بدري نوئيل يوسف
من حكايات جدتي ...الثالثة والستين
الحطّاب وبناته الثلاث
حدثتنا جدتي:كانت زوجة رجل فقير تصنع الزبد و هو يبيعها في المدينة لأحد البقالين، وكانت الزوجة تعمل الزبد على شكل كرة وزنها كيلو غرام واحد ويشتري من البقال بثمنها حاجات البيت من سكر وطحين ومواد اخرى.
وفي أحد الايام شك البقال بالوزن فقام ووزن كل كرة من كرات الزبده فوجدها تسعمائة غرام، فغضب من الفقير
وعندما حضر الفقير في اليوم الثاني، قابله بغضب وقال له: لن أشتري منك يا غشاش تبيعني الزبد على أنها كيلو غرام ولكنها أقل من الكيلو بمائة غرام، حزن الفقير ونكس رأسه ثم قال: نحن يا سيدي لا نملك ميزان ولكني اشتريت منك كيلو من السكر وجعلته لي مثقال كي أزن به الزبد.
تيقنوا تماماً أن (مكيالك يُكال لكَ به) فكونوا أمينين مع الآخرين في كل شيء يا اولادي.
أما حكايتنا لهذه الليلة:كان حطّاب فقير جداً كبيراً في السن عنده ثلاث بنات، يحطب كل يوم بعض الحطب يبيعه ويشتري بثمنه قليلاً من الطعام لبناته، بحيث لا يكاد يسد الرمق، استمر على هذا الحال حتى انهدّ حيله وضعفت قوته، ولم يعد يقوى على العمل، فقرّر أن يتخلّص من بناته ويرتاح من همهنّ، فأخذهن إلى الغابة بحجة أنهن سيساعدونه، وبعد فترة من العمل جلس الجميع على حافة البئر ليرتاحوا.
ادعى الحطاب أن الإبرة الكبيرة التي تُخَاطُ بِهَا الاكياس وقعت منه في البئر، فطلب من ابنته الكبيرة أن تنزل إلى البئر لتبحث عن الإبرة فدلاّها بالحبل، وبعد قليل نادته ابنته أنها لم تجدها، فأنزل ابنته الوسطى وقال لها: أربع عيون يرون أفضل من اثنتين، بعد مدة من الزمن نادته الوسطى أنها لم تجد الإبرة، فأنزل البنت الصغيرة وقال لها: ست عيون يرون أفضل من أربع، ثمّ دلاّها بالحبل إلى أخواتها، ولما أصبحت أسفل البئر رمى الحبل في البئر وتركهم ومضى في حال سبيله.
بقيت الأخوات يفتشن حتى يئسن من إيجاد الإبرة، فأخذن ينادين أباهم ليخرجهم من البئر، لكن دون فائدة حتى تعبن وشعرن بالجوع، فبكين كثيراً حتى نعسن ونمن، وبعد ساعات أفاقت الصغيرة، فقامت تتلمّس جدران البئر في الظلام فمرّت على فتحة صغيرة يدخل منها هواء بارد، فدخلت منها بصعوبة، فإذا هي في دار كبيرة واسعة في وسطها شجرة كبيرة معلّق بأغصانها صيد كثير من الغزلان والطيور، فشمّرت عن يديها وعملت بهمّة ونشاط، ونظّفت الدار وكنّستها، ورشّتها بالماء ورتّبتها، وأنزلت الصيد ونظّفته وقطّعته، ووضعته في قدر كبير وطبخته وطبخت معه قدراً من البرغل، ثم رتّبت المائدة وصفّت عليها الطعام، وملأت صينية من الطعام وحملتها، وعادت بها إلى أخواتها، فتعجبوا من أمرها وسألوها من أين هذا الطعام وكيف وجدته،، روت لهم ما جرى معها، فأكلوا حتى شبعوا وحمدوا الله ثم ناموا حتى الصباح.
أما الدار فقد كان أصحابها ثلاثة فرسان شجعان يخرجون كلّ يوم إلى الصيد ولا يعودون إلى المساء، ذلك اليوم عادوا فرأوا العجب، المائدة مرتّبة وعليها أشهى الطعام، تفوح منه أطيب الروائح، لم يذوقوا مثله في حياتهم، فعرفوا أن أحداً ما دخل الدار في غيابهم، وفعل كل هذه الأعمال، فأكلوا بنهم وشبعوا وناموا إلى الصباح.
في اليوم الثاني عندما عادوا إلى البيت رأوا الأمور ذاتها قد حدثت فزاد استغرابهم، وقرّروا أن يعرفوا من يأتي في غيابهم، ويصنع كل هذه الأعمال، واتفقوا أن يبقى أخوهم الكبير حسين ليكشف لهم السر، لكنه جلس فترة طويلة من الليل حتّى ملّ ونعس ونام، ولما عادوا أيقظوه من النوم، وقد جرى ما يحدث في كل يوم، ولم يتمكن من معرفة الحقيقة، في اليوم التالي بقي الأخ الأوسط، فجرى معه مثل ما جرى مع أخيه الكبير ونام ولم يعرف ما يحدث، فجاء دور الأصغر فصمّم على كشف السر مهما كلّفه الأمر.
جلس الاخ الصغير يراقب ساعات طويلة من الليل حتى أحسّ بالنعاس، وحتى لا ينام أحضر دلواً ملأه بالماء، وعلّقه في الشجرة وجلس تحته، فكان تسقط على وجهه نقطة ماء كل لحظة، فتنبهه من غفلته فبقي مستيقظاً طوال الوقت، وبعد منتصف الليل رأى فتاة رائعة الحسن والجمال تدخل إلى الدار من الطاقة الصغيرة، وشاهدها كيف تنظف وترتب وتصنع وتطبخ الطعام، وتجهّز المائدة، وعندما انتهت وحملت صينية الأكل إلى أخواتها، هجم عليها الاخ الصغير وأمسك بها وصاح بها:أنت إنسية أم جنية ؟
خافت الفتاة منه ولاذت بالصمت ولم تجبه، فأجلسها وبقي يسايرها ويحدّثها بألطف الكلام حتى اطمأنت، فروت له قصتها من أولها إلى آخرها، فذهب معها وأحضر أخواتها وأعطاهم الأمان، وجلسوا جميعاً يتسامرون حتى حضر إخوته، ففرحوا بهن كثيراً، وتزوج كل منهم الفتاة التي تماثله بالعمر، وعاشوا جميعاً في السرور والهناء وراحة البال والصفاء.
4841 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع