمة ومسيطرة في هذه الأجزاء المهمة من العالم، فإنه يبدو مقصودا والهدف من وراءه إدامة حالة عد الاستقرار في المنطقة كلها، والحفاظ على بؤر ممكن تحريكها وفقا لمعطيات الحراك الدولي.
إن من حق الأكراد أن يقرروا مصيرهم مثل غيرهم من الشعوب، ولكن يجب أن تكون الآليات متحضرة مثقفة سلمية غير عدوانية أما أن يرافق الدعوة إلى الاستفتاء تهديد مباشر أو مبطن فإن ذلك لوحده كاف للإدانة والاستنكار لأنه مخالف للبنود والمواثيق الدولية. وانا هنا لا أدعو الأطراف إلى ضبط النفس بل أدعوا إلى التحضر والتمدن في التعامل مع المستجدات فالاستقلال ملعون إذا ما بني على جماجم الأبرياء!.
945 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع