هارون محمد
أثبت السنة العرب في العراق خلال السنوات العشر الماضية ومنذ الاحتلال الأمريكي في نيسان (إبريل) 2003 إلى يومنا الراهن، أنهم قوة عظمى في المعايير الشعبية والسياسية رغم ما تعرضوا له من اضطهاد وتهميش وإقصاء واستهداف جماعي وتنكيل وتقتيل، وخرجوا من المحنة وهم اصلب عوداً وأكثر تماسكاً.
فقد تكالبت على السنة العرب في العراق دول وقوى وجهات سياسية ومليشيات طائفية، ابتداء من القوات الأمريكية الغازية، وإيران خامئني ونجاد وقاسم سليماني وأحزاب ومليشيات شيعية وأخرى كردية، اجتمعت كلها على تقويض العراق البلد والدولة والسيادة، وتحويله إلى ولاية يتحكم في إدارتها (لوبي) أمريكي وإيراني، بعد أن نجحت واشنطن وطهران في تجميع (لملوم) من الأحزاب وما سمي بـ(القيادات) بعضها جاء على ظهر الدبابة الأمريكية، وبعض آخر تسلل من خارج الحدود، من إيران تحديداً، وانكبوا على نهش الجسم العراقي بنزعة انتقامية وطابع ثأري كان من نتيجتهما ضحايا بالملايين وخراب عمّ العراق من أقصاه إلى أدناه، وظهور طبقة حاكمة لا تمت إلى الوطنية العراقية بصلة، هدفها السرقة والنهب وتبديد واختلاس الثروات والموارد وإشاعة الفساد والإفساد في كل أرجاء البلاد.
لقد تصدى السنة العرب للقوات الأمريكية منذ أول احتلالها للعراق، وتحولت مناطقهم ومحافظاتهم إلى حاضنة للمقاومة العراقية التي قارعت اكبر قوة عسكرية في العالم ونجحت في تسديد ضربات موجعة لها، اعترف بها الرئيس السابق جورج دبيلو بوش وأركان إدارته، وجعلت الكثيرين من صناع القرار في واشنطن يتخوفون من فيتنام الثانية.
وعندما يسجل التاريخ للأحرار العراقيين وقفاتهم وتضحياتهم ضد الاحتلال الأمريكي، فإن اسم السنة العرب يقفز إلى الواجهة بلا نقاش في مقاومة الغزاة ومناهضة مشاريعهم وإفشال مخططاتهم، وقدموا عشرات الآلاف من الشهداء دفاعاً عن العراق وعزة شعبه، في وقت كان الآخرون بين متفرج على ما يحدث لأهل السنة أو شامت يتمنى الفناء لهم، حتى وصل الأمر بحفنة من الطائفيين الشيعة وعلى رأسهم نوري المالكي وإبراهيم الجعفري ومحمد بحر العلوم وموفق ربيعي وعبدالعزيز الحكيم وخضير الخزاعي وهادي العامري ومعهم شلة كردية يقودها جلال طالباني إلى تحريض الأمريكان على قتل المزيد من السنة العرب وتخريب مناطقهم ومدنهم وهدم بيوتهم وممتلكاتهم وبعضهم تولى وظيفة الدلالة للمحتلين والتجسس لقواتهم ومخابراتهم ضد المقاومين والمجاهدين في الاعظمية وأحياء العدل والدورة والغزالية وباب الشيوخ والحرية في بغداد، وكانت نتائج هذه الأعمال الخسيسة، أن استشهد الآلاف من خيرة الشباب العراقيين وما زال الآلاف يرزحون في سجون ومعتقلات نوري المالكي السرية والعلنية، في حين كانت إيران تزج بميلشياتها الشيعية الطائفية لتعبث قتلاً وتشريداً وتهجيراً وتفريغاً لعشرات المناطق والأحياء من سكان بغداد الأصليين في مخطط مرسوم لتدمير دار السلام والحاضرة العربية والإسلامية.
وكان أقسى ما واجهه السنة العرب خلال محنة السنوات العشر الماضية، أن الظلم الذي وقع عليهم والتهميش الذي لحق بهم، لم يكن أمريكياً وإيرانيا فحسب وانما من أطراف وأحزاب تدعي انها عراقية تارة وإسلامية تارة أخرى وتبين انها مستعرقة وليست عراقية، تلتزم ديناً لا علاقة له بالإسلام المحمدي ولا بملته وقيمه ومبادئه، بدليل انها ما زالت إلى اليوم الحاضر تلعن الخلفاء المسلمين وقادتهم وتشتم بلا حياء زوجات الرسول الأعظم وأقرب الصديقين والمخلصين له صلى الله عليه وسلم.
ورغم أن ممثلين عن السنة العرب او من بيئتهم ومناطقهم اجتهدوا وشاركوا في العملية السياسية التي كرسها الأمريكان في العراق وحضروا جلسات واجتماعات كتابة الدستور، وساهم بعضهم في الحكومات المتعاقبة التي شكلها الاحتلال وآخرها حكومة نوري المالكي كوزراء ومسؤولين، غير أن المحصلة كانت وبالاً عليهم، وثبت بما لا يقبل الشك والـتأويل ان الشيعة الطائفيين لا يريدون للسنة العرب أن يكونوا شركاء في اتخاذ القرار ورسم السياسات وإنما أجراء ينفذون ما يطلب منهم بدون اعتراض أو مناقشة، ومن يتمعن في قضية استهداف نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي على سبيل المثال، يلاحظ حجم الـتآمر الذي تعرض له من قبل المالكي وحزبه وعصاباته، كل ذلك حدث للرجل الذي فقد ثلاثة من إخوته قتلتهم المليشيات الطائفية غيلة وغدراً، لأنه رفض استقبال رفسنجاني واللقاء به عند زيارته للعراق، وانتقد إيران ودعاها إلى وقف تدخلاتها في الشؤون العراقية، ووقف علناً يتصدى لسياسات المالكي وتحالفه الشيطاني ويفضح منهجه الطائفي الإقصائي.
ولعل ابرز ما أنتجه مسار المالكي وحلفاؤه الشيعة وهم في السلطة، شعاراً يقول: ان السني العربي في العراق متهم ويظل متهماً حتى إذا ثبتت براءته، واستحدثوا قانوناً يخالف جميع الشرائع السماوية والدنيوية أطلقوا عليه تسمية (4 سنة) يقتل ويعتقل السني العربي على الهوية والاشتباه ووصل الأمر بهذا القانون إلى اعتقال نساء وفتيات سنيات بحجة رفضهن الإدلاء بشهادات على أزواجهن وآبائهن، ويتم اغتصابهن والاعتداء عليهن في السجون والمعتقلات، من دون أن يرف جفن المالكي أو تهتز شواربه وهو الذي يدعي انه عراقي وابن عشيرة عربية، غير ان الوقائع والحقائق أكدت انه مجرد وافد على العراق، استوطن أجداده (طويرج) ولا علاقة لأسرته بعشيرة (البو مالك) التي كان شيخاها صباح المالكي وشقيقه عبدالسلام من الأصدقاء المقربين للرئيس الراحل صدام حسين، يتلقون منه الهدايا والمكافآت الشهرية باعتبارهما من شيوخ العشائر (درجة أولى)، وللمعلومات فإن عبدالسلام المالكي هو اليوم نائب عن (ائتلاف دولة القانون) بعد ان انقلب على سيده السابق بعد إعدامه واتخذ من المالكي سيداً جديداً.
وما جرى للهاشمي حصل أيضا للدكتور عدنان الدليمي والشيخ عبدالناصر الجنابي والنائب محمد الدايني والفريق وفيق السامرائي والوزير أيهم السامرائي والوزير أسعد الهاشمي، فقد لفقت لهم القضايا الكيدية، ووجهت إليهم اتهامات باطلة رغم أنهم شركاء -كما يفترض- مع غيرهم في الحكومة والبرلمان، ينطبق عليهم ما ينطبق على زملائهم، وما حدث لوزير المالية رافع العيساوي شيء لا يخطر على بال، فقد تبين أن المالكي يحتفظ بملف له يوثق (أعماله الإرهابية) منذ كان العيساوي مديراً لمستشفى الفلوجة لأعوام (2003 و2005) ويتهمه بأنه كان يدخل الإرهابيين من باب المستشفى الأمامي بحجة إصابتهم في موقعتي الفلوجة الأولى والثانية، ويخرجهم من الباب الخلفي ويطلق سراحهم، وتبين أيضاً أن المالكي قام بإضافة صفحات وصفحات إلى ملف العيساوي منذ تولي الأخير وزارة الدولة للشؤون الخارجية ونيابة رئيس الوزراء في حكومته الأولى (2006 - 2010) وزاد عليها خلال عمل العيساوي وزيراً للمالية منذ عام 2010 إلى الآن، والسؤال الذي يتهرب المالكي من الإجابة عنه هو: كيف تقبل وزيراً (إرهابياً) في حكومتك طيلة ست سنوات وأنت ساكت عنه؟ أليس التستر على جريمة، جريمة يعاقب عليها القانون يا رئيس ائتلاف دولة القانون؟
أما ما حدث للشيخ حارث الضاري فهو الجبن والخسة بأوضح صورهما، فهذا الرجل الذي أثبتت مواقفه الوطنية والقومية ومعارضته الصريحة للاحتلال ورفضه للمحاصصات الطائفية والعرقية، انه عراقي أصيل وعربي حر ومسلم صادق، بات شوكة في عيون الطائفيين وخنجراً حقاً في خاصرتهم الرخوة دائماً، وهو يزداد تألقاً يوماً بعد يوم في أجواء العراق ويستقطب احترام وتقدير العراقيين في حين تتسع النقمة على نوري المالكي ويتصاعد الغضب الشعبي ضد سياسته وقراراته وقوانينه وممارساته.
إن الحراك الشعبي الذي تشهده المناطق والأحياء السنية العربية في بغداد ومحافظات الانبار والموصل وصلاح الدين وكركوك وديالى، وامتداد التظاهرات الشعبية والاعتصامات المدنية إلى كل شبر ومتر فيها، يعبر عن حجم المعاناة التي تعرض لها السنة العرب في العراق، وما زالوا يتعرضون له يومياً من المالكي وحلفائه الطائفيين، رغم أنهم أبدوا في أكثر من مناسبة وحالة أنهم على استعداد للقبول بأن يكون الشيعة رؤساء لهم ووزراء ومسؤولين وقادة، شرط ان يكونوا عراقيين أولاً يخلصون للبلد ويحرصون على وحدته وسيادته، غير ان الذي حصل ويحصل حالياً ان حزب الدعوة ورئيسه المالكي، لا يريدان تسخير السنة العرب كخدم وأذلاء لهما فحسب، وإنما يسعيان إلى إلغاء الهوية السنية وما تحمله من مبادئ إنسانية وقيم دينية ومفاهيم وطنية وقومية، وتحويل ملايين السنة العرب إلى التشيّع الصفوي، وإلى لطامين ودعاة أوهام وخرافات وبدع وضلالات، وهذه لا تنسجم تاريخيا مع إرث السنة العرب الثقافي والحضاري، ولا تتوافق مع تقاليدهم وأعرافهم، لذلك فإنّ الصدام بينهم وبين من يريد تقزيمهم وتغيير عقائدهم وسلب حقوقهم وانتهاك أعراضهم وحرماتهم قادم لا محالة.
لقد أثبت السنة العرب عبر وقفتهم المشرفة وحراكهم الشعبي الصامد منذ أكثر من شهرين، انهم عازمون على المواجهة مع الأطراف الصنمية التي لا تريد ان ترى او تسمع الحق، بعد ان أصبحت وحدتهم وتضامنهم حقيقة ماثلة لا لبس فيها ولا شك، وانظروا إلى حشود المتظاهرين والمعتصمين، وهي تضم الشباب والشيوخ والنساء، ورجال الدين ورؤساء العشائر، المثقفين والأكاديميين، العمال والفلاحين، والكسبة والحرفيين، الطلبة والموظفين، الضباط والعسكريين، في مشهد يؤكد وحدة الصف والكلمة والخطاب، لا فرق بين وطني وإسلامي، وقومي ويساري، ومحافظ وتقدمي، فالجميع في خندق واحد ومركب واحد.. والحراك الشعبي يَجُب ما قبله، ويشطب على كل الخلافات والحساسيات السابقة في مواجهة الباطل
962 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع