د.صلاح رشيد الصالحي
شركات الصيرفة في بابل (القرن الخامس ق.م)
كان يهمن على اقتصاد بابل جانبين مهمين هما الزراعة والتجارة، وكلاهما جعلا من بابل مدينة تمتاز بالغنى، وانعكست الثروة المالية على معبد ايساكيلا (معبد الإله مردوخ حامي مدينة بابل) الذي اعتبر من اغنى معابد الشرق الأدنى القديم ومطمعا للغزاة بسبب كثرة الواردات التي تدخل المعبد من الهدايا والهبات وما يحققه المعبد عبر نشاطه الاقتصادي الخاص به، وعرف عن تجار بابل براعتهم في الأنشطة التجارية الواسعة سواء في عهد الدولة الاشورية أوما بعدها مملكة بابل الحديثة وأيضا في عهد الغزو الاخميني، ويعود هذا الازدهار التجاري إلى توحيد الممالك الصغيرة في إمبراطورية واسعة الارجاء تخضع لقانون واحد واوزان ومكاييل واحدة تسهل على التجار عمليات التبادل التجاري وحرية التنقل والصيرفة بواسطة وكلاء منتشرين في ارجاء البلاد، وفيما يلي بعض الأسر التي اشتهرت بالمجال المالي ضمن النشاط الاقتصادي التي ظهر في عهد الدولة الاخمينية التي احتلت بلاد الرافدين عام (539) ق.م وهي:
1-عائلة بيت اﮔيبي للصيرفة
توجد وثيقة تذكر (ايتى-مردوخ-بلاطو) (معنى اسمه مع مردوخ الحي) صاحب دار للصيرفة في بابل والمعروف بـ(بيت اﮔيبي) والذي يذكر بعض الباحثين الغربيين خطأ كونه يهوديا، ولكن اسمه وأسماء افراد آخرين من اسرته والتي تدخل في تركيبها المعبودات البابلية تثبت بدون شك كونهم بابليين، وتذكر بعض النصوص وجوده واصدقاءه بالعاصمة الفارسية همدان (اكبتانا القديمة) اما بحسب طلب الملك أو لكي يقدموا التماسا للبلاط، ولا نعرف سر ذهابهم في بدء احتلال كورش للعراق إلى هناك إلى جانب حقيقة كونهم قد صرفوا كل ما أخذوه معهم من أموال دون شك على الرشاوي والهدايا لموظفي البلاط الفارسي إلى الحد الذي احتاجوا معه قرضا للعودة إلى بابل، عموما هذه الاسرة لها تعاملات كثيرة في مجال الصيرفة، وشراء العقارات الزراعية، وتقديم القروض للفلاحين، وحتما سنعثر في المستقبل على وثائق كثيرة تذكر نشاطهم الاقتصادي .
2-عائلة تاتانو للصيرفة
بدأ اكتشاف أرشيف تاتانو عام (1941)، وأول من لاحظ اسم هذه العائلة هو الباحث (Ungnad) في نص نشر عام (1907)، وكتب النص في السنة العشرين من حكم داريوس الأول عام (502) ق.م، وذكر اسم احد الشهود في النص يدعى خادم (تاتانو حاكم ما وراء النهر) (Tattannu lúnam eberid)، وتوصل الباحث (Schwenzner) بان اسم تاتانو هو نفس الشخص الذي ورد اسمه في التوراة في سفر عزرا بلفظ (تتناي) (Tattenai) (والي عبر النهر) (عزرا 5 : 3 ) و( 6: 6 و 13)، ولدينا (50) لوح في متحف برلين الكثير منها كتب باسم رجال أطلق عليهم أبناء أو عبيد تاتانو، يظن الباحث (Ungnad) بان كل تلك النصوص تشير إلى تاتانو واحد، أما الحاكم الاخميني في سوريا (اسمه تاتانو أيضا) فقد سيطر على منطقة واسعة من العقارات في بابل ومعه ابنائه الأربعة هم ( نبسانو Napsānu،وصيخاṢiḫā ، وشمشاجا Šamšaja، ونابو-شار-اوصرNabû-šar-uṣur ) وقد ورث عقاراته لهم، وأطلق عليه الباحث (Ungnad) أرشيف الساتراب تاتانو، وبلا شك تضمنت النصوص أبناء وعبيد تاتانو وذكر فيها اعمال العقارات العائلة وعبيدها، ولكن تطابق أسم تاتانو الحاكم مع تتناي الذي ذكر في التوراة هو تشابه بالاسم على حد قول الباحث (Ungnad)، ومن أعمال اسرة تاتانو شراء الأراضي الزراعية ولدينا نص لعقد بيع ارض ثمنها (20) منا و (48) شيقل من الفضة في منطقة بورسبا تعود لسيدة بابلية وولديها بيعت الأرض إلى نبسانو (Napsānu) (اسم سامي غربي) واخيه نابو-شار-اوصر (Nabû-šar-uṣur) ابني تاتانو، وقد وقع العقد برفقة شهود وقضاة ذكرت أسمائهم، كما ذكر اسم كاتب العقد ، وكتب العقد في بابل في تاريخ الشهر السابع اليوم (28) من السنة (15) من حكم اكزركزس ملك فارس ،ميديا ،ملك بابل، والبلدان، وعلى الحافة اليسرى وضع الختم القاضي اسباكو (Aspakku)، على العموم أن توسع هذه الاسرة في نشاطهم التجاري وشراء العقارات وتقديم القروض يعود إلى الفائدة العالية نسبيا التي تفرضها على القروض، وقد توقف نشاط الصيرفة لهذه العائلة في نهاية القرن الخامس ق.م .
3-عائلة مراشو للصيرفة
بيت مراشو (Murašû) وهي عائلة مصرفية أخذت اسمها من اسم جد العائلة وكان من رجال الأعمال في نيبور، وأفراد العائلة كلهم مدراء ورجال أعمال، واثبتت التنقيبات الاثرية نشاطهم الاقتصادي في القرن الخامسِ ق.م، وتتعامل الأسرة في الأنشطة الاقتصادية بالدرجة الأولى ضمن مدينة نيبور، التي عثر فيها على مبنى ضم أرشيف مراشو في غرفة مساحتها (20x 10) قدم، وذلك في عام (1893) ضمن تنقيبات البعثةِ الثالثة لجامعة بنسلفانيا الامريكية، وعرفت الالواح باسم أرشيف مراشو، وعددها قرابة (879) لوح كتبت باللغات الآرامية والأكدية، ويتضمن الأرشيف (657) نوع من الاختام المختلفة، وتوفر الواح مراشو معلومات عن اليهود في القرن الخامس ق.م عندما سمح كورش الكبير في مرسومه الصادر عام (538) ق.م بعودتهم إلى فلسطين، وتؤرخ الالواح لهذه الفترة فقد كانت الأسرة المصرفية (مراشو وأولاده) تجري اعمال تجارية مع اليهود الذين قرروا البقاء في نيبور بدلا من العودة إلى فلسطين، وتشير النصوص على أن السيطرة الفارسية على نيبور كانت مقبولة من قبل اليهود، وقدم الأرشيف معلومات عن أفراد يهود والاتفاقات مع (100) عائلة يهودية، وعموما معظم النصوص مكتوبة في نيبور، وعدد قليل منها في القرى المجاورة، وأن الأنشطة الاقتصادية كانت ضمن مساحة حوالي (100( 100 x كم، بما في ذلك نحو (180) قرية تقع على ستة قنوات كبيرة أو مجاري الأنهار وروافدها، وبعض النصوص تذكر سفر أعضاء الشركة إلى بابل أو سوسة، ومارست شركة (مراشو واولاده) عمليات إقراض الاموال والتجارة في جنوب ووسط بابل لمدة 50 سنة من نهاية القرن الخامس ق.م، ولثلاثة أجيال من العائلة في نيبور، وكان النشاط الأساسي للأسرة هي الاقطاعيات الزراعية، وإدارة أراضي الدولة، وتقديم القروض للعمال في المشاريع الزراعية، وتوفير القروض لغرض المعدات، والبذور، والأدوات الزراعية،والري، والحيوانات، واستخدمت عائلة مراشو أكثر من (60) من الوكلاء، وكانت تؤجر قطع الأراضي المملوكة من قبل موظفي الخدمة المدنية، والمسؤولين الكبار في البلاط، والمحاربين (الأراضي- الحصان، والأراضي –العربة، وأراضي- القوس)، واستخدمت الحكومة عائلة مراشو لأغراض جمع الضرائب على الأرض(harāka)، وكانت الأسرة تتعامل مع (2500) من الأفراد ، كما هو واضح من الوثيقة التي تضم أسماء لقرابة (2500) اسما، وليس لإسرة مراشو دور في تغير العملات الاجنبية (التجارة العالمية) على الرغم من أن افرادها سافروا إلى سوسة في عيلام على بعد (200) كم حيث ظلوا عدة أشهر يشاركون في الشركات المالية، ولم يعثر على وثائق لهذه العائلة في القرن الرابع ق.م يبدو توقف نشاطها الاقتصادي.
778 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع