بقلم: د. منير موسى
شَذَا النَّدَى { ديوان شعر}
رَخّ
قد راغ الجفاء وحالت الأحلامُ
قد هام السّناء وناشزت أنغام
واستزهى الثّراء وخادنت أنسام
قد أُشجيت ورقاء غيطان رُغام
ما غاض الوفاء وهاتنت رهام
واستُمطرت سماء فرخّ الغمام
حبر الحبق الحائر
تتساقط الأوراق فتشجن الأغصانُ
وتعدّدت أعراق وغادرت أوطان
وبينكم الشّقاق وجفاكم الحنان
واختاف الرّفاق وتخضّب البَنان
حاوركم وِفاق وكزكزت أسنان
غالبكم نفاق وحاسبكم زمان
وتكاذب العناق وتخاتل الجَنان
وتقوقع القاق وتقعقع الشِّنان
وتشوّق المشتاق وتذكّر النّسيان
وحبّكم مهراق وشعبكم ولهان
ونهركم دفّاق وغابكم فينان
والجريحة شام ويعرب مِيسان
ودَق
تنفّسوا الهواء الرّطوبا، قد رصرصوا، وضمّخوا الجيوبا
وطنيّتهم في القلوب، ضِيعوا بغليون ومشروب
عاجوا، وحايدوا المغلوبا، مثمولين غازلوا اللّعوبا
وأشاحوا عن صرخة المَلوب مناضحين الشّعر بالطّيوب
فُتنوا، وختلوا المحبوبا، أَحِبَّ شعبك، تنقذ شعوبا
حيّهم بكلّ الدّروب رافضًا فتات المعُوب
هديل الورقاء
على الخرّوبة الغيفاء يجتاحنا خضمٌ من الحرّ
بات الأنام في شؤم وفي ضجر
وعلى غصنها يمامة البَرّ، تغنّي بمعزل عن الشّرّ
مصالَحات اتّقاء للغدر، والسّادرون دأبهم بالقِشر
والخاتلون صيدهم بالعكر، ونجمة المساء تلألأ بالسّحَر
لمعانها رَ، خدينة القمر، وتعلّم هدوء نفحة الزّهر
كيف سقط تاج الطّاءوس؟
{حسن الشّكل كثير الألوان، معجب بنفسه وبريشه، ينشر ذيله كالطّاق. لكنْ، سُمعت خرخشته بين الورود والأشواك مطأطئ الرّأس باحثًا عن قنص. وهل يطير ريش تاجه صابغًا مساحة مساره بألوان ريش ذنَبه الّتي طالما يتيه بوشيها مفرودة بالهواء الطّلق؟}
نحلة معصفرة تطِنّ على تويجات الزّهور
ترفرف لامِيّة على شِعاف فروع نخلة
تناغي رقراق الغدير حرّة تحيا، لها الفضا
واخضرار السّفوح
تبحر في العبير
مَن يجازف في سبي شوقها؟
هبها تغالي في العطور
هي الدّنيا، لم يجفُها بخورالقيم وبلسم التّنوير
حبق الحكماء عاطر، حذارِ أن يضمّخ بالشّرور
فإن كان الألمعيّ أسير نزَق
أتُحْنقنا هفوة الصّبّ الغريرِ؟
نور الرّفاهة غيّب كلّ أفانين الغرور
خُيَلاء، عُجْب وزهْو، تِلكمُ روح الوَقور
وحرّياتكم سُدْفة وَجْدكم بها كالصّهباء تلسع
سراب برقوق الحُبور
سلمان فرّاج
{شجويّة إلى متيّم العربيّة الهائم بالحرّيّة أبي يوسف سلمان فرّاج اللّامع في سماء العلم والتّربية الحيّ دائمًا}
مَن سبر غور المقال
وجدّ في طلب المعالي
وحنى للعصفور هامة
ولم يجفل من الرّئبال؟
سالَم الأقوام طُرًّا
وللمآثر غير سالي
لام الزّمان على الخنا
ما راب غدرًا للّيالي
عاند الكبرياء غالبًا
وعبّ من نبعة السّلسال
وناصرالحقّ مُشهرًا له
ورد الفياصل والعوالي
غنّى على سابح كتاب
وخادنه في كلّ حال
صَموت حين ينفر قول
وللتّوافه لا يبالي
ولم يُبح سرًّا بهجر
إلّا لزهر وسنابل
قد راد حبّ الحياة عاشقًا
جاد بنور على الأجيال
بكى الهزار على زيتونه
ناحت رقاطٍ على العِرزال
سقوط الطّواغيت
حليلاتكم قادت زمام المُلك بخُيَلاء طائشة
وأَغرقت في الرّياش والبذخ
يا أقيال يعرُبِ، عزّ، خَزّ، غار وعار
وما لم يُسطَّر في خوافي الكتب
أعمى هو حبّ العشيقات
مُغدَقات بعقود العقيق والجواهر
من عرق الكادحين المتصبّب
حقًّا، استبددتمُ على المرغمين بالهوان
سنِيّين مستأثرين بالنّفيس ولامع اليَشْبِ
ولكلّ مخالب النَّسر السّاكن قمّة الطّغيان
مطلق العِنان مأسور بجيشه اللّجب
مستصغرين البائسين بالبهتان
مستنبتين على حرمانهم عواديَ الحقبِ
تلوّحون للشّعوب بغبطة، لا مغبوطين بها
والأحرار حُرموا النّور بزجّهم في سراديب الغيهب
تجاوز النّاس بكم حدّ إعوازهم
وسجنتم شذا متيّم الأوطان المهذّب
دامعة هي العصافير على الخضراء
ونشاوى بالضّيم أنتم حالمين براقصات القصور
المشنشلات بالذّهب
أعداء حقّ نبراس الخليقة، إذا صحت أغنامكم من تخديرها
قلتم: ويل لكم من الشّغب!
رمز الاِستبداد تحكِّم به الأغلالَ
سوافي الشّرق وإعصار الخضمّ
من الغرب أجهش ضوء النّهار، غاضت ينابيع السّرور
واتُّهِم المحرومون المُعدَمون بمغموريّة النّسب
نفش الغطاريس داكن ريشهم، وأيقظوا نزوة ذئاب الفتن
وحناجر الحرّيّة لاشتهمُ حفاة شمّروا للهربِ
أين مكاديس الصّروح، غِنوات القِيان وحليلات المليك؟
ألا على جلده يخاف كلّ جبّار ومتنمرد مغتصب؟
وغرثى الأرض ومضطهَدوها سيفصّلون برودهم
من صدْح فجرهزار النّهار المُستَعذَبِ
ويجارون الرّياح مكفكِفين راقئين دموع طفل هائم ظمآن للحنان خميص البطن من السّغب
لكم مغالاتكم، ولي غُلَوائي
سماؤكم رجوم وسمائيَ الرِّهامُ
ودأبكمُ الوجوم حين حان كلام
تسبغكم علوم لكنّها أوهام
بأرضكمُ الكُلوم وبأرضيَ الشُّمّام
وتزاهت جسوم وتخدّر الإيلام
مسيَّس مشؤوم وحانق نمّام
بالطيلسان يحوم مسبّح مِرحام
ندِيّكم مشتوم ومنتدايّ وئام
شَيْن وغُبن
تدحرجون صخورا، تقلّبون أمورا، حببتمُ ديجورا
تراوغون وَقورا مدبّرين شرورا شارين غرورا
قرصتمُ الدّبّورا، تفوحون خمورا، ضيّعتمُ العبورا
كي تزهوا وتبهوا تمهوا وتسهوا
*
غازلتمُ الأوطانا، جاريتمُ الزّمانا، خسرتمُ الرّهانا
عبدتم الرّنّانا، خادنتم الهوانا، أهنتم الإنسانا
طاولتم العَنانا مقعقعين شنانا، حِلّوا مِدنيانا
فساء المآل تبذّرت أموالُ
وقد نبا الجمال وغادرت رِحال
*
زيّفتمُ العقيدة، كسّرتم القصيدة، شِحتم عن الشّريدة
حملتم العريضة، وبعتم التّليدة، خسارة أكيدة
حُلومكم سديدة؟ عروقكم مجيدة؟ حياتكم رغيدة؟
رَوْا شعبكم مكلوما وناصروا المظلوما
وآسُوا المحروما مشرّدًا معدوما
قندول الغطاريس
وجداول السّرّيس
ما راقت لكمُ السّهول الممتدّة حتّى الأفق
سادرين مكدّسين العسجد في قصوركم
أيّها الغطاريس التّعساءُ
ألوان ريش الهداهد في السّهوب السّاحرة
سرّيس الجداول، غروب برتقاليّة آكامه حمراء
الشّمس السّابحة المسافرة العائدة اشتياقًا لنا
غانية راحت مع الشّفق على بساط الرّيح نجلاء
مرُوج السّنابل، ضوعة اللّيمون وغِنوة الغدران
البيّارات الشّاخصة للنّجوم يناغيها الفضاء
بحيرات من لُجيْن، أمواج تداعب مناقير اللّقالق الحمراء
بجعات يحِفّ بها الغناءُ وسفوح القطعان والأقاحي
صخور الجبال الحاملة أسرار الرّاهبين اللّائذين بها
ريح الصَّبا، فُلّ وماء، لكن، بريق البحر يروي
حكايات أسوار القندول والضّحايا
والوطن الباكي تكفكف عبَراتِه سماءُ الصَّيِّب الزّرقاءُ
كم فئة وطنيّة أنتم؟
سياسة أدبًا تنجيمًا علومًا علمتم
صفّق المعجبون لكم، فابتسمتم، تهتم، صلتم وجلتم
أطلقتم الشّعارات ثقيلة العيارات
لدّدتمونا بفوح ألفاظكم، أغرقتم الوطن بالهتافات
فهل لفقرائه التفتّم؟
وكيس الطّحين لبيت المُعوِزين هل أوصلتم؟
الخبز ولحمة الفطور لليتامى
وكأس عصير بارد مطفي حرقة الحرمان والهجران
لأطفال حفاة قد شُرّدوا
وثوبًا معصفرًا اشتريتم؟ أهديتم؟
المحزون، المغبون والأيِّم
وسجين حرّيّة زرتم؟ واسيتم؟
ضحكة مسلوبة لأطفال لمضطهدين في الأرض
لثكالى، لغرثى، هل أرجعتم؟
كدّستمُ الكبرياء والقريض
بالرّفاهيّة والسّيّارات غالبتم؟
أحببتم بعضكم، ومن الإرهاص هل تحرّرتم؟
كم فئةً، كم مجموعة وطنيّة أنتم؟
كم زجاجاتٍ حارقةً ربوع أوطانكم شربتم؟
طُلّوا على المحتاجين، عليكم تطلّ العافية
فلا تحبسوا طَلّ غاركم
سلام عليهم، سلام عليكم، سلام على العالَمين
مدامع الغمام أقحوان السّلام
آلات الدّمار تملأ مساحات كوكب
المجموعة الشّمسيّة الثّالث
لكنّ الأشجار المغرّدة ملوّنة العصافير
لا زالت تصدح لوجدان الوجود
سموم البارود، ودخان مصانع الأسلحة
تعيث بالفضاء غير عابئ بها
لا زالت سماء النّجوم ونجوم السّماء
متلألئة في وجوم، والمراعي تناغيها القطعان
وناي السّارح المِطريب الوَدود
والهواء طلْقًا يعزف على الشِّعاف
نسمات رُخاء تهِلّ من على تلال البرقوق
متلفّعة بالحساسين ساحرات الألوان والقدود
وتختفي خفافيش الظّلام نهارًا
وضوؤه غير باخل، وهو النَّهِر
بإشراقاته راسمًا لوحات البحار
والأنهار بأسماكها، لقالقها ونوارسها خدينة التّغريد
لوّث الشِعاب والبراري سفّاحون
لكنّ الغدران، الجداول والوديان
دائمة الجريان، تغنّي على أكتافها
الشّحارير والزّراعيّ، وينغب من فراتها التّائه
المظلوم مرغمًا على التّشريد
نجيع على اصفرار رمال السّباسب
من أياد سافكة أثيمة، وتبقى الغِزلان والمهاوات
تبعث الحياة في البيداء
تأكل أراق أشجار الغضا القفعاء، العرفج والحنظل
وتصطاد الصّقورُ السّحاليّ والأفاعي
وتجمح الأحورة والمِهار أسيلات الخدود
ويستريح الهاربون من العدالة
في ظلال الغَيل، وتنشد الرّيضان الغنّاء بدوحها
وعلى الخمائل أسراب من الطّيور المهاجرة تحنّ لأوطانها
أضاعت بوصلة الحدودِ
وهل ينفع شعبه الأرستقراطيّ المزهوّ المتنفس بالكبرياء
الفاره بالسّيارة الفرهة غير حاسب لظلمه الكادحين
وسلب حقّ ابنته وأخته
في المال والعَقار متعطّفًا بُرْد طامع رِعديدِ؟
عُذوق لَواص عُروق المَرار
لماذا الرّصاص؟ قلوب شِماصُ
وتاهت قِلاص، تجوب الصّحاري
*
نفوس عكاص، قبيل فراص
وداء قُفاص مُفِلّ الغِرارِ
*
أراض جِصاص وقوم لماص
وكيف الخلاص، بلادي وجاري؟
*
زهيّ نِجاص، بهيّ نصاص
وقوم عِلاص، رِهاف النّهار
*
وتلقى الشِصاص؛ لتُشرى الحِصاص
بُدور دلاص، حِوار حواري
*
وضَحل مغاص، خيول قِباص
خِساس رِخاص، كبار الصَغارِ
نخيل جَدّة أعلى
من برج المملكة
{قرّر الوليد بن طلال بناء أعلى برج في العالَم في مدينة جَدّة بالسّعوديّة. ويزيد ارتفاعه عن ألف متر!}
مليار دولار وأنهار من الذّهب الأسود
كي تجاري النّجوم، وتطاول بالبرج أعنان السّحاب؟
غرّارة هي النّاطحات، أساساتها أعراق جهود المعدمين
المشرّدين والمُلتاحين للحرّيّة
ودونها بحار السّرابِ، سطحها مطارات الصّقور والنّسور
ملاهيها فوح بساتين الخمور بين العواسج، العُنّاب والأعنابِ
ماذا يضير الأجواء من رَدهات قصور
حلّقت فوق السّحاب، بلحظة تضيع في خضمّ الضّباب
جَدّة منهل الحجّاج، عروس البحر الأحمر
أضوَأ من النّاطحات، نسيمها منعش كعودة الغيّاب
ابن طلال، خفّف الطء، وزّع الأموال على البؤساء
لا على المتباهين بالدّولار، الأنساب والأحساب
شعبك
قريب أنت من الصّحن، تحيك بمِسلّات المهنيّ
المطر يحوك غضّ الفَنن، يغرّد المعصفر مع البنّي
مسترق عالَمك في الوسن، خدرت بالويسكي، شحت عن المِنن
وكعكة قاسمت في الغُين، يعفو بَهيت الشِعر مع الزّمن
غنّى لك الحادي بعرس الوطني، أبقيت رَمَقًا لشريد الفِتن؟
تغيث صريخًا بمدّ العون؟ أتفطن لشعبك في المحن؟
صيف وحيف
لمن الحصادُ، قطيع نِجادُ، وديان وهاد، جَموح جياد
وتزايد الرّؤساءُ؟
*
لمن الحقول، جداول، سهولُ، يَباب طُلول، سواقٍ سهول
وفي عاجِهم كُبَراءُ؟
*
لمن المناجل، زيتون، بلابل، رفوش معاول، غناء الجداول
أكابرًا، عظماءُ؟
*
لمن الزّهور، وعور طيورُ، سماء نسور، نجوم بدور
وروضة غنّاءُ؟
*
لمن الكتاب، عُنّاب عُبابُ، قوافل شِعاب، مقالع هضاب
وجميعكم مدراءُ؟
شجرة غَيناء
بذلتم الرّخيص والغالي؛ كي تدركوا قمم المعالي
وأرضكم يباب، تصبو لوابل متوالي
منتدياتكم ضنًى غالها، فألقوا الصّقال والعوالي
تفقّدتمُ الغَرثَى، أم نشاوى بموّال؟
أغيثوا النّوايا، صفّوا، واستنشقوا نسَم الشَمال
تغالبتم؟ فتحابّوا، تذكّروا حبّ الأوالي
حافية خرجت العروس
{سأل الكاهن العروس: "هل تقبلين هذا الرّجل زوجًا لك؟"
فأجابت:" لا"، فعلا الصّياح والبكاء. لكنّ العروس خرجت تفتّش عن حبيبها حافية!}
*
دلّوني، أين راح محبوبي؟
ضاع منّي فرحي وسروري
والنّسمة الرُخاء ليّنة الهبوبِ
أين حلَقي خاتَمي وأساوري
حذائيَ الورديّ، وفوح الطّيوبِ؟
تاجيَ البلّوريّ، زجاجات عطوري؟
مولاي، يا ساند المغلوب
كاهني يا نفحة البخور
حافية أنا أفتّش في الدّروب
أمقت رائحة صمت القصور
فاعقد عقدي، وكلّلني على حبيبي!
رسيس
تشرق من الأزل شمس، ليس من جيب الثّريِّ
فتحيل الأرض نورًا ملمِع الورد النّديِّ
ويناغي رونق الأزهار في ريح شذيِّ
فجَنان المرء فارح من سنِيّ ورَدِيِّ
غيمها ما شنّ حربًا غائل الغيث الهَمِيِّ
والكراهية أحالت مِالمحبّ للشّقيِّ
تترك اللّحن السّجِيّ وتغامر بالشّجِيِّ؟
رَيحان
اشتروْا ليَ السّاحر اليدويّ
شغوف به أنا، بالكاميرا مع الألوانِ
هيمان به أنا، زهقت القراطيس والأقلاما
أبحبش بالشّباك، أراسل أحلى الصّبايا
أكتشف أبعد البلدانِ، أناغش الخلويّ باليمنى
وفي يدي اليسرى عُلبة الدخان
إنْ تمنعوني عن المُعسّل، أمشِ مع الزّعرانِ
3742 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع