د.صالح الطائي
صوفية المعنى في قصيدة النثر
قراءة في نتائج جلسة توقيع مجموعة طقوس صوفية للشاعر الواسطي زهير البدري
منذ أن تم افتتاح (مقهى دجلة الثقافي) في محافظة واسط منذ أكثر من أسبوعين على غرار المقاهي الثقافية الموجودة في البلدان العربية والعالم؛ ونحن ننتظر النشاط الثقافي لهذا المقهى الوحيد من نوعه في المحافظة، واليوم 1/12/2017 كانت المفاجأة بتنظيم أول حفل توقيع كتاب، فكانت الجلسة مميزة بكل شيء لأنها عقدت بحضور نخبة مختارة من المثقفين الواسطيين الذين اجتمعوا على رائحة القهوة التي تعطر القاعة بأريجها لتكون فاتحة خير للثقافة الواسطية.
إن حفل التوقيع هذا نظم بمناسبة صدور مجموعة (طقوس صوفية) للأديب الواسطي زهير البدري. والمعروف أن الأستاذ البدري يكتب في السهل الممتنع، والسهل الممتنع إما أن يكون سهل الظاهر صعب الباطن أو العكس. أما أصل التسمية فمكون من كلمتين، الأولى: السهل، وهي الأرض المنبسطة وكل شيء يميل إلى اللين والانبساط والنعومة والبعد عن التعقيد، وبالمجمل هو الاسترسال والانبساط الخالي من التكلف. أما الممتنع فمعناه مأخوذ من الممانعة وربما يعني حصول الشيء دون تعقيد، وبالتالي تجتمع المفردتان لتعطي لقصيدة النثر صورتها.
مكن الاشتغال على السهل الممتنع الشعراء من الولوج إلى عالم (قصيدة النثر) التي لا زال الرأي فيها مختلفا بين مؤيد ومعارض. وقصيدة النثر جنس أدبي ظهر في ساحة الأدب العربي منذ زمن قصير كنوع من التقليد للمنهج الغربي الذي هو الآخر لا يملك تاريخا بعيدا، لكنه حضي بمكانة مرموقة لدى نقادهم وروادهم بعد ان نجح في بناء مقوماته البنائية ابتداء من الجرس الموسيقي إلى الصورة الشعرية المتكاملة إلى النظام المقطعي والتكيف وأخيرا الإيجاز والسلاسة.
لكن هذا الجنس الأدبي لم يحاول تطوير نفسه ضمن حدود المساحة التي اختارها لنفسه لتتضح حدوده الطبيعية التي يشار إليها بالبنان، فهو حتى مع تشخيص وجود الاختلاف بين قصيدته النثرية وقصيدة الشعر الحر، لا زال الذين امتهنوه من الأدباء يحاولون الخروج من قولبة قصائده ليكتبوا وفق نظام الأسطر المنفصلة التي تبدو أكثر قربا لقصيدة الشعر الحر منها إلى قصيدة النثر، والمجموعة التي احتفينا اليوم بها تكاد بعض قصائدها أن تكون من هذا النمط بالتحديد، أي التزاوج والمزج بين المنهجين. واقعا أنا لا أجد غضاضة في ذلك، بل أجد ان الحلاوة والطلاوة التي وجدتها في مجموعة (طقوس صوفية) حينما قرأتها نابعة من هذا الخلط بالذات، وهو الذي أعطاها ذلك التناغم الشفاف لتخرج من البحث عن فخامة الكلمة إلى رونق المعنى بكلمات بسيطة خالية من التعقيد والغرابة.
إن مجموعة طقوس صوفية هي المجموعة الثانية التي أصدرها الأديب زهير البدري هذا العام، وبرأيي المتواضع اجدها تشكل إضافة للمشهد الثقافي الواسطي، بل والمشهد الثقافي العربي، وهي تؤشر إلى ولادة جيل من الشعراء المجددين.
4763 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع