ليلة الخناجر السعوديه .. نهاية المملكه أم بداية جديدة ؟

                   

                        د.جورج فريدمان 

ليلة الخناجر السعوديه .. نهاية المملكه أم بداية جديدة ؟

منذ ما يقرب من قرن ، حُكمت السعوديه من قبل شيوخ العائله المالكه ، التي تجد نفسها الآن تحت سيطرةٍ فعليةٍ من قبل ولي العهد ، البالغ من العمر 32 عاماً ، « محمد بن سلمان » . سيطر على وزارة الدفاع ، ولديه خطط كبيرة للتنميةِ الإقتصاديه ، ورتب الأسبوع الماضي القبض على بعض من أقوى الوزراء والأمراء في البلاد . وقبل يوم واحد من الإعتقالات ، قام الحوثيون في اليمن المتحالفون مع إيران ، المنافس الإقليمي للمملكه العربيه السعوديه ، بإطلاق صاروخ باليستي على الرياض . ويدّعي السعوديون أن الصاروخ إيراني ، وأن إطلاقه على الرياض قد يعتبر « عملاً من أعمال الحرب » .

وكانت السعوديه لفترةٍ طويلةٍ مركزاً للثبات ، بل والجمود ، في المنطقه . لكن الأمور تغيرت بعد عام 2008 . وإعتمدت السعوديه ، مثل روسيا ، على عائدات النفط للحفاظ على إستقرار النظام . ودفعت الأزمة الماليه العالم إلى ركود مطرد ، حيث كان النمو بنسبة 2% في الناتج المحلي الإجمالي يعتبر ازدهاراً . وهذا بالطبع وضع سقفاً للإنتاج الصناعي ، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى خفض أسعار النفط . وفي حين كان النفط يقارب 100 دولار للبرميل ، إرتفعت المخزونات ، بما في ذلك بسبب التحول المذهل للولايات المتحدة إلى النفط الصخري ، وتسبب ذلك في إنهيار الأسعار . وحاولت أوبك والسعوديه و روسيا ( ولا تزال تحاول ) تعزيز الأسعار بإستخدام مخططات مختلفه . لكن المشكله هي أنه عندما يتم تقليص الإنتاج ، يسارع بعض المنتجين ، اليائسين من عائدات النفط المنخفضه ،إلى ملء الفراغ . وقد وضع هذا السعوديين في موقف رهيب .
المال هو الملك
وأُنشئت المملكه العربيه السعوديه بين الحربين العالميتين تحت إشراف البريطانيين . وفي عشرينات القرن العشرين ، هزمت قبيلة تعرف بإسم السعوديين الهاشميين ، وضمت بشكل فعال الأجزاء الخارجيه من المملكه التي لم تكن قد سيطرت عليها بعد . وإعترفت المملكه المتحده بمطالب السعوديين بعد ذلك بوقت قصير . ولكن منذ ذلك الحين ، تمزقت قبيلة السعوديين بالطموح والغضب والدسائس .
وحافظ السعوديون على حكمهم جزئياً من خلال دعم قطاعات معينه من المجتمع السعودي مالياً . وبالنسبةِ لـ ( آل سعود ) ، كان النقد سلاحاً إستراتيجياً . ووزعت المال بحكمةٍ ، وقد ذهب معظمه إلى العائله المالكه ، لكن كميةً سخيةً منه ذهبت لمجموعات أخرى في المملكه ، حيث إشترت عبر ذلك الإستقرار والأمن . وكان من بين أهم المتلقين للأموال رجال الدين الوهابيين ، وهم حراس البوابه الإسلاميه العليا في المملكه . وعندما غزا السعوديون مكه والمدينه ، أصبحوا حماة المدن المقدسه .
وكان هذا شرفاً ومسؤوليةً عظيمه وعبئاً سياسياً . وكان على السعوديين تمويل الوهابيين ، وأصبحوا بعد ذلك محاصرين بهم . وقد عرفت العائله المالكه وآخرون كيف يقضون أوقاتاً جيده في لندن وباريس والمدن الأوروبيه الأخرى . ولم يأخذ البعض ، وإن لم يكن كلهم ، الإسلام المحافظ بجديه . ولكن الآخرين في المملكة فعلوا ذلك ، وأصبح هذا مساراً خاطئاً تتبعه المملكه ، ذلك المسار الذي دفن تحت المال .
غير أن الأموال كانت في نهاية المطاف ضماناً قصير الأجل ، وبدأ فصيل من العائلةِ المالكه فهم نقاط ضعفها . وأصبح النفط وفيراً في السوق العالميه ، وأصبحت الولايات المتحده غير راغبةٍ في خدمة الإحتياجات السعوديه ، لا سيما وإن السعوديين ، أو الجانب الوهابي من العائلةِ المالكه ، كانوا مصدر دعمٍ للجماعات الجهاديه .
ومع إنخفاض أسعار النفط ، فقد السعوديون أيضاً نفوذهم القوي داخل شبه الجزيره . وتعرضت بلدان مثل اليمن، التي عانت تأريخياً من تدخل السعوديين ، لزعزعة الاستقرار .
وفي العراق ، يتخذ السُنّه المتحالفون مع السعوديين حالةً دفاعيه ، بل يعانون من الخساره .
وتطلبت أسعار النفط المنخفضه إستراتيجيةً بديله . ولكي يتمكن السعوديون من البقاء على قيد الحياة ، فإنهم سيحتاجون إلى توليد الدخل من مصدر إضافي . وهكذا سلم الملك « سلمان » مفاتيح المملكة إلى إبنه « محمد بن سلمان » .
وفي واحدةٍ من أولى تحركاته التي قام بها بينما كان لا يزال ولياً لولي العهد ، كشف النقاب عن خطة طموحة بشكل مذهل ، تسمى رؤية 2030 ، لتحويل السعوديه من إقتصاد قائم على النفط إلى قوة صناعيه متقدمه . ولهذا العمل ، كان هناك أمران يجب أن يحدثا :
أولا ، كان على أفراد العائله المالكه وغيرهم مواءمة مصالحهم الاقتصاديه مع الدوله السعوديه .
وكان على ولي العهد أن يضغط للحصول على المال من داخل المملكه وخارجها . وكانت خطته لبيع جزء من شركة النفط المملوكه للدوله ، أرامكو السعوديه ، جزءاً من هذه المحاوله ، كما إنها ترمز إلى حقيقة أن النفط لم يعد من الممكن أن يكون الملك .
ثانياً ، إضطر ولي العهد إلى كسر سلطة رجال الدين الوهابيين على الثقافه السعوديه . فبناء ثقافه صناعيه لا يتوافق مع الوهابيه . وكان الوهابيون ملتزمين بعلاقات إجتماعيه وجنسانيه ثابته . وقد إتفق ذلك مع إقتصاد قائم على مبيعات النفط ، لكن التصنيع يتطلب ثقافه ديناميكيه مع علاقات إجتماعيه تتغير بإستمرار .
وكانت المقاومه للخطه الجديده مكثفه ولكن هادئه . ومن الواضح أن « محمد بن سلمان » قد توصل إلى نتيجةٍ مفادها أن عليه أن يواجه هذه المعارضه علناً ، ​​خشية أن تقوض خطته بهدوء . وكانت أول خطوةٍ رئيسيةٍ مفتوحةٍ له هي السماح للنساء بقيادة السيارات . ويمثل هذا هجوماً مباشراً على رجال الدين ، ويسبب لهم قدراً كبيراً من الإنزعاج . وكانت الخطوة الثانيه هي المضي قدماً في الطرح العام الأولي لشركة أرامكو السعوديه . وسوف يختار البورصه التي ستدرج بها الأسهم عام 2018 .
الضربة الأولى
وبالتأكيد ، واجه الهجوم المباشر تهديدات بالإنقلاب . وكان على الأمير الشاب مواجهة هذه التهديدات ذات المصداقيه ، لأن الكثير من المصالح كانت تتعرض للهجوم . فقام أولاً بالقبض على الأمراء والرجال الذين شكلوا النخبه السعوديه . وكانت مقامرةٌ خطيرةٌ . فلا تزال هناك معارضةٌ قويةٌ ، لكنه لم يكن لديه خيار سوى التصرف . وكان أمامه إما أن يبدأ بالضربةِ الأولى كما فعل ليلة السبت من الأسبوع الماضي ، وإما السماح لأعدائه بإختيار وقت ومكان ذلك الهجوم . ولا شيء آمن بعد ، لكن مع هذه الضربه ، فقد إشترى لنفسه بعض الوقت .
وفي خضم هذا ، فتح جبهةً جديدةً مع عدو خارجي . فقبل يوم واحد من الضربه ، تم إطلاق صاروخ على الرياض من اليمن من قبل الحوثيين ، وهي طائفه شيعيه متحالفه مع إيران . ويقول المسؤولون السعوديون إن الصاروخ إيراني الصنع ، على الرغم من أن الإيرانيين ينكرون ذلك . وكانت محاولةً جادةً لضرب الرياض ، لكن السعوديين إعترضوا الصاروخ .
وركزت إدارة « ترامب » بشدةٍ على برنامج إيران الصاروخي . وكان الإيرانيون على ما يرام منذ توقيع الإتفاق النووي عام 2015 . وقد أصبحوا القوه السياسيه المهيمنه في العراق .
وقد لا يكون دعمهم لنظام « بشار الأسد » في سوريا كافياً لإنقاذه ، لكن إيران كانت على ما يبدو في الجانب الفائز من الحرب الأهليه السوريه .
وتضرر حزب الله بسبب مشاركته في الحرب ، لكنه أنعش خبراته وعزز النفوذ الإيراني في لبنان ، في وقت يواجه فيه لبنان أزمةً بعد إستقالة رئيس الوزراء الأسبوع الماضي .
ومن ناحية أخرى ، لا يتصرف السعوديون بشكل جيد . فقد فشل الائتلاف المناهض للحوثيين في اليمن في كسر شوكتهم ، ودخلت إيران علناً ​​في تحالف مع قطر ضد رغبات السعوديين وحليفتهم الإمارات العربيه المتحده .
ويبدو أن إيران تشعر بإمكانية تحقيق حلم زعزعة إستقرار المملكه ، وإنهاء قدرتها على دعم القوات المناهضه لإيران ، وكسر سلطة الوهابيين السُنّه . ويجب على إيران أن تنظر إلى الإعتقالات في السعوديه على إنها خطوةٌ سيئةٌ للغايه مهمةٌ للغايه ، فقد دفع « بن سلمان » الأصوليين والنخبه الماليه في طريق مسدود ، وهم يائسون الآن ، وقد تكون هذه لحظتهم للرد والدفاع عن أنفسهم ومصالحهم .
وإذا ما تم ذلك في وقت قصير ، فقد يؤدي إلى حربٍ أهليةٍ في المملكه . وإذا تمكنت إيران من ضرب الرياض بالصواريخ ، فإن خصوم ولي العهد قد يتهمون الأمير الشاب بإنشغاله للغايه بخططه ، وإنه لا يولي إهتماماً للتهديد الحقيقي . وبالنسبة للإيرانيين ، فإن أفضل نتيجةٍ هي عدم وجود أحد على القمةِ .
ومن شأن هذا أن يُعيد تشكيل الخارطه الجيوسياسيه في الشرق الأوسط . وبما أن الولايات المتحدة تشارك بعمق في هذه المنطقه ، فلديها قرارات لإتخاذها . وتحتاج الولايات المتحده إلى أخذ الإيرانيين في الإعتبار كقوةٍ إقليميةٍ يمكن الإعتماد عليها .
والسعوديون هم القوه الرئيسيه ، ولكن إذا لم يتمكنوا من لعب دورهم كزعيم إقليمي ، فإن الولايات المتحده سوف تضطر إلى البحث عن بدائل . وسيكون أحد الخيارات هو تدخل آخر في الشرق الأوسط ، وهو أمرٌ لم ينجح بشكل جيد بالنسبةِ للولايات المتحدة في الماضي . ومن الواضح أن الولايات المتحده تدعم التحديث السعودي لأنه سيُضعف الوهابيين ، ولكن هذا مشروع طويل الأجل .
وستكون ليلة الخناجر بمثابة بداية مملكه سعوديه جديده أو إيذاناً بنهاية التجربه . وفي كلتا الحالتين ، سيضعف السعوديون . وهذا أمر جيد لإيران وسيء للولايات المتحده . وقد يكون تشجيع السعوديين على إجراء هذه التغييرات فكرة جيدة ، لكنه يعني موقفاً أمريكياً أسوأ بكثير في المنطقه .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1353 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع