المشروع القومي الكوردستاني بین النظریة والتطبیق!

                                                         

                             الدکتور سامان سوراني

المشروع القومي الكوردستاني بین النظریة والتطبیق!

کان الزعیم البلشفي الروسي فلادیمیر إلیتش أولیانوف (لینین) یردّد دوماً مقولته الشهیرة: "لا ممارسة ثوریة بدون نظریة ثوریة".
لینین إنطلق في وعیه السیاسة والعمل السیاسي من قاعدة مفادها أن العمل السیاسي لایملك أن یكتسب أسباب الفاعلیة والتأثیر إلا إذا کان مستنداً الی مشروع سیاسيّ وإجتماعي یبرّره ویؤسّس لە عوامل النجاح.
قبل عقود من الزمن، أي قبل انطلاق طور الإستنقاع السیاسي والحزبي للقوی الكوردستانیة، کان لأحزاب وتنظیمات المنتمیة لحرکة التحرر الكوردستاني مشاریع سیاسیة وإجتماعیة، بصرف النظر عما شابها من قصور أو أعتراها من وهم أو طوباویة. كان لتلك الأحزاب مشروع وطني شبه استقلالي اشتبكت مع الحکومات الدکتاتوریة بالنضال السیاسي الجماهیري أو بالکفاح المسلح، تمکنت بواسطتها بناء إدارة ذاتیة و بعد ذلك ترسیخ فدرالیة في إطار عراق إتحادي فیدرالي شکلي.
أما المشروع القومي السیاسي الكوردستاني فبقی غائب عن الساحة الفکریة، وهذا الغیاب هو نتاج إنفصال السیاسة عن النظریة و محصلة غیاب المشروع السیاسي-الإجتماعي عن العمل الحرکي الحزبي و هكذا تعرضت السیاسة والعمل السیاسي الی حال غیر مسبوقة من التدهور والتآکل والإنحطاط لم یتمخض عنها -حتی الآن-  سوی الشلل وإنسداد الآفاق.   
ومن منطق الأشیاء و بدیهیات الأمور إعتبار "الاستقلال" کمفهوم إصطلاحي عام من الشروط الأساسیة التي تساعد شعب ما علی تحقيق نهضته وتطوره وتقدمه، لأنه هو الذي يحميە ويحافظ على مقوماته وشخصيته القومية والحضارية ویساعده علی تحقيق نهضته المنشودة في جميع المستويات ومختلف القطاعات.
إن جمهور المؤرخین هم علی کلمة جامعة بأن أي شعب مـن الشعوب لا يمكنه أن ينهض بالفعل ويتقدم نحو الأحسن والأفضل إذا كان استقلاله القومي مسلوباً أو ناقصاً، أو إذا كان في حالة التبعیة.
ففي أوروبا وأمریکا وآسیا لعب الإستقلال کحقیقة تاریخیة دور أساسي في نهوض وتقدم وتطور شعوبها القاطنة هناك وکان لتلك الشعوب حضور فعلي علی الساحة السیاسیة.
وکما معلوم بأن الاستقلال القومي لايكون له أي معنى إذا كان الشعب أصـلاً غائب عـن الفعل السياسي، أي غير مجسد في الكيان السياسي الذي یتجسد في الدولة القومية.
وبما أن الموضوع يتعلق بالشعب الکوردستاني، فيمكننا القول بأن هذا الشعب موجود حقيقة، لكنه غير مجسد على أرض الواقع السياسي.
الشعب الكوردستاني مـوجـود تاريخاً وثقافةً ولغةً ومـقـومـات، لكن هـذا الـوجـود غير محقق وغير مجسد في الواقع السياسي، والقانون الدولي والعلاقات الدولية لأنه ببساطة لا یملك كياناً سياسياً یعبر من خلاله عن وجوده القومي بين الأمم والدول القائمة في عالم اليوم، بمعنى آخر، الشعب الكوردستاني اليوم یعيش بدون دولة.
ومن الواضح أن الوحدة السياسية للشعب هي التي حققت لكل للشعوب استقلالها القومي الحقيقي، والاستقلال القومي أدى بالنتيجة إلى تحقيق أمنها القومي الشامل والـذي بدوره ساعد الشعب على إنجاز نهضته المطلوبة والمنشودة.
الشروط الثلاثة: الـوحدة والاستقلال والأمـن، هي بحق شروط لا غنى عنها لأي شعب ینشد النهضة والتقدم والتحرر، لكن هذه الشروط الثلاثة ضعیفة أو تنقص شعب كوردستان الیوم.
فالوحدة القومية للشعب الكوردستاني غير منجزة وغير محققة، والاستقلال القومي لا وجود له في ظل غياب الوحدة القومیة.
أما الأمن القومي فكما شاهدناه بعد ١٦-١٠-٢٠١٧، مستباح الی أبعد الحدود، وهو نتيجة منطقية لانعدام الوحدة السياسية وغياب الاستقلال. والمنطق يقول بأنه لا أمن قومياً من دون وحدة قومية (أي من دون دولة تحمي هذا الاستقلال وتصونه).
الخلل الآخر یکمن في موضوع الوطنیة الكوردستانیة و ثقافة عدد غیر قلیل من الفرد الكوردستاني وفهمه للسیاسة والدولة والمنصب وحقوق المواطنة وإنصیاعه خلف المصلحة الفردیة بأي ثمن علی حساب المصلحة الوطنیة والبحث عن المناطقیة علی حساب الوحدة الکوردستانیة.
أما ما یسمی بالمعارضة والتي کانت في صلب السلطة فهي تعمل والی هذه اللحظة بعقلیة الشعبویة  والنقد الغیر بناء و لا تتردد في البحث عن المناصب و الثروة  حتی لو کان الثمن تفکیك محافظات الإقلیم.
و من أجل ممارسة العمل السیاسي في إطار نظام سیاسي عصري نحتاج الیوم أكثر من أي وقت مضی الی فریق محترف یمارس السیاسة ویمتلك المهارات والثقافة والمؤهلات للبناء الديموقراطي  ویتقن مفردات السياسة العصرية خصوصاً مع بيئة لاتقدر حدود الديموقراطية.
ومن أجل إنقاذ المشروع الکوردستاني من خطر الإندثار وإعادته الی ساحة الفعل السیاسي لمواصلة مسیرته التاریخیة المستقبلیة یجب أن تکون هناك ضوابط حاكمة ومؤهلات ومهارات للعمل السياسي لخدمة اقلیم كوردستان وشعبه ولا تکون علی أساس منحة وامتياز سياسي توزع بمزاج شخصي. ومن أجل حمایة مکتسباتنا و تثبیت الحکم الرشید تتطلب تواجد التکامل السیاسي وطبقة سياسية مؤهلة وذات خبرة تؤمن أولاً وأخیراً بحقوق شعب كوردستان المهضومة وتعمل بکل إخلاص من أجلها وتمجد التنمية المستدامة وردع الفاسدين وتوحيد المجتمع الكوردستاني. وإذا لم نفعل ونسرع فإن الكارثة قادمة لا محالة وسيصبح المشروع في خبر كان، وما يجري الآن في الظاهر ما هو إلا غيض من فيض. لكن ما خفي أعظم، الخطر قائم والكارثة قادمة.
وختاماً: "الإستقلال لیس حق طبیعي مسلوب ینبغي استرجاعه، کما یتخیله أهل الطوبی من دعاته، بل هو ثمرة العمل المتواصل للمجتمع الكوردستاني علی نفسه، مما یجعله دوماً محتاج الی الرعایة والصیانة أو الصناعة والتنمیة، بالإبتکار والخلق والتحویل. إنه مشروع وهدف یبقی دوماً قید الإنجاز والبناء، توسیعاً أو تعدیلاً أو تطویراً. من غیر ذلك تستحیل علاقة الفرد الكوردستاني بإستقلاله الی ضعف وتبعیة."


  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

985 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع