ألفن والفنّانون

                                                      

                             يعقوب أفرام منصور


 ألفن  والفنّانون

ما زال كثيرون من الفنّانين في شرقنا الأوسطي في مهمه التقليد أوغرائب وغوامض الحداثة والسريالية لإخراج إبداعاتهم إلى حيّز الوجود في مجالات المسموعات والمرئيات، فبعضهم يلجأ إلى نسجيل الماضي، بلا قليل من التطوير، في حين هم مطالَبون ليس بالتقليد ومحاكاته ، بل بالإغتراف من مأثورات ووقائع وثقافات وأساطير الماضي والتراث، وبالتعلّم من تجارب ونتاجات نظرائهم الحديثين والمعاصرين في أقطار شتّى، شريطة أن يخلقوا لذواتهم شخصيّة مستقلّة، متطوّرة وحافلة بالقدرة على العطاء الجيّد المبتكر، الرفيع، المعبّر عن أحوال وأمثلة يزخر بها الواقع، وعن صوَر ونماذج تعكس طموحات المستقبل نحو ارتقاء المشاعر، وترجمة الأحاسيس السمعيّة والبصّريّة.
ألفنّان العراقي مطالب في هذه الآونة بنشر التوعية الفنية، وهذا يتطلّب منه جهدًا شاقًا، كما يتطلّب من الجمهور ومنه أيضًا إسهامًا فاعلاً ونشاطًا جمًا في إقامة معارض  للرسوم واللوحات والتمائيل المنحوتة والمصبوبة،  وللصوَر الفوتوغرافية، ونشر كتب فنيّة مبسّطة ومجلات تُعنى بالفنون، ومضاعفة المساحات في المجلات والدوريات لنشر الأعمال الفنية التشكيلية، وتبيان أهمية الفنون في حياة الشعوب ، والدعوة إلى إقامة معارض فنيّة ومتا حف للإقبال عليها من قِبل التلاميذ والطلبة والمدرّسين والمثقفين ومختلف طبقات الشعب، وتشجيع زائري هذه المعارض على اقتناء ما يروقهم من المعروضات. ففي تلك المعارض والمتاحف تتوفّر للمشاهد أن يرى ويتمعّن في مشاهدة المنظر الطبيعي، أو الموضوع الواقعي أو التأثّري أو ألرمزي أو الإنطباعي، أو الشكل الزخرفي أو المنمنم أو التجريدي أو الرسم على الزجاج أو الحفر على الخشب والنحاس، بل حتى على روائع من الخط العربي والسرياني، والرسوم الكاريكاتورية.  وما يُقال عن هذه المعروضات البصَريّة كلها، يقال أيضًا عن الموسيقى وتسجيلاتها ومدوّناتها المخطوطة والمطبوعة، أسوةً بمتحف الموسيقار( فاغنر) في مدينة (لوسرن) السويسرية،  وعن آلاتها الجميلة المنوّعة التي تعبّر عن عواطف ومشاعر وأخيلة البشر في شتى ألأمصار، وهي تهذّب وتثقّف  نفوسهم، وتفعمهم وجدًا وحماسًا إذا تهيأ لها عازفون مهرة ومؤلفون حاذقون ترفع ألحانُهم مستوى أفكارهم نحو مراتب تعلو على السطحيات والماديات والإبتذال. فمستوى التذوّق الموسيقي السائد بين شعبٍ ما ينمّ على مستواه الثقافي ومدى رُقيّه النفسي والحضاري.
    قصدت ُ يومًا، وأنا أناهز اليَفاع،  عيادة طبيب موصلي شهير، يدعى عبّو اليونان قبل زهاء سبعة عقود، فاسترعى نظري صوَرٌ كريكاتورية في غاية الروعة معلّقة على جدران عيادته، ولما إستفسرته عمّن رسمها، أفاد بأنه هو نفسه، فدُهِشتُ وأنزلتُه من نفسي منزلة عالية.
     وهناك تشكيليون غربيون قدّموا في نتاجاتهم أعمالاً إبداعية متباينة لمظاهر ومشاهد من الحياة اليومية للمجتمعات الشرقية على اختلاف بيئاتها ومستوياتها، بعضهم قدّ مها بصورة جيّدة وافية وأمينة. أفلا يجدر بالفنانين التشكيليين المحلّيين عندنا أن يبذلوا الآن وفي المستقبل قصاراهم في إنتاج لوحات يُكتب  لها الخلود وتحظى بالتثمين والإنتشار بفضل احتوائها على روح الشرق وروائعه ومزاياه وتقاليده وتراثه؟! سيبقى هذا التساؤل مشروعًا حتى نلمح الإستجابة له واقعًا ملموسًا وآخذًا في الإزدهار.
     يجدر بالذكر في هذا الصدد تبيان موقف عباس العقّاد من "الفن الحديث" (والسريالية أحد أساليبه) كما ورد في مجلة (ألهلال) لشهر نيسان 1967 ص 148ـ152، وخلاصة رأيه تفيد [ إن الصوَر التي رسمها عباقرة التصوير قبل مئة سنة ما هو أجمل وأفخم وأدل على القدرة والأستاذية من أحدث الصور التي إبتدعتها قرائح المعاصرين.]
     ألكثرة الغالبة على النتاجات الموسيقية الغنائية في قطرنا وفي مصر، إبان العقود الثلاثة الأخيرة،  سيلفّها النسيان، وتنزوي في أركان الإهمال بعد عقد من الأعوام لأتها غير معبّرة عن خلجات الأفئدة وحالات النفس من طرب رصين وشجن ووجد؛ والإيقاع فيها سريع صاخب وسريع جدًا، وفي كثير من مسموعاتها مصحوبة بقرقعات وصرخات أقرب ما تكون إلى زعيق، مما يوحي إلى السامع النبيه المطّلع أن ملحّن الأغنية قد صمّم أو حدّد  قالب إبقاع سريع مسبقًا قبل أن يتسلّم النص الغنائي وقبل ترجمة فحواه ومدلولاته إلى صِيَغ جُمَل لحنية كي يتلقّاها السامعون. إنتقلت إلينا هذه العدوى من مصر، فالكلمات تافهة، غير موحية، ولا ترفع النفوس والعقول إلى مراتب من شأنها تهذيب المشارب والميول والنزعات والغرائز، وتصقل المشاعر، وتهذّب أذواق الجماهير المتحضّرة لتسمو بها إلى طبقة أعلى من الذوق الفج أو الواطئ. وإذا كان قد قيلَ قِدمًا: "لا جِدالَ في الذوق"، فثمة مقولة أخرى تقرّر حقيقة لا يجوز إغفالها ولا نكرانها، ألا وهي: (ألأذواق مستويات).فالمستوى الواطئ المماثل لّذوق زنوج غابات أفريقيا الوسطى مع طبولهم، وهم شيه عراة  يهزجون ويدبكون ويصرخون، ينمّ على مستوى ذوق بدائي متخلّف إزاء أعمال غنائية كثيرة شرقية وغربية راقية هي بعينها ذوات مستويات متباينة في الرفعة والذوق.
    أجل ـ واأسفاه ـ قد غدت كلمات النص المغنّى مبتذلة إل حد الإسفاف وشيوع مفردات الحديث  الدارج السوقي بعضًا ونابية بعضًا، ومجرّدة من الشاعرية، والعاطفة الرفيعة الموحِية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1342 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع